“بعض بأسنا وما خفي أعظم”.. تفاصيل كيمياء الردع في سلاح المقاومة
تتعاظم قدرات المقاومة ويتكشّف بأسها يومًا بعد يوم، فلا يكاد جيش العدوّ يصحو من صدمة حتى يدخل في أخرى. كيف لا وقدرات المقاومة العسكرية والبشرية واللوجيستية أرعبت العدوّ وجعلته مرتدعًا ومرتعدًا بشكل غير مسبوق منذ تأسيسه؟ فالمقاومة الإسلامية أصبحت هاجسًا ينتاب جميع مكونات وأطياف الكيان فضلًا عن جعله في وضع هستيري وجنوني.
بالأمس، كثُرت التعليقات والتحليلات في الكيان عقب ما كشفه الضابط في وحدة سلاح المدفعية في حزب الله الحاج محمد علي في حلقة “ولكن الله رمى” على قناة “المنار”، وكان لحديث الضابط وقعه القوي والمؤثر على مختلف المستويات في الكيان، لما له من تأثيرات على مستقبل المحتل ومستوطنيه.
وتعليقًا على تداعيات كلام الضابط وللوقوف على دلالاته العسكرية، كان لموقع “العهد” الإخباري حديث مع الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور أمين حطيط الذي اعتبر أنّ هناك قاعدة جوهرية في الصراعات العسكرية تقول “من كان في حالة ضعف فإنّه يستدرج العدوّ للعدوان عليه، ومن يريد أن يدفع العدوان عنه يُظهر القوة”، وما نُشر البارحة حول سلاح المدفعية للمقاومة الإسلامية يُعتبر عسكريًا وجهًا من وجوه إبراز القوّة التي تمنع العدوان والتي تُرسّخ مسألة الردع والهيبة التي تمنع هذا العدوان.
وبالتالي، أضاف العميد حطيط، أنّ “الرسالة الأولى التي يمكن أن يتوقف عندها الباحث هي “نحن أقوياء لا تختبرونا”، وهذا الأمر يتقاطع مع قول سابق أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل أسابيع عندما قال إنّ “من يعتدي على المقاومة أو يواجه المقاومة سيندم”، وهو يعني “إسرائيل”؛ وذلك لأنّ المقاومة الإسلامية تملك من القدرات العسكرية ما يمكّنها أولًا من تعطيل وجهات العدوان، وثانيًا من إنزال الخسائر الفادحة بالجهة المعتدية، وخاصة إذا ما كان العدوان مستوجبًا لما نسمّيه الحرب المفتوحة من غير قيود ومن غير سقوف ومن غير شروط. وهذا ما ألمح إليه الضابط في سلاح المدفعية الحاج محمد علي عندما قال إنّ “قيادة المقاومة وضعت قيودًا في هذه المعركة لكن لو كانت المعركة بلا سقوف لكان المشهد مختلفًا”.
وتابع العميد حطيط “من هنا نجد أنّ الرسالة الثانية التي توجّهها المقاومة للعدوّ الصهيوني أنّ هذا بعض بأسنا وما خفي هو أعظم، أو بمعنى آخر هذا هو الجديد ودائمًا لدينا المزيد”.
والسبب في ذلك، وفق العميد حطيط، هو أنّ “المقاومة حصلت على سلاحها من عدّة مصادر، وأحد هذه المصادر هو الصناعة الذاتية التي لا تتوقف عند قطع خطوط الإمداد ولا تكترث بحصار ولا يهمها التضييق، بل بمجرد توفر المواد الأولية فإن المقاومة قادرة على صنع السلاح والذخيرة اللذين يلائمان الميدان وتطويرهما في ظل الأخطار المتشكلة فيه (الميدان)”.
أما الرسالة الثالثة، بحسب العميد حطيط، فهي أنّ هناك دائمًا ثلاثة مستويات أساسية من الفعالية والتأثير يتضمّنها سلاح المدفعية:
– الفعالية القصوى: التدمير
– الفعالية الوسطى: الشلّ والتعطيل
– الفعالية الدنيا: المشاغلة والإلهاء
وتعليقًا على ما أعلنه الضابط الحاج محمد علي بهذا الخصوص، قال العميد حطيط “يبدو أنّ المقاومة الإسلامية امتلكت السلاح والذخيرة المناسبين لتحقيق المستويات الثلاثة من التأثير بشكل جماعي، وخاصة أنّ هذه الوظائف الثلاث تُختبر في الميدان لتطويرها إذا كان هناك حاجة للتطوير، وهذا كله مهم. وإضافة إلى ذلك، فإنّ المقاومة لم تكتفِ فقط بما تصنّعه من أسلحة بل تستفيد أيضًا من مصادر الدعم والإسناد في محور المقاومة وعلى رأسها إيران وسوريا، وللمقاومة باع طويل بالوصول إلى هذا الأمر”.
