حصار خانيونس… الاحتلال يمنع المساعدات ويقتل النازحين
أحكم جيش الاحتلال سيطرته على كامل مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، وفرض حصاراً مشدداً على المتواجدين فيها ممن تمسكوا بمنازلهم ورفضوا النزوح، بعد أشهر من القصف والاجتياحات المتكررة لمعظم المناطق، خصوصاً منطقة البلد والمنطقة الشرقية.
ولازالت الاشتباكات دائرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الذي حوّل عدداً من منازل خانيونس إلى معسكرات للتعذيب، وحول أخرى إلى ثكنات عسكرية، كما يستخدم الدبابات والمدافع والطائرات في قصف المنازل وتجمعات السكان، وحتى المستشفيات التي توقفت قسراً عن العمل، خصوصاً مجمع ناصر الطبي الذي أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية صباح الجمعة، توقفه بالكامل بعد أن حوّله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية.
وقصف مستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، والذي أكد في بيانات أن الاحتلال استهدف عبر دباباته الطابق الثاني من المستشفى، ما تسبب في أضرار جسيمة في غرفتي تمريض، من دون وقوع إصابات في صفوف الطواقم الطبية أو المرضى المتواجدين تحت الحصار، في حين تتمركز دبابات الاحتلال على بوابات المستشفى منذ أسبوعين، وتمنع دخول أية معونات أو إمدادات لوجستية.
ونفذت قوات الاحتلال حفريات لمنع قافلة المساعدات التي تأتي من مدينة رفح إلى مدينة خانيونس، ومنع وصولها إلى مجمع ناصر الطبي، في محاولة لحظر دخول أية مساعدات غذائية أو طبية، لتُخضع المتواجدين في المجمع من المرضى الذين نقلوا إلى المبنى القديم، وكذا النازحين إليه لحصار مشدد، كما تم قطع الكهرباء عن المجمع الطبي، ومنع وصول الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
وتفاقمت أزمة المؤسسات الصحية في خانيونس منذ احتجز جيش الاحتلال قافلة مساعدات تابعة لمنظمة الصحة العالمية على بعد 50 مترا من مجمع ناصر الطبي، وكانت القافلة تضم شخصيات أممية رفيعة المستوى، ومكونة من شاحنتين، واحدة محملة بالوقود، والأخرى محملة بالماء والطعام.
يقول أحد المتواجدين بالقرب من المجمع الطبي، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه يشاهد من نافذة منزله آليات الاحتلال التي اقتحمت مجمع ناصر، والانتشار المكثف للجنود المدججين بالأسلحة داخله وفي محيطه. ويوضح لـ”العربي الجديد”، أن “الاحتلال يواصل عملياته في أنحاء المدينة، وتقدمت الجرافات من المنطقة الشرقية إلى محيط مجمع ناصر استعدادا لتجريفه، على غرار ما جرى في مجمع الشفاء الطبي وفي المستشفى الإندونيسي سابقا، وتتكرر حالات إطلاق النار على المدنيين في كل مكان، وأصاب قناصة الاحتلال عددا ممن حاولوا المغادرة، والقناصة منتشرون في مناطق متعددة”.
يضيف: “مدينة خانيونس حاليا محاصرة بالكامل، ونتحدث مع الجيران عبر الحوائط حتى نطمئن على بعضنا، ولا يسمع في المنطقة ليلا سوى أصوات القطط والكلاب، ورصاصات القناصة الإسرائيلية، وهناك الكثير من المصابين، وسمعت أن هناك إعدامات ميدانية لأشخاص في منازلهم. كنت مترددا في النزوح مع أسرتي المكونة من 5 أفراد إلى الجنوب، لكن الاحتلال طلب من المتواجدين في مجمع ناصر النزوح، ونحن نعيش تحت حصار خانق، ونجلس في الجزء الغربي من المنزل بعيداً عن النوافذ والأبواب”.
ولم تصل أية مساعدات إلى الغزيين في مدينة خانيونس منذ أكثر من أسبوعين، حسب شهادات للمتواجدين هناك، وبذلك فإن حصولهم على الطعام والشراب أصبح غاية في الصعوبة، كما جرى تقييد الحركة، ومنع التنقل، ما يحدّ من وصولهم إلى محطات المياه أو الخزانات التي خصصت للنازحين منذ بداية العدوان للحصول على المياه في ظل تدمير شبكات المياه التابعة للبلدية، والتي كانت توصل المياه إلى المنازل.
ويتعرض سكان خانيونس إلى مخاطر كبيرة في ظل عدم إدخال المساعدات إليهم. ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في قطاع غزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي أعاق منذ بداية العام الحالي 14 بعثة إنسانية متمثلة في شاحنات مساعدات من الوصول إلى وجهتها النهائية، كما منع 39 بعثة من الوصول، في حين سمح بوصول 12 بعثة فقط إلى مناطق شمالي القطاع، لكن ثلاثة منها لم تتمكن من تحقيق أهدافها الإنسانية في الأماكن المستهدفة، بسبب هجوم بعض الناس للحصول على الطعام في ظل النقص الحاد في الغذاء.
