قاطعوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا
“عند استحالة مقاطعة كلّ شيء، عودوا إلى مبدأ: قاطعوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، والأسوأ ثمّ السيّئ”. عبارة للكاتب الفلسطيني الراحل سماح إدريس جاءت في سياق الحديث عن ضرورة مقاطعة البضائع الإسرائيلية والشركات الداعمة للكيان حول العالم. في حينها لم تكن حركات المقاطعة قد انتشرت ولاقت رواجًا وتجاوبًا كحالها اليوم بعد السابع من تشرين الأول وانطلاق عملية طوفان الأقصى. كانت حركة متواضعة، لها نتائج محدودة لكن تأثير متراكم على مستوى وعي الشعوب بأهمية المقاطعة، وصولًا حتّى عام 2017 عندما أعلن رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو أنّ هذه الحملات تشكّل تهديدًا إستراتيجًا لـ”إسرائيل”، ما دفع الكيان إلى الشروع في اتّخاذ إجراءات لمواجهة حركات المقاطعة وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد وصورة الكيان في العالم.
بعد السابع من أكتوبر، ومع مشهد المجازر الإسرائيلية وعملية الإبادة الجماعية بحق أبناء قطاع غزّة شعر العالم بضرورة التضامن مع الشعب الفلسطيني بالوسائل الممكنة، فكانت حركة المقاطعة واحدة من هذه الوسائل الفعّالة، حيث يؤكد الناشطون والمتابعون في حملات المقاطعة أثر العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزّة بارتفاع نسب المقاطعة حول العالم وانتشار هذه الظاهرة بشكل كبير وملفت، ما دفع الإعلام الإسرائيلي للحديث عن “حدة الرد العالمي على سلوك “إسرائيل” في حربها على قطاع غزّة والتي تشتد بشكل متزايد، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من المقاطعات الاقتصادية والعواقب الدبلوماسية”. ووصفت صحيفة “هآرتس” الوضع بالنكسة لا سيما على المستوى الاقتصادي والعلاقات مع الشركات التجارية حول العالم، مشيرةً إلى أنّ “اكتساب حركة المقاطعة العالمية زخماً دفع المستهلكين “الإسرائيليين” إلى الاستعداد للمزيد من الضغوط الاقتصادية، وأن عجز الحكومة عن معالجة هذه القضايا بشكل فعال يترك البلاد عرضة لمشاكل مالية أعمق في الأشهر المقبلة”.
ولا شكّ أن الإعلام الحديث وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي عزّز فكرة المقاطعة وساهم في وصولها ورواجها حول العالم، كما ساهمت تطبيقات خاصة جرى إنشاؤها مؤخرًا في عرض أسماء الشركات والمنتجات التي يجب مقاطعتها ما ساعد الناس على معرفتها واستبدالها بأخرى. وأظهر استطلاع جديد للرأي أجرته شركة يوغوف لصحيفة “صنداي تايمز” البريطانية وشمل 2053 من البالغين في المملكة المتحدة مدى انتشار حركات المقاطعة لا سيما في بريطانيا، وبحسب الأرقام الواردة في الاستطلاع فإنّ “5% من البالغين في بريطانيا يقاطعون الآن علامة تجارية واحدة على الأقل اشتروا منها سابقاً بسبب العدوان “الإسرائيلي” المستمر على قطاع غزّة”، وكان الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً أكثر مشاركة بحسب الاستطلاع، ما يعزّز الفكرة التي تتحدّث عن تفاعل الأجيال الحالية مع قضية فلسطين وتراكم الوعي حول حقيقة الكيان وجرائمه المستمرة.
وسبق لمؤلف كتاب “نظرية المقاطعة والنضال من أجل فلسطين” الدكتور نك ريمر أن تحدّث عن الأثر الفعلي للمقاطعة لا سيما في وعي الأجيال والشباب في العالم، وتطرّق في كتابه إلى أهمية تفعيل هذه الحركة من قبل الأفراد لأنها “تتجاوز الحكومات والدول غير الفاعلة، وتحقق العدالة لفلسطين”.
قد لا تتوافق حركة المقاطعة في نتائجها مع مستوى الإجرام الإسرائيلي، لكنّها بلا شكّ توجع الكيان وتترك تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية في صورته التي تهشّمت بعد السابع من تشرين الأول عام 2023، وتبقى حركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأميركية “طريقة لإظهار الغضب بشكل جماعي بشأن الوضع في غزّة ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل” كما تؤكد صحيفة اللوموند الفرنسية، وهو ما يضع الجميع أمام مسؤولية المبادرة والسعي لنصرة الشعب الفلسطيني بشتى الوسائل الممكنة ولو من خلال استبدال المنتجات الداعمة للكيان بأخرى، دون الاستهانة بأثرها الكبير وتراكم نتائجها على المدى البعيد.
المصدر : العهد الاخباري