أما حول الرسالة الرابعة للعدوّ، فقد رأى العميد حطيط أنها “ضمنية وهذه الرسالة تعني أنّ المقاومة تملك من السلاح ما يمكّنها من العمل في الميدان لمهل طويلة. فمن حيث الكمية، فإنّ المقاومة قادرة على أن تُمطر العدوّ بكميات كبيرة من الصواريخ، إذ عبّر العدوّ خلال الساعات المنصرمة بعد مشاهدة ما بثّته قناة “المنار” في هذا الإطار بالقول: “سيكون يوم القصف من قِبل حزب الله يومًا غير مشهود في التاريخ نظرًا لكثافته”، وهذا مهم جدًا ومُرعب بالنسبة للعدوّ”.
وبالتالي، بحسب العميد حطيط، “تقطع المقاومة هنا الطريق على العدوّ في مسألة التسويف والمماطلة في النظر إلى الحرب ونتائجها أو وقف العدوان، فعندما توجّه له المقاومة اللكمات القاسية والقوية والمدمرة خاصة أنها تستطيع التعامل مع بنك أهداف واسع النطاق فإنها ترعبه، ولن يستطيع أن يكون طليق اليد في تحديد مهل الحروب أو المماطلة والتسويف في وقت إطلاق النار”.
تطور السلاح النوعي الصاروخي لدى المقاومة
وعن حيثيات تطوّر السلاح النوعي الصاروخي لدى المقاومة واعتبار كل منها بمثابة غارة جويّة، بحسب تعبير الضابط في المقاومة، فنّد العميد حطيط مدلولات هذا الكلام فقال: “ينبغي أن نذكّر أنّ سلاح المدفعية ينقسم إلى قسمين رئيسيين: قسم مدفع الهاوتزر والهاون وقسم الصاروخ والراجمات”.
وتابع “بالنسبة لمدافع الهاوتزر فهي تنقسم إلى قسمين أيضًا: قسم ذاتي الحركة أي أنّ المدفع وقسمه الحامل يكونان قطعة واحدة، وقسم مقطور أي أنّ القاطرة جسم والمدفع جسم آخر”.
ولفت العميد حطيط إلى أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان اعتمدت نوعًا من التسليح يناسب الميدان ويتفلّت من الأخطار، ولذلك لاحظنا أنّه خلال مدّة ستة أشهر لم يستطِع العدوّ أن يدّعي أنّه دمّر منصّة إطلاق واحدة أو مربضًا واحدًا للمقاومة، والسبب في ذلك عائد إلى أمرين: حُسن اختيار الوسيلة من قِبل المقاومة والأمر الآخر حُسن استعمال الوسيلة وإخفاؤها”.
والملفت برأي العميد حطيط، أنّ “المقاومة اليوم وصلت باستعمال الصواريخ إلى سقف غير مسبوق على مستوى جيوش العالم، وهو تصنيع راجمة الصواريخ ذات المئة فوهة والـ 50 فوهة، وهذا الأمر يُعتبر أمرًا فظيعًا بقدراته النارية والتدميرية”.
وعن قول الضابط الحاج محمد علي بأنّه يُعادل غارة جوية، يشرح العميد حطيط أنّ “الغارة (السرب) تكون عادة من 2 إلى أربع طائرات ويطلق كلّ منها صاروخًا أو صاروخين، وبمقاربة تلك الصواريخ براجمة من 50 فوّهة يمكن القول إنها تُحدث نفس الفعالية ولها نفس القدرة التدميرية، لأن القبة الفولاذية لا تتجاوز فعاليتها نسبة 38% إلى 40%، يعني ذلك أنّه حتى لو تمّ اعتراض هذه النسبة من الصواريخ فإنّ ما سيصل إلى كيان العدوّ من بقية الصواريخ يفوق بفعاليته الغارة الجوية”.
