الفشل الأميركي في البحر الأحمر وخيارات توريط السعودية
فشلت الولايات المتحدة الأميركية في حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، رغم تشكيلها تحالفًا دوليًا تحت مسمى “حارس الازدهار” منذ ديسمبر 2023. وفي آخر احصائية لعدد السفن المستهدفة، أشار قائد حركة “أنصار الله” في اليمن السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأسبوعي، إلى أنها وصلت إلى 129 سفينة “إسرائيلية” وأميركية وبريطانية. وفي الأسبوع الأخير تم تنفيذ 12 عملية موزعة على البحار الأربعة: الأحمر والعربي والمتوسط والمحيط الهندي، بـ 27 صاروخًا باليستيًا ومجنحًا وطائرة مسيّرة، أي بمتوسط عمليتين في اليوم، بثلاثة صورايخ أو طائرات مسيّرة، وهو تطوّر كبير في العمليات، التي تدل على فشل واشنطن ولندن في تخفيف أو إعاقة فضلًا عن إيقاف عمليات القوّات المسلحة اليمنية إسنادًا لغزّة.
خلال الأيام الماضية، شنّت أميركا وبريطانيا عدوانًا جويًا على عدّة محافظات يمنية، شملت صنعاء والحديدة وتعز، بما مجموعه 13 هدفًا حسب بيان أميركي عن المنطقة العسكرية المركزية، أسفر حسب مصادر رسمية يمنية عن استشهاد 16 شخصًا وجرح 35 في الغارة التي استهدفت إذاعة الحديدة وميناء الصليف.
جاءت هذه الغارات الدموية بالتزامن مع تصريحات عدائية للسفير الأميركي في عدن المحتلة ستيفن فاجن، وإجراءات تعسفية من بنك عدن، تستهدف الاقتصاد اليمني والقطاع المصرفي.
السفير الأميركي في ندوة لمعهد واشنطن، شدد على أن ما سماها الحكومة اليمنية، لن توقع اتفاق سلام مع “الحوثيين” حسب تعبيره، لأنه يعني أن يكون لهم الكلمة العليا، مضيفًا إن خارطة السلام المتفق عليها بين صنعاء والرياض :لن تكون قابلة للتطبيق”، وقال بما يشبه التهديد: “لو سيطر الحوثيون على اليمن سيكون ذلك كارثيًا ويعني ان اليمن ستكون معزولًا بدون أي تنمية ليكون وضعه مشابها للصومال”.
وكان البنك المركزي في عدن المحتلة قد أصدر قرارًا بنقل مقرات البنوك العاملة في صنعاء إلى عدن، محذرًا باتّخاذ إجراءات عقابية بحق البنوك الرافضة، كما طالب بإيداع العملة القديمة، في فروعه، وهو الأمر الذي من المؤكد أنه صدر بخلفيات الإسناد اليمني لغزّة، في محاولة لممارسة أقسى الضغوط على صنعاء، بعد فشل الخيار العسكري، على مدى أكثر من خمسة أشهر.
السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير، أشار إلى أن مسار الضغط على البنوك في صنعاء، ما هو إلا “مسعى أميركي لدعم العدوّ الإسرائيلي”، مؤكدًا أن الأميركي يحاول أن “يورِّط السعودي في هذه الخطوة، التي هي خطوة خاطئة، وظالمة، وعدوانية بكلّ ما تعنيه الكلمة”، محذرًا في ذات الوقت بانها لعبةٌ خطيرة، وهي “لعبة صب الزيت على النار”؛ ناصحًا ومحذرًا السعودية في نفس الوقت “من الإيقاع بها من جانب الأميركي خدمةً للعدو الإسرائيلي في خطوة كهذه؛ لأنها عدوان في المجال الاقتصادي”، قائلًا: “إذا تورَّط السعودي في خطوات كهذه، فالأميركي يحاول خدمةً للعدو الإسرائيلي أن يوقع به في مشكلة كبيرة، مشكلة هو في غنىً عنها”، متسائلًا: “ما الذي يدفع البعض إلى أن يقدِّموا أنفسهم وإمكاناتهم، وأن يجنِّدوا أنفسهم وما بأيديهم لخدمة العدوّ الإسرائيلي؟! هل يأتي من يريد أن يخسر كلّ شيء: أمنه، وسلمه”، مكرّرًا التحذير من مثل هذه الخطوات الداعمة للعدو الإسرائيلي، مؤكدًا أنه “لن يثنينا عن موقفنا، سنبقى في موقفنا الإيماني، الذي هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، لنصرة الشعب الفلسطيني مهما كان، لن يردنا عن هذا الموقف أحدٌ أبدًا”.
التوجّه الأميركي الأخير وربط الملف الإنساني وخارطة الطريق المتفق عليها بين صنعاء والرياض، عبر عنه أيضًا وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط، اللورد طارق احمد، حيث قال لصحيفة “الشرق الاوسط”، الاحد الماضي: “من المؤكد أن الأمرين مترابطان، فليس بإمكانهم أن يستمروا في شنّ هجمات في البحر الأحمر، بينما يراودهم الأمل في أن يأتيهم السلام بطريقة أو بأخرى. هذا غير مقبول، وإنما عليهم وقف الهجمات الآن، وأن يضعوا تلك الأسلحة جانبًا، وأن يجلسوا على طاولة المفاوضات. وهذا طلب واضح للغاية من جانب المملكة المتحدة”.
وقد كان هذا التوجّه واضحًا منذ بداية الإسناد اليمني لغزّة، بعرقلة المضي في تنيفذ خارطة الطريق اليمنية السعودية، والتي تتضمن صرف المرتبات وفتح مطار صنعاء والموانئ والمنافذ البرية اليمنية، أمام السلع والمسافرين.
تحذير السيد القائد عبد الملك الحوثي للرياض يجب أن يؤخذ على محمل الجد، عليهم أن لا يخسروا الأمن والسلم، وأن يتجنبوا مشكلة كبيرة هم في غنى عنها، حسب تعبير السيد، وعليهم أيضًا ان يتذكروا اليوم الأسود الذي عبّر عنه عبد العزيز بن سلمان، يوم السبت الرابع عشر من سبتمبر 2019، حيث تم استهداف حقول النفط في بقيق وخريص بالطائرت المسيرة اليمنية، وأدت إلى توقف نصف الانتاج السعودي من النفط. ولعلّ خير دليل الثبات اليمني بوجه كل التهديدات والضغوطات، هو الردّ الحازم والحاسم من القوات المسلّحة اليمنية على العدوان الأميركي – البريطاني الأخير، من خلال استهداف حاملة الطائرات الأميركية “ايزنهاور” في البحر الأحمر. ويعد هذا الحدث، تصعيدًا لافتًا لا بد من الوقوف عنده وملاحظة دلالاته.
المصدر : العهد الاخباري