حول العالم

ضابط أميركي: لا يوجد طريقة واقعية لهزيمة حزب الله

صحيفة “الغارديان” البريطانية تنشر مقالاً للضابط الأميركي هاريسون مان، المستقيل من منصبه مؤخراً بسبب الحرب على غزة، يتحدث فيه عن تعرّض القوات الأميركية للمخاطر بسبب جماح نتنياهو، وفشل الرئيس الأميركي في كبحه.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في كانون الثاني/يناير 2024، استيقظت خلية أزمة الشرق الأوسط، التابعة لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، على أنباء مفجعة عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في غارة عبر طائرة من دون طيار على قاعدة البرج الـ22 في شمالي الأردن. وفي مقرنا الرئيس في واشنطن العاصمة، شعرنا بالحزن، لكننا لم نتفاجأ.

في ذلك الوقت، كنتُ ضابطاً في الجيش الأميركي. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر، اعتدت أنا وزملائي رؤية الحركات العراقية والسورية تشن هجمات على قواعدنا كل يوم تقريباً. ومع تصاعد الاشتباكات والإصابات، توصّلنا إلى إدراك مذهل: لم تكن هناك خطة حقيقية لحماية القوات الأميركية.

حذّرتُ من اتساع التصعيد الإقليمي عندما استقلت في شهر أيار/مايو، وكنت أتابع باهتمام وحزن آنذاك ذبح المدنيين الفلسطينيين بلا داع. وبعد مرور أشهر، من المثير للجنون أن نرى ليس فقط تدهور الأزمة الإنسانية في غزّة بصورة متزايدة، بل أيضاً، يتم تدريب قواتنا الأميركية على التصويب مرة أخرى.

من الواضح أنّه لا توجد خطة حقيقية تدعم قرار إدارة بايدن تسريع نشر الطائرات والسفن الحربية في الشرق الأوسط، بل إنّه ببساطة مجرد دعم انعكاسي وغير مشروط لحكومة بنيامين نتنياهو، وهو ما شجع فقط على التصعيد المتهور نحو حرب أوسع نطاقاً.

لم يكن نتنياهو ليقتل كبار مسؤولي حزب الله وحماس في بيروت وطهران الأسبوع الماضي – الأمر الذي أدى إلى إصابة جنود أميركيين في هجوم انتقامي – إذا لم يكن واثقاً بأنّه سيتم إرسال البحرية الأميركية فوراً لحمايته من عواقب تصرفاته.

وبعد مرور 10 أشهر على هذه الحرب، حان الوقت للتفكير بجدية أكبر في سبب تعريض قواتنا للخطر، وإنّ عدم مقتل مزيد من أفراد الخدمة الأميركية في هذا الصراع ليس أقل من معجزة.

إنّ التحول الحالي للأحداث هو نتيجة للحظ الأعمى أكثر من أي إجراء للانضباط الاستراتيجي أو التخطيط الجيد. ومن العجيب أنّ الصراع لم يتصاعد بالفعل إلى حرب مدمرة واسعة النطاق بين “إسرائيل” وحزب الله.

لكن حظنا الغبي ينفد. وبينما تستعد إيران وحزب الله للانتقام، لا تستطيع إدارة بايدن صياغة استراتيجية لإدارة التصعيد تتجاوز تسريب التهديدات والآمال.

إنّ صواريخ حزب الله ستجعل نتنياهو عاجلاً أم آجلاً يشنّ حرباً جديدة في محاولته اليائسة للتشبّث بالسلطة، لكنّ غزو لبنان، وهزيمة حزب الله، لن يسيرا على ما يرام. فالجدير ذكره أنّ حزب الله هزم الغزو الإسرائيلي عام 2006، وهو اليوم أقوى كثيراً. كما أنّ صفقة الحماية الأميركية الحالية، المتمثّلة بالذخائر التي لا نهاية لها، بالإضافة إلى الطائرات والمدمرات الأميركية لإسقاط المقذوفات، لن تكون كافية لحماية “إسرائيل” وتحقيق النصر لنتنياهو.

وإذا طالب نتنياهو، في نهاية المطاف، بضرب أهداف لحزب الله، فمن الصعب أن نتخيل أنّ بايدن سيقول لا له، بينما تتدفق صور الدبابات والمدن الإسرائيلية المحترقة على موجات الأثير. لكن، حتى في ظل المساعدات الأميركية المكثّفة، لا يوجد طريق واقعي لهزيمة حزب الله.

وخلف كواليس هذه القرارات المتهورة ستعاني القوات الأميركية، التي ستستمر في الموت والإصابة في هذه الحروب. من أجل ماذا ماتوا؟ سيكون من المطمئن أن نقول إنّهم قاتلوا وماتوا دفاعاً عن “إسرائيل”، ووجودهم في حد ذاته يؤدي إلى تمكين العدوان المتهور، والذي يجعل الإسرائيليين أنفسهم أقل أماناً، بصورة واضحة، يوماً بعد يوم. سوف يتم التضحية بأكثر الأميركيين شجاعة من أجل نزوات أي سياسي أجنبي، لأنّ قادتهم كانوا يفتقرون إلى الشجاعة اللازمة للوقوف في وجهه.

ومنذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، كان هناك نقاش نشط وضروري بشأن مدى مسؤولية الرئيس عن حماية “إسرائيل”، وكذلك بشأن مسؤوليته عن حماية الفلسطينيين. لكن، لم يكن هناك سوى القليل من النقاش المثمر بشأن مسؤوليته عن حماية أفراد خدمتنا في هذا الصراع.

إنّ كثيرين من المنتقدين، الذين طالبوا بإجراء تحقيقات بشأن مقتل 13 من مشاة البحرية الأميركية بصورة مأسوية في أثناء الانسحاب من أفغانستان، التزموا الصمت بصورة واضحة بشأن الوفيات التي وقعت في البرج الـ22 في الأردن هذا العام، وعشرات الإصابات في أماكن أخرى.

ولا يزال في وسع الرئيس بايدن نفسه، وليس الرئيس المقبل، لأننا لا نستطيع المخاطرة بستة أشهر أخرى من اللعب بالنار بينما ننتظر خليفته، تهدئة هذا الصراع المتصاعد. عليه الضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار من خلال ورقة الدعم العسكري. وبخلاف ذلك، فهو مدين بتفسير لماذا يُعَدّ إرسال قوات أميركية لدعم “إسرائيل” استراتيجية أكثر نجاحاً لخفض التصعيد.

وأخيرا، يتعين عليه أن يكون صريحاً بشأن المخاطر التي يتعرض لها أفراد الولايات المتحدة، ولماذا هي مبررة، بما في ذلك الاستخدام المستمر لقواعد صغيرة سيئة الدفاع، وكيف تساهم هذه المخاطر في أمن الشعب الأميركي.

وحتى لو أصر بايدن على الاستمرار في تسليح “إسرائيل”، فلا يزال يتعين عليه أن يلتزم، مسبّقاً، بعدم ضرب لبنان أو إيران، حتى يعرف نتنياهو أنّه لن يتمكن من جر القوات الأميركية إلى حربه المقبلة التي يختارها.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى