العدو يراهن على أوهام للخروج من عنق الزجاجة… من “إنهاء حماس عسكرياً” إلى “تعطيل دورها السياسي”
كلما وجد العدو الاسرائيلي نفسه عالقاً في عنق الزجاجة، تمادى في وحشيته أكثر. تنطبق هذه المعادلة الغير مستجدة على أداء هذا الكيان الغاصب منذ تأسيسه، تنطبق إلى حد كبير على ما جرى في عدوانه المستمر منذ 283 يوماً على قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، التي شهدت ارتفاعأً في دموية هذا العدو وارتكابه العديد من المجازر المروعة لا يفصل بينها سوى ساعات قليلة.
في الظاهر، فإن هذا العدو وكما تجري العادة يخرج بعد كل مجزرة للقول إن ما جرى هو محاولة اغتيال لشخصية ما لدى المقاومة، وفي هذا محاولة لصرف النظر عن استهداف المدنيين الأبرياء العزل، واعتبار الحدث جزء في السياق الطبيعي للحرب.
ما يحدث حالياً، هو أنه في ظل إعلان العدو منذ الدخول في المرحلة الثالثة من الحرب (عمليات دقيقة وتفعيل موضوع الاغتيالات)، وفي ظل استمرار النقاش حول مدى تحقيق المراحل السابقة لأهدافها، إذ إن المقاومة لا تزال قادرة على ترميم بنيتها بسرعة قياسية والعودة بزخم إلى أماكن أعلن العدو أنها “مطهرة”، وفي ظل قدرة المقاومة على استثمار وعكس انجازها وصمودها الميداني على طاولة المفاوضات والثبات لجهة شروطها لاتمام أي صفقة (انسحاب الاحتلال من القطاع ووقف الحرب)، وفي ظل أزمة داخلية وصراع إرادات غير مسبوق داخل الكيان، يبدو العدو وتحديداً رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو عالقاً في عنق الزجاجة أكثر من أي وقت مضى. لهذا فهو يستميت لتحقيق أي انجاز عسكري أو أمني ولو ذهب ضحيته المئات كما حدث في مواصي خانيونس منذ أيام.
وحسبما تؤكد جهات عديدة، فإن تحقيق “انجاز نوعي” في هذه المرحلة بالتحديد، بهدف دفع المقاومة إلى تقديم تنازلات، حسبما يظن قادة العدو، هذا الأمر محط اجماع بين القيادتين السياسية والعسكرية، في وقت تسود خلافات عميقة بين القيادتين.
وقد عكس تصريح لرئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي هذا الاجماع، إذ قال في مؤتمر صحافي عقب مجزرة المواصي، إن “الجيش الإسرائيلي يمارس كل الضغوط اللازمة لخلق أفضل الظروف لمثل هذا الاتفاق”، وفي ذلك إشارة لمحاولة تحقيق انجاز ميداني يستثمر في المحادثات.
وفي السياق، زعم هليفي أن “هذه الاغتيالات هي جزء من الضغط العسكري المستمر والمتغير الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في جميع أنحاء قطاع غزة، حيث يسقط كل يوم العديد من القتلى في صفوف حماس”، مشيراً إلى أن هذا أمر مهم في إطار عملية التفكيك المنهجي لحركة حماس، وهذا أيضًا مهم جدًا لتهيئة الظروف للاتفاق على إعادة الرهائن”، على حد تعبيره.