وتذكر بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن شاحنات المساعدات التي رفض الاحتلال إدخالها كانت مخصصة لدعم المستشفيات وبعض المرافق الحيوية التي توفر خدمات المياه والنظافة والصرف الصحي. وفي حين كان من المقرر إيصال 189 شاحنة مساعدات إلى المناطق التي تم تقييمها على أنها تستلزم التنسيق في جنوب وادي غزة، تم فقط تيسير وصول 107 من الشاحنات، وتحققت عبرها أهداف إنسانية جزئية، كما تم تيسير وصول 18 بعثة مساعدات أخرى، لكن تمت عرقلتها بعد ذلك، ومنع وصول 48 شاحنة، وتأجيل وصول 14 بعثة، وكانت آخرها إلى مدينة خانيونس التي تتعرض لحصار مشدد.
ولا يزال عدد قليل من النازحين يتواجدون في مدارس خانيونس تحت الحصار الإسرائيلي، وهم يخشون المغادرة بسبب الإعدامات والإصابات الكثيرة التي أوقعها قناصة الاحتلال بحق المدنيين الذين حاولوا الفرار من المدينة سابقاً، ما جعل الكثيرين يلزمون أماكنهم، لأن رحلة النزوح أكثر خطراً من قرار البقاء.
يتواجد النازح أسامة السرساوي (43 سنة) داخل مدرسة ذكور خانيونس الإعدادية القريبة من منطقة البلد، ويؤكد أنهم يعيشون حالة من القلق الكبير، ولولا وجود بعض ألواح الطاقة الشمسية لما كانوا يستطيعون التواصل مع أحد من أسرهم، كما أنهم يكررون مناشدة وكالة “أونروا” إرسال الطعام والشراب لهم، لكنها عاجزة عن ذلك، في ظل عدم وجود تنسيق بسبب سيطرة الاحتلال على منافذ المدينة وعلى محيط معظم المدارس التي يتواجد فيها النازحون.
يضيف السرساوي لـ”العربي الجديد”: “أعدم جنود الاحتلال كثيرين ممن حاولوا الفرار عبر شوارع المنطقة الغربية، وكذلك أشخاصا كانوا يحاولون مغادرة وسط المدينة خلال اليومين الأخيرين، ومن بينهم أشخاص كانوا معنا في المدرسة، ولا نعرف عنهم شيئاً منذ مغادرتهم، ونحن محاصرون وعالقون، ولا يوجد لدينا أية مقومات تبقينا على قيد الحياة في المدرسة التي تتبع الوكالة الأممية، والتي لا توفر لنا أي حماية أساساً”.
يتابع: “نحاول الابتعاد عن النوافذ لأنها مطلة على الشارع، خوفاً من إصابتنا بالرصاص أو استهدافنا بالقذائف، وقمنا بحصر أنفسنا في بعض الغرف البعيدة عن الشارع، لكن الأكل نفد، والماء غير متوفر، ونعرف أنه لو خرج أحد منا، فسيقومون بإطلاق النار عليه، وهناك آلية عسكرية للاحتلال بالقرب من المدرسة، ولا نعرف إن كنا سنبقى أحياء”.
ويواصل الاحتلال استهدف التجمعات البشرية في المناطق الشرقية. وصباح الجمعة الماضي، دمر عدداً من المنازل في بلدة عبسان، وخلف القصف حرائق في منازل أخرى، ويؤكد خليل النجار (50 سنة)، من داخل أحد المنازل التي يحاصرها الاحتلال في وسط خانيونس، أنه لايزال على تواصل مع شقيقه الذي يتواجد في بلدة عبسان الكبيرة، والذي أكد له أن الحصار الإسرائيلي يشتد على البلدة.
يوضح النجار من داخل منزله لـ”العربي الجديد”، أن “الاحتلال يطلق النار على الناس الذين يقتربون من النوافذ، ويأمر الجميع بعدم مغادرة منازلهم، كما قام بتفجير عدد من المنازل. يتعرض سكان مدينة خانيونس للإبادة، والكثير من الناس لم يغادروا لأنهم كانوا على يقين من قيام الاحتلال بعملية عسكرية لاجتياح مدينة رفح، ما جعلهم يتراجعون عن النزوح إليها، وقد تزايدت التهديدات أخيراً باجتياح رفح، فلا يعقل أن نهرب من موت إلى موت، ونحن نحاول أن نلزم منازلنا على أمل أن ينتهي الحصار”.
وأفادت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بأن ما يصل إلى 1.9 مليون نازح يقيمون في 154 ملجأ تابعا لها، أو بالقرب من هذه الملاجئ، لكنها تؤكد خروج بعض النازحين من الملاجئ بسبب التصعيد المستمر للقتال، وأوامر الإخلاء الإسرائيلية، إذ غادرت بعض الأسر الملاجئ التي تم تسجيلها فيها، وغادر آخرون مراكز ومدارس بعد أوامر الإخلاء.
المصدر : العربيالجديد