“باللحم الحيّ” ومعدّات المنازل.. متطوعون في غزة يساندون في إنقاذ أرواح المدنيين
“نحفر بأيدينا وبمعدات بناء متهالكة، ونواصل العمل ساعات طويلة من أجل إنقاذ حياة، أو انتشال شهيد”. بهذه الكلمات يصف أحمد أبو خاطر، أحد سكان قطاع غزة، تطوعه رفقةَ العشرات من أصدقائه وجيرانه لإنقاذ ضحايا الحرب الإسرائيلية من تحت الأنقاض.
أبو خاطر شكّل خلال الحرب فريقاً تطوعياً من عمال بناء، اضطُروا إلى التوقف عن العمل، وباتوا يتنقلون بين الأزقة والشوارع في المنطقة الوسطى لقطاع غزة، من أجل إنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء من تحت أنقاض المنازل المدمرة.
قصص ومشاهد مؤلمة يعايشها أبو خاطر خلال عمله التطوعي، ويصفها لـلميادين نت بالقول: “نحفر بأيدينا للوصول إلى الشهداء والجرحى، ونسمع صراخ العالقين وآلام الجرحى منهم. المشهد محزن للغاية ولا يمكن وصفه بكلمات قليلة”.
يسمع أبو خاطر مناشدات العالقين تحت الأنقاض، ويقول إن “الأصوات تقطع القلوب، فنسابق الزمن للوصول إلى الناجين، لكن الإمكانات تكاد تكون منعدمة، وهذا ما يؤخر مهمتنا في بعض الأوقات”.
يستذكر الشاب الفلسطيني محاولات إنقاذه طفلتين عالقتين تحت الأنقاض في مخيم النصيرات، عبر استخدام خرطوم مياه لإيصال الهواء إليه، بحيث كان أحد المتطوعين ينفخ فيه من أجل إيصال الهواء إلى الطرف الآخر، حتى تبقى الطفلتان في قيد الحياة.
“حاولنا جاهدين إنقاذ الطفلتين، وأدخلنا خرطوماً آخر من أجل إيصال المياه إليهما، واستمرت مهمة الإنقاذ أكثر من ثلاث ساعات، حتى نجحنا في النهاية”، يقول أبو خاطر مستطرداً: “لم نتمالك أنفسنا من الفرح، وأخرجنا الطفلتين بأصوات التكبيرات والتهليل”.
أفقدت الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، المتهالك أصلاً بسبب الحصار الإسرائيلي، القدرةَ على إنقاذ آلاف الشهداء والجرحى، الأمر الذي تسبب بزيادة أعدادهم، والحيلولة دون الوصول إلى من هم تحت الأنقاض.
كل ذلك كان سبباً في فقدان الدفاع المدني قدراته على إنقاذ الأرواح، وجعل الحاجة ملحّة إلى وجود متطوعين يعملون، ولو عبر إمكانات بسيطة، على مساعدة طواقمه على إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، وخصوصاً في أوقات الحروب.
فجهاز الدفاع المدني الفلسطيني، والذي لا يمتلك سوى 5 آليات ثقيلة وبعض المعدات الخفيفة، ويفتقر إلى الأدوات المنقذة للحياة، يعاني منذ 17 عاماً بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي إدخال العربات والمعدات الحديثة، ورفض إدخال معدات الصيانة أيضاً.
وتظهر الأوضاع المأسَوية، التي يعيشها قطاع غزة المحاصَر بفعل الحروب الإسرائيلية المتعاقبة، حاجته إلى منظومة صحية وإغاثية متطورة، وفرق تطوعية تساند منقذي الدفاع المدني عند الحاجة.
وجود المتطوعين له الأثر الأكبر في إنقاذ الأرواح
ويفيد مدير عمليات الدفاع المدني في قطاع غزة، أشرف أبو نار، بأن “هناك حاجة ملحة لدى الدفاع المدني فيما يتعلق بالمتطوعين، وخصوصاً أن الحرب الإسرائيلية الحالية عنيفة جداً، وتحتاج إلى إمكانات دول متقدمة للتعامل مع الكم الهائل من الإصابات والقصف الوحشي”.
ويؤكد أبو نار أنّ “وجود المتطوعين في مناطق الاستهداف كان له الأثر الأكبر في إنقاذ الأرواح وابتكار الحلول الأفضل للوصول إلى العالقين تحت الأنقاض، على الرغم من أن هذا الأمر في حاجة إلى تنظيم لتحسين جودة العمل”.
ويضيف: “لا نمتلك أدنى مقومات من أجهزة الدفاع المدني الموجودة في الدول النامية أو المتطورة، وهذا الأمر يؤثر في قدرتنا على إنقاذ الأرواح، وأعداد منتسبي الجهاز قليلة، وبعضهم اعتقلهم الاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم استُشهد أو أصيب بفعل القصف، الأمر الذي يدفعنا إلى الاستعانة بالمتطوعين”.
