ضرب قاعدة المنطاد العملاق “سكاي ديو”.. تعطيل جهد تكنولوجي واستخباري عمره عقد من السنين
ما معنى أن تتمكّن المقاومة الإسلامية في لبنان، في 15 – 5 – 2024، من ضرب وتعطيل منطاد تجسسي عملاق في قاعدة إيلانية التابعة للعدو غرب مدينة طبريا على بعد أكثر من 32 كيلومترًا من الحدود مع لبنان؟
المنطاد الذي أطلق عليه العدوّ اسم “ندى السماء” Sky Dew، أقام له دعاية كبيرة قبيل إطلاقه رسميًا، في 19 آذار/مارس الماضي بعد مرحلة تجريبية، ونصّبه في سماء المنطقة الشمالية من فلسطين قريبًا من الحدود مع لبنان وسورية، ليضاف إلى أبراج التجسّس الكثيرة المزروعة على طول الحدود وطائرات الاستطلاع المسيّرة من أنواع وقدرات مختلفة، فضلًا عن محطات الرادار الأرضية المختلفة.
تتوفر في هذا المنطاد الضخم الميزات الآتية:
– يصل طوله إلى 117 مترًا ويزن أطنانًا عديدة، وقد وصفه جيش الاحتلال بأنه واحد من أكبر مناطيد المراقبة في العالم.
– يُستخدم للرصد والتجسس لمسافات بعيدة تصل إلى 250 كلم، يصل مداه إلى سورية والأردن.
– يحلّق على ارتفاع 7 كلم، ويستطيع البقاء في الجو لمدة طويلة (60 يومًا) من دون الحاجة إلى تزود بالوقود.
– يحوي عشرات الكاميرات الخاصة وأجهزة رادار وأجهزة كومبيوتر صغيرة، وهو أشبه بطائرة “أواكس” للإنذار المبكر.
– يمكنه اكتشاف الأهداف على ارتفاعات منخفضة، مثل المسيّرات وصواريخ كروز، مع ذلك، تمكّنت مسيّرات المقاومة في الأيام الماضية من الوصول إلى أهدافها.
– هو نتاج مشروع مشترك بين منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية ووكالة الدفاع الصاروخي الأميركية على مدار سنوات عدة، وشاركت الشركة الأميركية المصنّعة للمناطيد TCOM في تطويره، وسُلّم إلى العدوّ في العام 2021، وحضرت وحدة أميركية خاصة إلى فلسطين المحتلة لنفخه وتجميع أجزائه الإلكترونية، واستمرت عملية تجهيزه للتشغيل واختباره قرابة عامين.
– أحيط بهذه المنظومة التجسسية منظومات حماية متعددة: حيتس (ضد الصواريخ الباليستية البعيدة المدى) ومقلاع داود (ضد الصواريخ المتوسطة المدى) والقبة الحديدية (ضد الصواريخ القصيرة المدى).
وسبق أن استخدم العدوّ مناطيد للرصد والمراقبة على الحدود مع لبنان بطول يصل إلى 55 مترًا، لكنّ منطاد “سكاي ديو” هو الأكبر والأهم من بينها على الإطلاق. وقد أرفقت المقاومة بيانها حول هذه العملية بفيلم فيديو يُظهر استخدام مسيّرتين انقضاضيتين لضرب المنطاد العملاق وتعطيله غرب طبريا، متجاوزتين منظومات الدفاع الجوي كلها والطلعات الجوية للطائرات الحربية التي كثفت دورياتها في الأيام الماضية للتصدي للطائرات المسيّرة العائدة للمقاومة. كما تضمّن الفيلم صورًا جوية التُقطت قبل العملية بيوم واحد لموقع تمركز المنطاد والمنشآت المحيطة به في قاعدة إيلانية.
واعترف العدوّ بوقوع أضرار جسيمة في المنطاد قرب طبريا بعد إصابته بصورة مباشرة، ووصف هذا الموقع بأنه أحد أهم المواقع الاستخبارية للجيش الإسرائيلي، وقال إن العملية تُعدّ أحد أعمق الهجمات التي يشنها حزب الله منذ اندلاع الحرب الأخيرة.