لكن هذه الثقة في تحقيق “انجاز” يستثمر فعلياً، تبدو مثيرة للسخرية إلى حد كبير، بل إنها أقرب إلى سراب لا يشبه الحقيقة بشيء. ولتوضيح هذه النقطة، يُطرح السؤال التالي: حتى لو نجح العدو في اغتيال أحد القادة الأساسيين في المقاومة، هل يحقق ذلك تغييراً فعلياً على المستوى الميداني، أو على مستوى الأهداف المعلنة من الحرب؟ أم أن الموضوع سيكون مجرد “صورة انتصار” يروّج لها إعلامياً؟
وهذا ما يؤكده الميدان حالياً، إذ إنه وبعد ثلاثة أشهر على بدء عملية رفح على سبيل المثال، وبدء الاعلان منذ أكثر من أسبوع على قرب انتهائها، لا تزال المقاومة حاضرة هناك وقادرة على خوض الاشتباكات. وفي هذا الاطار، أعلنت سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) اليوم أن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية مع جنود وآليات الاحتلال وسط مخيم يبنا في مدينة رفح، بعد أن كبدت المقاومة جيش الاحتلال أمس خسائر جديدة، وإعلان كتائب القسام تفجيرها حقل ألغام في قوة هندسة إسرائيلية في حي الشوكة برفح، وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح.
وانطلاقاً من هذه الفكرة، قالت مصادر لـ”صحيفة الأخبار” اللبنانية إنه “من جانب المقاومة و”إسرائيل”، فإن الصورة والمنطلقات مختلفة تماماً. بمعنى، أن المقاومة تعرف حقيقة ما يجري على الأرض. هي تعرف تفصيلياً حجم ونوع وقساوة المواجهة. وهي تعرف حجم التضحيات التي تُقدم على مستوى المقاومين أو المواطنين، لكنها تعرف أيضاً، أن العدو، ليس في موقع القادر على ادّعاء الانتصار، وأنه في وضع “الطرف المتوتر” الذي يظهر استعداداً لارتكاب المزيد من المجازر، لكنه ليس في موقع القادر على منع المقاومة من إيلامه. وبالتالي، فإن المقاومة التي تتحسّب لعمليات كالتي جرت السبت، تعرف أن المعركة قائمة، وأنها برغم سعيها الجدي إلى عقد صفقة توقف الحرب، إلا أنها لا ترى، مطلقاً، ما يُفرض عليها”.
التسليم بعدم قدرة “كسر حماس عسكرياً”… ماذا عن تعطيلها سياسياً؟
بالعودة إلى المفاوضات التي شهد الأسبوع الأخير جولة حاسمة من جولاتها التي بدأت منذ أشهر، فإن الأخيرة بات من الواضح أن من يعرقلها في اللحظات الحاسمة هو رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو. الأخير لديه العديد من الأسباب في مقدمته ما بات معروفاً حتى لدى الرأي العام الاسرائيلي وهو هواجس تتعلق بمستقبله ومصيره السياسي، أما النقطة الثانية وهي نقطة الخلاف الكبير بينه وبين القيادتين الأمنية والعسكرية فهي: اليوم التالي من الحرب، إذ لا يزال بي بي يجهل كيفية الإمساك بهذه المرحلة.
وهنا يأتي أسلوب المراوغة الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأميركية، وهو العمل على تعطيل الدور السياسي لحماس ما بعد الحرب، في وقت يبدو أنه بات من المستبعد جداً كسرها عسكرياً. وهو ما تنصب عليه الجهود حالياً في المحادثات، من خلال بنود كهوية الطرف الذي سيدير القطاع، وتوزيع المساعدات، وإدارة معبر رفح، ومصير محور فيلادلفيا.
وبالنسبة للأخير فإنه بالرغم من اشتراط نتنياهو “سيطرة إسرائيل الكاملة على محور فيلادلفيا والمنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة المحاصر والجانب الفلسطيني لمعبر رفح، للموافقة على أي صفقة مع حركة حماس”، إلا أن تصريح رئيس أركانه واضح في ما يتعلق بعدم إمكانية بقاء الاحتلال في محور فيلادلفيا، وهو على علم بحرب الاستنزاف المدمرة التي سيتعرض لها، إذ قال هليفي أمس “سيطرتنا على محور فيلادلفيا مهمة للغاية. سوف نعرف كيفية العمل على السيطرة عليه بطرق مختلفة”، في إشارة إلى إمكانية التعاون مع ما أسماه “جهات دولية”.
المصدر: موقع المنار