“معداتنا متهالكة، وعدد كبير من السيارات خرج عن الخدمة ولا يمتلك الوقود اللازم، لذا هناك تفكير جدي في اعتماد لجان تطوعية في مختلف مناطق قطاع غزة من أجل ضمان الوصول الأسرع إلى العالقين تحت أنقاض المنازل المدمرة”، يقول أبو نار.
ووفق المسؤول الفلسطيني، فإن “الاحتلال الإسرائيلي لم يسمح للدفاع المدني بتطوير معداته منذ عقود طويلة، وما يتوافر لدى الجهاز مجرد معدات بسيطة وبدائية، والمتطوعون لديهم القدرة على توفير بعض المعدات، علاوة على قدراتهم البدنية وخبراتهم في التعامل مع الركام لأن معظمهم من عمال البناء”.
ويؤكد أبو نار أن “المتطوعين ساهموا في إنقاذ كثيرين من العالقين تحت الأنقاض، وانتشال مئات الشهداء، وتمكنوا من مساعدة رجال الدفاع المدني في عملهم خلال الحرب الإسرائيلية على غزة”.
اضطررت إلى الزحف أكثر من 20 متراً وأنقذت 50 شخصاً
وللفلسطيني جمال عبد الكريم قصة أخرى في مساعدة فرق الإنقاذ، يقول عنها إنها “أسوأ تجربة في حياته، لم يصدق أنه نجا من الموت، ونجح في إنقاذ 3 أرواح من السكان الذين بقوا تحت الأنقاض أربعة أيام متواصلة”.
ويفيد عبد الكريم لـلميادين نت بأنه “يجوب عدداً من المناطق في غزة حاملاً معه شاكوشاً ومعدات بدائية ليساعد في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض”، قائلاً: “أغلبية الذين يتم إنقاذهم شهداء بسبب القصف الإسرائيلي المكثف، لكننا نواصل عملنا أملاً في إيجاد ناجين تحت الأنقاض”.
وعن إنقاذه ثلاثة من السكان، وصف عبد الكريم المشهد بـ”المأسَوي للغاية”، بحيث اضطر إلى الزحف أكثر من 20 متراً حتى وصل إلى المنزل المستهدَف، شمالي مدينة خان يونس، ووصل إلى منزل سكني قصفه الطيران الإسرائيلي، وكان في داخله أكثر من 50 شخصاً.
وقال عبد الكريم: “وصلت بصعوبة إلى المكان وبدأت الحفر متخفياً عن أعين الآليات الإسرائيلية القريبة، وشرعت في الصراخ والسؤال عن ناجين، لأُفاجَأ بأصوات تحت الأنقاض لأب وزوجته وطفله، الذي لم يتجاوز خمسة أعوام”.
وبحسب عبد الكريم، فبعد أن وصل إلى المكان، اقترب آخرون من رفاقه وساعدوه على إنقاذ الأسرة التي كانت تحتمي أسفل درج انهار جزءاً منه بفعل القصف، متابعاً: “لولا بقاء جزء من الدرج لكانت العائلة وعملية الإنقاذ تمت بشاكوش ومعدات بناء”.
ويُرجع المتطوع أحمد سلمان تحرك المواطنين من أجل إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، بسبب تهالك المعدات الإغاثية لدى جهاز الدفاع المدني، واستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لها، قائلاً: “رأيت بأم عيني قصف الاحتلال سيارة دفاع مدني وتدميرها بالكامل”.
هذا المشهد دفع سلمان إلى أن يكون أحد الجنود المجهولين في إنقاذ الضحايا، بحيث يهبّ، خلال تنقله في مختلف مناطق القطاع، إلى المساعدة في أي مكان ما زال فيه عالقون أو شهداء، بحيث يقوم بنفسه بالبحث عن أماكن القصف والمساعدة في عمليات الإنقاذ.
“تشققت يداي بسبب الحفر بهما للوصول إلى الضحايا، الأمر يحتاج إلى مجهود بدني كبير جداً ومرهق للغاية، لكن لا نشعر بكل التعب والعناء في حال نجحنا في إنقاذ شخص واحد، وهذه المهمة نتحدى بها الاحتلال على رغم ضعف الإمكانات”، يقول سلمان.
ولا يغيب الدفاع المدني عن هذه المهمات، إلا أن مساعدة السكان، في ظل ضعف الإمكانات وعدم وجود المعدات الثقيلة وندرة الوقود، تجعل مهمة المتطوعين ضرورة ملحة، ويمكن أن تساهم في إنقاذ الأرواح.
ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أكثر من 7500 فلسطيني ما زالوا في عداد المفقودين، معظمهم تحت الأنقاض، بحيث اضطرت الطواقم الطبية والدفاع المدني إلى وقف البحث عن مفقودين في عدد من المناطق السكنية، بسبب كثافة القصف الإسرائيلي.
المصدر : الميادين