ضرب القبة الفولاذية
وعن مسألة تعامل المقاومة مع القبة الفولاذية، يرى العميد حطيط أنها “مسألة مركّبة من ثلاثة عناصر مهمّة: الذكاء والاحتراف والمهارة؛ وهذا لأن القبة الفولاذية لا تُشغّل على أي هدف، فمثلّا إذا أرادت المقاومة أن تستهدف جيبًا صغيرًا فإنّ العدوّ لا يشغّل القبة الحديدية لأنّ ثمن الصاروخ عندها أعلى من الهدف والذي هو الجيب، فالمقاومة هنا توحي للعدوّ أنّها تستهدف أهدافًا بالغة الأهميّة فيحرّك العدوّ بشكل حازم القبة الفولاذية، فتدرس المقاومة واقع قاعدة الاعتراض -والقبة الفولاذية أجزاء وهي الرادار ومركز الإمرة وقاعدة الإطلاق التي تُحرّك الصاروخ- فإذا قامت المقاومة بإرسال رشقة كبيرة من الصواريخ نحو أهداف مهمة فإنّ العدوّ سيشغّل القبّة الفولاذية ويُفرغ منصاتها من الصواريخ، عند ذلك يُفتح الباب أمام المسيّرات أو الصواريخ الدقيقة أو ذات الرؤوس عالية الدقة، فتصل إلى أهدافها، إما أن تُصيب قواعد القبّة الفولاذية وإمّا أن تصيب الأهداف التي جاءت القبّة الفولاذية لحمايتها أو تصيب الفئتين معًا، ولهذا السبب الذي تحدثت عن الذكاء أولًا”، يلفت حطيط.
صاروخ “جهاد”
وعن صاروخ “جهاد” الذي هو من عائلة البركان الثقيل ومن صنع المقاومة والمخصص بشكل رئيسي لمعركة الجليل وفق تعبير الضابط في المقاومة، قال العميد حطيط: “حتى اللحظة لم يُعلن الكثير عن هذا الصاروخ ولكن يبدو من المعطيات التي سُرّبت، أنّ لهذا الصاروخ ثلاث مزايا رئيسية:
أولًا: قوته التدميرية التي قد تصل إلى حد كبير جدًا.
ثانيًا: سرعته ومداه ودقة إصابته.
ثالثًا: القدرة على تقليبه بشكل مناسب من قبل المقاومين لإطلاقه.
وبالتالي عندما يُستعمل هذا الصاروخ على نطاق واسع سيحدث فرقًا في الميدان لا سيّما في الجليل حيث تستوجب المعركة هناك وظيفة تدميرية للمدفعية، وبالتالي وظيفة هذا الصاروخ تتناسب مع واقع الميدان في الجليل”.
الحرب الواسعة غير متوفرة في المدى القريب
وتعقيبًا على كلام نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم عن أنّ احتمالات توسعة الحرب غير متوفرة في المدى القريب، رأى العميد حطيط أنّ هناك عدّة أمور تؤكد هذا الأمر:
أولًا: واقع جيش العدوّ المتهالك، فهو منهك ولا يستطيع أن يرمّم ذاته بذاتِه، فكيان العدوّ يُحاول منذ شهرين استدعاء 10 آلاف متطوع لسدّ النقص في التشكيلات التي تضرّرت وانخفضت نسبة الجهوزية العددية فيها عن 30% ولم يُفلح في ذلك، إضافة إلى ذلك مشكلة استمرار إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، الأمر الذي جعل كيان العدوّ عاجزًا عن الدخول في حرب مع المقاومة.
ثانيًا: أداء جيش العدوّ المنخفض، إضافة إلى معنوياته المتردّية، وقدراته غير المتناسبة مع المخاطر التي تشكلها المقاومة.
ثالثًا: مسألة الجبهة الداخلية التي تعجز “إسرائيل” عن تأمين الدفاع عنها، ومقولة “إسرائيل” بعد عام 2006 إنّها بصدد إرساء قاعدة “شعب يعمل تحت النار وهو آمن”، تبيّن زيفها وأنّ “إسرائيل” لا تعمل في الحرب ولا هي آمنة في الحرب، ثمّ إنّها لا تستطيع أن تواجه قدرات المقاومة التي تنال من الجبهة الداخلية.
رابعًا: الموقف الأميركي من هذه الحرب، لأنّ أميركا تخشى على “إسرائيل” من هذه الحرب وتخاف من أن تتورط معها، ختم العميد حطيط.
المصدر : العهد الاخباري