عملية إسقاط المنطاد في “أدميت”
قبل ضرب المنطاد الأكبر للعدو وتعطيله بيوم واحد (14 – 5 – 2024)، تمكّنت المقاومة الإسلامية من تدمير منطاد أصغر حجمًا كان مرفوعًا فوق مستوطنة أدميت في الجليل الغربي. وبعد رصد قاعدة إطلاق المنطاد وتحديد مكان فريق تشغيله، وضعت المقاومة خطة لاستهداف كلّ من: مركز الإدارة والتحكم، مركز الربط السلكي، فريق التشغيل البشري. ضُربت جميعها بثلاثة صواريخ موجّهة بصريًا أصابت أهدافها بدقة متناهية، وفقًا لما ظهر في الفيديو الذي وزعه الإعلام الحربي. وقد أصاب صاروخ مباشرة العنصر البشري الذي خرج لمحاولة إعادة توجيه المنطاد عند إصابة الصاروخ الأول مركّز التحكم. وجاء الصاروخ الثالث ليضرب مركز الربط السلكي، ما أدى إلى انفلات المنطاد الضخم ووقوعه على الأراضي اللبنانية. واعترف العدوّ بوقوع قتيل و5 جرحى في العملية، إضافة إلى خسارة المنطاد.
نجاح متعدد الأبعاد
تشير هاتان العمليتان النوعيتان المتقاربتان زمنيًا إلى نجاح متعدد الأبعاد:
– التجهيزات التي نُصبت على المنطاد الكبير، منظومة تجسسية كاملة أسهم فيها الجانب الأميركي، بشكل أساسي، لضمان استمرار التفوق الاستخباري الإسرائيلي. وبذلك، نحن لا نتحدث عن منطاد عادي مزوّد ببعض تقنيات المراقبة.
– نحن لا نتحدث أيضًا عن إسقاط منطاد بصاروخ أرض – جو مثلًا، وهو لو حصل سيكون إنجازًا عسكريًا وأمنيًا مهمًا جدًا. لكن الموضوع أبعد من ذلك؛ في نموذج منطاد “سكاي ديو” ثمة تعطيل لأكبر مشروع تجسسي في سماء فلسطين المحتلة، وذلك تمّ عن طريق الإغارة على قاعدة المشروع في عمق العدوّ باستخدام المسيّرات التي أثبتت كفاءتها وتغلّبها على عمليات التشويش كلها ومحاولات التصدي الأرضية والجوية. ومع منطاد أدميت، جرت عملية اقتلاع للمشروع من أساسه: أي ضرب قاعدة التحكّم ومركز تثبيت المنطاد والفريق البشري الذي يشغّله. وبالتالي، هذه ضربة ثلاثية ذات أهمية فائقة تدل على جهد نوعي ومميز.
– هناك نجاح استخباريّ للمقاومة، ويتمثل بقدرتها على مواصلة جمع المعلومات الدقيقة عن منشآت ومراكز تجسس للعدو عالية القيمة، بالرغم من الحضور الكثيف لسلاح الجو الحربي والمسيّر المعادي في سماء المنطقة الحدودية.
– هناك نجاح عملياتيّ يتمثل بدقة الضربات التي تستهدف المواقع والنقاط العسكرية والاستخبارية للعدو. وهذا يعيد تأكيد أن المهارات التي يتمتع بها مجاهدو المقاومة الإسلامية على الصعيد التكتيكي تتسم بميّزات عمليّة نوعية، لا سيما مع ملاحظة تفوّق العدوّ الجوي وامتلاكه لأحدث تقنيات التجسس جويًا وأرضيًا التي يُفترض معها أن أي تحرك في نقاط المواجهة هو مخاطرة حقيقية مكلفة وعملية استشهادية، فكيف الحال مع استمرار العمليات بشكل يومي على طول الجبهة؟!
رهانات العدوّ على منظومة “سكاي ديو”
مع هذه العملية النوعية جدًا، ضاعت الجهود التي بُذلت على مدى عقد من السنين لتغيير الواقع الاستخباري على هذه الجبهة. وبحسب أقوال موشيه باتيل مدير ما يُسمّى “منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية” في آذار 2022: “كان نظام “سكاي ديو” مهمّة صعبة وضعناها لأنفسنا منذ حوالي عقد من الزمن، وعندما يصبح جاهزًا للعمل؛ سيغيّر الواقع”.
وفي مرحلة إعداده وتجهيزه للإطلاق أيضًا، أشاد قائد سلاح الجو الصهيوني عميكام نوركين بنظام التجسس الجديد الذي سيوفره المنطاد الضخم، قائلا إنه: “سيمكّن مراقبة الحركة الجوية من بناء صورة جوية أكثر دقة وأوسع، وسيجعل سلاح الجو أكثر استعدادًا، ويساعده في مواصلة الحفاظ على الأمن في سماء إسرائيل”. بينما قال بواز ليفي الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية إن هذا النظام: “يوفر ميزة تكنولوجية وتشغيلية كبيرة لكشف مبكر ودقيق عن التهديدات”. أما نائب الأدميرال جون هيل مدير وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية، فأوضح أن النظام يهدف إلى تعزيز: “التفوق العسكري النوعي” لـ”إسرائيل”.
