منوعات

لا نكبة جديدة لأهالي غزة.. النازحون من خان يونس إلى رفح يحفظون طريق العودة

لا يغيب عن بال الشاب الفلسطيني هاني أبو مصطفى المشهد الأخير لمنزله الواقع على أطراف مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بعد أن اضطر لمغادرته قسراً بفعل القصف الإسرائيلي المكثّف والاجتياح البري لمنطقته.

“النظرة الأخيرة كانت مؤلمة للغاية، التقطت صورتين للمنزل وخرجت لإنقاذ عائلتي من وحشية الاحتلال من دون أن نأخذ أيّاً من حاجياتنا وذكرياتنا”، بهذه الكلمات المؤلمة وصف أبو مصطفى لـلميادين نت رحلة نزوحه من منزله في خان يونس لمدينة رفح.

ومنذ اللحظات الأولى لانتهاء الهدنة في غزة، استهدف قصف مكثف واجتياح إسرائيلي المنطقة التي يسكن فيها أبو مصطفى على أطراف خان يونس، في ليلة هي الأكثر رعباً على نساء وأطفال المنطقة، تعرّضوا فيها للقصف والتهجير من دون سابق إنذار.

نزوح أبو مصطفى وجيرانه كان بعد نداءات من “جيش” الاحتلال الإسرائيلي عبر مكبرات الصوت بضرورة إخلاء منازلهم، على اعتبار أنها منطقة عمليات خطيرة، قائلاً: “صوت موحش حاقد طلب منا مغادرة المنزل الذي يمثّل لنا كل شيء وحوّله إلى ثكنة عسكرية”.

خرج الآلاف من السكان والنازحين في منطقة شمال خان يونس، وفق أبو مصطفى، في جماعات وبعضهم حافي القدمين، محاولين الاحتماء ببعضهم البعض، أملاً في إنقاذ النساء والأطفال، وقطعوا مسافة أكثر من 20 كيلومتراً سيراً على الأقدام.

ويتذكّر أبو مصطفى تلك الليلة بالقول: “خرجنا من المنزل تحت ضربات جيش الاحتلال، وقواته اقتحمت منازلنا وحوّلتها لثكنات عسكرية تطلق من خلالها النار على السكان وتمنعهم من التنقّل بين وسط القطاع وجنوبه”.

هذه الليلة وتفاصيل الحرب الإسرائيلية لن تغيب عن ذاكرة أبو مصطفى وعائلته وجيرانه؛ إلا أنه يؤكد أن ذلك لا يمكن أن يكون سبباً في رحيل الفلسطينيين عن أراضيهم أو التوقّف عن المطالبة بحقوقهم، متابعاً: “سنبقى صامدين وسنحرّر فلسطين وندحر الاحتلال”.

“أحفظ كل ركن في بيتي وأتمسّك بالحياة في غزة من أجل العودة إلى الأراضي المحتلة، وكل مخططات التهجير لن تثني الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم، ولن نقبل بأي حلول باستثناء رحيل الاحتلال عن كامل أراضينا”، يقول أبو مصطفى.

آلاف الفلسطينيين في مدينة خان يونس نزحوا نحو مدينة رفح عقب إعلان “جيش” الاحتلال توسيع عملياته العسكرية البرية في الجنوب والتقدّم نحو خان يونس، وهو الأمر الذي يسعى من خلاله للتغطية على فشله الذريع في معركة غزة.

يستذكر أحمد النجار، ليلة النزوح من شرق مدينة خان يونس نحو رفح في أقصى الجنوب، والتي كانت من أصعب الليالي وأقساها على عائلته، قائلاً: “خرجنا بأقل الاحتياجات وبملابس النوم، بسبب القصف الإسرائيلي المكثف لشرق خان يونس”.

ومثل حال أبو مصطفى، حوّل “جيش” الاحتلال الإسرائيلي منازل عائلة النجار القريبة من الحدود الشرقية لخان يونس إلى ثكنات عسكرية، ونشر عليها قناصته لإطلاق النار، فيما يحتجز بعض السكان كدروع بشرية لحماية جنوده.

يفيد النجار، لـلميادين نت بأنه “تلقّى اتصالات مكثفة من ضباط استخبارات الاحتلال من أجل إخلاء المنزل والنزوح إلى خارج المدينة؛ لكنه رفض كل محاولات تهجيره من منزله؛ إلا أن القصف الذي طال عدة منازل دفعتهم للخروج”.

فالأحزمة النارية وضربات المدفعية الإسرائيلية المكثفة، دفعت سكان شرقي خان يونس للنزوح إلى رفح، والذين تحركوا من أقصى الشرق لأقصى الجنوب حاملين بعضاً من أمتعتهم لأن قرار العودة لا نقاش فيه لديهم.

ولا ينسى النجار التفاصيل المؤلمة لسير أطفاله حفاة القدمين لعدة كيلومترات بعيداً عن آلة القتل الصهيونية، ويؤكد أن ذلك لن يكون دافعاً من أجل تركه لقطاع غزة، والقبول بمخطط التهجير إلى سيناء أو إلى أي مكان في العالم.

“التهجير خارج فلسطين من المحرّمات، ولا يمكننا القبول بذلك، تشقّقت أقدامنا من السير وذبلت حياتنا وفقدنا كل شيء ودمّرت بيوتنا؛ لكن هذا لن يحقق للاحتلال الإسرائيلي مبتغاه، وسنواصل حربنا ضده”، يقول النجار.

كفاح الطناني سيدة فلسطينية ذاقت الأمرّين في الوصول من مدينة غزة إلى خان يونس ثم النزوح إلى مدينة رفح؛ فهي متزوجة وأم لخمسة أطفال وزوجها يعمل خارج القطاع، تؤكد أنه على الرغم من المعاناة الشديدة إلا أن سكان قطاع غزة قادرون على الصمود والصبر.

الطناني انتقلت سيراً على الأقدام من مدينة غزة إلى مدينة خان يونس، واستقرت لعدة أيام في مركز إيواء غير معترف به من قبل المؤسسات الدولية، ومع استئناف القصف الإسرائيلي بدأت فصلاً جديداً من فصول المعاناة بحثاً عن مركز إيواء جديد.

الطناني شاهدت بأم عينها سقوط الصواريخ الإسرائيلية على منزلها شمالي مدينة غزة، وكانت شاهدة على قصف إسرائيلي عنيف لأحد مراكز الإيواء بالمدينة، تؤكد أن “ما يدفع العائلات للنزوح هو الخوف على الأطفال والنساء؛ ولكن عزيمة الصمود لا تزال باقية بقلوبهم”.

نزحت عائلة كفاح الطناني بعد أن كان يؤويهم منزل واحد ورأوا ويلات التهجير الفلسطيني لأجدادهم على يد العصابات الصهيونية عام 1948، لتقول: “شعرنا بمعاناة أجدادنا والحزن العميق على ترك منازلهم؛ لكننا اليوم أقوى وأكثر قدرة على الصمود والتحدي”.

التقديرات الفلسطينية تشير إلى أن نحو 1.5 مليون فلسطيني من قطاع غزة نزحوا من منازلهم باتجاه الجنوب، وأن 470 ألفاً منهم موجودون في مدينة رفح من دون طعام أو مياه صالحة للشرب، وذلك بسبب الحرب الصهيونية على القطاع.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى