“بارباروسا” غزة..والليطاني.
يوم 21 يونيو 1941، وبعد أن حشد ما يقارب ثلاثة ملايين جندي على الجبهة الشرقية، وزع “هتلر” مغلفات مختومة على ضباطه في بولندا على ان تُحرق فور الاطلاع عليها، تضمنت تاريخ بدء الهجوم على الاتحاد السوفييتي أي صباح يوم 22 يونيو 1941، وبذلك يكون قد أصدر أمره بتنفيذ خطة عمليات “بارباروسا” (Barbarossa) الأسم الرمزي للعملية التي صُنفت أكبر غزو بتاريخ البشرية، وحمل المُغلف في سطوره أوامر القائد النازي أدولف هتلر لجنرالاته بشكل واضح : “أريد حرباً ضد الشعب، حرب إبادة”.
بهذا الأمر السري المُلحق بأمر العمليات “بارباروسا “، يكون هتلر أول قائد عسكري:
2- يُعلنها صراحة حربا شاملة على الاتحاد السوفيتي كدولة.
وهذا ما لم يحصل مع غيرها من البلدان التي غزاها، فإنه لم يُصدر أوامر خطية صريحة بإبادة المدنيين كحربه الشاملة على السوفيات.
-فما هي الحرب الشاملة؟
هي الحرب التي تنطوي على أي وسيلة متاحة، وتتجاهل قوانين الحرب لا مبالية بالقيود المفروضة على الأهداف العسكرية المشروعة.
تُستخدم في هذه الحرب الأسلحة
والتكتيكات التي من شأنها إلحاق خسائر هائلة في صفوف المدنيين، وحتى الوديين منهم.
اتجهت الفيرماخت (Wehrmacht)، أي القوات المسلحة الألمانية، للتوسع شرقاً على حساب المدنيين في الاتحاد السوفيتي.
أنتهت الحرب العالمية الثانية، وقُدر عدد الضحايا المدنيين في الاتحاد السوفييتي وحده بـ 19,9 مليون مدني، وهي النسبة الأعلى بين كافة الدول التي أجتاحها هتلر، حتى أن ضحايا ما يسمى “الهولكوست”، لم تلامس 17 مليون، بينهم 6 مليون يهودي إذا صحت التقديرات.
وفي مقارنة عسكرية إحصائية، بلغ تعداد الضحايا المدنيين للمملكة المتحدة بما فيها أقاليم وراء البحار بـ 518000 مدني لا غير، في وقت كانت الطائرات الألمانية تُسقط آلاف القنابل الحارقة على لندن حيث، توسل ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في حينها أمريكا للتدخل دون جدوى (للمقارنة التاريخية بين الأمس واليوم)، واصفاً هتلر بالوحش الخبيث الذي لا تشبع شهواته للدماء..
1-تنفيذ القوات المسلحة الألمانية أوامر “الفوهرر” من حيث التدمير والإبادة باستخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد المدنيين.
2-محاولة تنفيذ مبدأ الحرب الشاملة على كامل الاتحاد السوفييتي بحذافيره.
في المقابل أدت بعموم السوفييت إلى:
1- اليقين والإدراك أن هناك حرب إبادة تستهدفهم.
2-توحُد كافة قوميات وإثنيات الاتحاد السوفياتي تحت العلم الأحمر.
3-الاستبسال في القتال وتسطير الملاحم البطولية في ستالينغراد (فولفوغراد حالياً) على سبيل المثال وغيرها، حملهم إلى النصر رغم التفوق الحربي الألماني في بداية الحرب..
لنعد إلى يومنا هذا، بات واضحاً أن نتنياهو رئيس وزراء الكيان الغاصب قد قرأ على جنرالاته سفر صموئيل: “بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا” (1 صم 15: 3)، وأعطى أوامره منذ اليوم الأول مدعوماً من الغرب، “إبادة غزة”..محاولاً إسقاط عملية بارباروسا هتلر على القطاع، وإن تفاوتت المساحات بينهما..
إذاً نحن أمام حرب عالمية مصغرة مفتوحة على كل الاحتمالات، ويُطبق على نتنياهو وصف تشرشل لهتلر “بالوحش الخبيث الذي لا تشبع شهواته للدماء”.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل بإمكان العدو تطبيق سيناريو “بارباروسا” في غزة او غيرها؟..
مما لا شك فيه انه يمكنه في المرحلة الأولى من الحرب ممارسة فنون القتل والتدمير والإبادة العنصرية بأقل الخسائر في صفوفه، لكنه بمجرد إنتقاله إلى المرحلة الثانية وهي الهجوم البري فإن خسائره ستتفاقم، وفي كلا المرحلتين سيضغط على المدنيين بغية تهجيرهم، لكنه يواجه عقبات عدة تعرقل أهدافه:
1- عدم موافقة البلدان ذات الصلة على خطة التهجير وان اتفقت بعضها سراً وآخرون علناً على تدمير حماس.