وفي 20 شباط من هذا العام، زار وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت قاعدة لسلاح الجو شمال فلسطين تحوي المنطاد العملاق، وأطلق يومها تصريحًا قال فيه: “المعادلات التي اعتقد حزب الله أنه خلقها انهارت عندما قرر سلاح الجو والجيش الإسرائيلي الهجوم في دمشق وبيروت وصيدا والنبطية، في كلّ مكان، ولا توجد معادلة تقف في الطريق”.
حرب المعلومات
إلى جانب ذلك، تواظب المقاومة على ضرب وتدمير أجهزة التجسس التي ينصبها العدوّ على أبراج ثابتة ورافعات عالية الارتفاع على طول الحدود اللبنانية، بهدف تقليص قدرته على جمع المعلومات إلى أدنى حد ممكن. وهي عمليات يومية ذات مردود استخباري مهم تحدّ من فعالية عمليات جيش الاحتلال في المواجهة الجارية. وهي عمليات تُبنى بشكل أساسي على حصيلة المعلومات التي تتيحها أجهزة التجسس الجوية والأرضية. وتمكّنت المقاومة، في الشهور الماضية، من إسقاط طائرات استطلاع متقدمة من طرازَيْ هيرمز – 900 وهيرمز – 450 بصواريخ أرض – جو. ودفعت عمليات ضرب هذه الأجهزة بشكل منهجي إلى تساؤل مصادر العدوّ عما إذا كانت المقاومة في لبنان تقوم بإعماء الاستخبارات الإسرائيلية تحضيرًا لمفاجآت كبرى في المرحلة المقبلة؟
يلاحَظ أن المقاومة كثّفت، في الأسابيع الأخيرة، استخدام سلاح المسيّرات الجوية لاستطلاع مواقع العدوّ وتحديث معلوماتها حول نقاط انتشاره، ما يمكّنها من استهدافها وتنفيذ عمليات نقطوية. ولم تتمكّن الطائرات الحربية ومنظومة “القبة الحديدية” من تعطيل وصول المسيّرات إلى أهدافها. وتسببت عمليات الاستطلاع هذه بإطلاق صفارات الإنذار في المستوطنات شمال فلسطين لساعات عديدة خلال النهار والليل، وأحدثت استنفارًا مستمرًا. وبهذه العمليات، أمكن توجيه ضربات مهمة للعدو شملت منصات للقبة الحديدية في بيت هلل جنوب “كريات شمونة” وأخرى جنوب ثكنة راموت نفتالي، منشآت صناعية تابعة لشركة إلبيت المتخصصة في إنتاج منظومات إلكترونية لجيش الاحتلال شمال “كريات شمونة”، قاعدة ميرون للمراقبة الجوية التي توجّه عمل الطائرات الحربية التي تعمل في ساحتي لبنان وسورية وتلتقط الإشارات وصولًا إلى تركيا، رادار توجيه للمدفعية أسفل قاعدة ميرون وهو رادار أميركي الصنع يحدد مصادر النيران في الأراضي اللبنانية تمهيدًا لاستهدافها، إلى جانب قصف مقرات قيادة مستجدة ومرابض مدفعية ونقاط استقرار ومنامة لضباط وجنود العدوّ في منازل ومواقع وخيم مستحدثة في المستوطنات.
يعكس هذا كله تطوّرًا في الأداء الميداني المقاوم ومراكمة للقدرات العسكرية التي لم يظهر منها إلا جزء محدود، بحسب مقتضيات المواجهة الدائرة منذ 8 تشرين الأول/اكتوبر الماضي. وأخيرًا، لا بد من القول إن عملية ضرب منظومة منطاد “سكاي ديو”، هذا السلاح الاستخباري المهم جدًا، هي تطوّر في مسار طويل لعمل المقاومة التي لا توفر جهدًا للنيل من إمكانات العدوّ وإقلاقه وتشتيت قواه واستنزاف موارده القتالية والبشرية، بالتزامن مع نجاحات المقاومة الفلسطينية في غزّة والجهود المتصلة لقوى محور المقاومة في المنطقة.
المصدر: العهد الاخباري