2-ثبات أهل الارض ووعيهم سيكولوجياً ان هناك حرب إبادة وتهجير تطالهم إذا ما نجح فيها العدو سيخسرون كل شيء، لذلك يواجه العدو مقاومة شرسة من قبل حماس وباقي الفصائل، فمازالت المقاومة تنال من جنود الاحتلال وآلياته عن مسافة صفر في الشمال وتعرقل تقدّمه جنوباً، وفي آخر تسريب إعلامي له مؤشرات خطيرة على العدو، كشفت يديعوت أحرونوت عن أرقام الجرحى 5000، بينهم 2000 اصبحوا خارج الخدمة.
3- لا قدرة للعدو على إبادة أهل غزة لعدم استطاعته إطالة أمد الحرب إلا في حال فقدانه لاتزانه اكثر مما هو عليه وتمرده على الإملاءات والأجندات الامريكية، فيلجأ بالتالي إلى استخدم السلاح النووي التكتيكي المحرم دولياً، او الأسلحة غير التقليدية (مع الاشارة لتقارير فلسطينية طبية تتحدث عن استخدام العدو لغاز الأعصاب ولقذائف اليورانيوم المنضب)، وفي كلا الحالتين توجد محاذير استراتيجية تنعكس في حال حدوثها سلباً على المنطقة والعالم.
4-فتح محور الممانعة جبهات مباشرة ضده تحديداً في جنوب لبنان التي باتت ترهق العدو من حيث تهجير المستوطنين او الخسائر الكبيرة في صفوفه، وكذلك الحوثيين في اليمن وعرقلتهم ملاحة العدو في البحر الأحمر، او حتى عمليات المقاومة ضد قواعد الاحتلال الأمريكية في سوريا والعراق.
تجدر الاشارة، بأن عملية طوفان الأقصى لم تكن بالمستوى المطلوب من ناحية عدم توحّد الفلسطينيين في الضفة عسكرياً وسياسياً تحت راية واحدة لمواجهة الاحتلال، باستثناء بعض النقاط الساخنة في الضفة (جنين وغيرها).
-ماذا عن “بارباروسا” الليطاني؟
انها عملية عسكرية قد تشبه بالعنوان عملية جنوب الليطاني عام 1978، لكنها مختلفة في المضمون، وقد ناقشتها حكومة العدو المصغرة سابقاً خلال عدوان غزة، كأحد الخيارات المطروحة ضد لبنان، على أمل تحقيق الأهداف التالية:
1- الضغط باتجاه تهجير سكان جنوب الليطاني إلى ما بعد النهر لتصبح منطقة خالية من المدنيين يمارس فيها العدو أشكال القتل والتدمير على قاعدة اعتبار أن كل بناء، آليات، أحراج او مدنيين ضمن مسرح العمليات هي أهداف مؤكدة.
2-الوصول الى النهر مكتنفا ً المدن وتحاشي قصفها تثبيتاً لقواعد الاشتباك.
3- سيحاول العدو وحلفاؤه ممارسة أشكال الضغط على الأمم المتحدة لاصدار قرار جديد او أقله تعديل في القرار 1701 والعمل على ترسيم الحدود البرية.
4-إعلان منطقة جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح، وانسحاب العدو منها بعد تسليم قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني مهام حفظ الامن في جنوب الليطاني.
تبقى مسألة مدى قدرة العدو على تنفيذ هكذا خطط عمليات، وهو حتى الآن لم يحقق أي من أهداف أوامر عملياته العسكرية او حتى اي نصر سياسي مزعوم، في ظل تخبط حكومته غير المتجانسة بعد الهزات الارتدادية لطوفان الأقص، وهو بذلك يعيد سيناريو الفشل الذي واجهه في لبنان العام 2006.
قد يبدو سيناريو “بارباروسا” الليطاني للوهلة الاولىع مرعباً للبعض ومادة دسمة إعلامياً، لكن تناسى هذا البعض أن للمقاومة خطط عملياتها ايضاً، على الرغم من تصريحات “غالانت” الأخيرة، فإنّ العدو يعلم جيداً إنْ هو أقحم نفسه في هكذا مغامرة، فإنّ فلسطين كل فلسطين المحتلة ستكون مسرحاً لعمليات المقاومة الإسلامية..وتتزاحم الاسئلة لتطرح ذاتها، إلى أين يجّر هذا العدو المنطقة؟ والى متى سيُبقي مستوطنوه رهينة لاستراتجياته الفاشلة؟، أما آن الأوان ليهود العالم أن يتعّظوا من التاريخ؟، تاريخهم الحافل مع “هتلر” الذي وعلى الرغم من دمويته، لم يستخدم ضد شعبه و جنوده بروتوكول “هانيبال”.
المصدر : صدى وادي التيم