البحث عن شبكة اتصالات في غزة يَقتُل.. هكذا يستهدف الاحتلال الفلسطينيين الراغبين في الاطمئنان على ذويهم
وثَّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الثلاثاء 13 فبراير/شباط 2024، تعمد قوات الاحتلال قتل مدنيين فلسطينيين، بمن فيهم صحفيون، خلال محاولتهم التقاط بث الاتصالات والإنترنت للتواصل مع ذويهم أو جهات عملهم، من خلال قنصهم أو إطلاق النار عليهم من طائرات مسيرة في قطاع غزة.
المرصد الأورومتوسطي قال في بيان له إنه وثَّق خلال أقل من أسبوع مقتل ما لا يقل عن سبعة مدنيين في محافظة شمال غزة، بعد استهدافهم بشكل مباشر من طائرات مسيرة للجيش الإسرائيلي في منطقة “البشير” في “تل الزعتر” بمخيم جباليا، خلال محاولتهم الاتصال بشبكة الإنترنت للاطمئنان على ذويهم وأقاربهم.
وبيَّن أنه نتيجة تدمير القوات الإسرائيلية محطات الإرسال الخاصة بشبكات الهاتف المحمول، وتدمير مقاسم الاتصالات الفلسطينية، يلجأ المدنيون الفلسطينيون إلى أماكن مرتفعة في محاولة لالتقاط إشارة اتصالات لشبكات بديلة لتشغيل الإنترنت على بطاقات إلكترونية، إلّا أن القوات الإسرائيلية تستهدف هؤلاء المدنيين بشكل متعمد، وبصفتهم هذه، وبدون أن يكونوا يشكلون أي مصدر للتهديد أو الخطر.
وأكد الأورومتوسطي أنه وثق، في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، مقتل الشاب محمد الغولة، وإصابة الصحفي “عماد غبون”، فيما نجا صحفيون آخرون بعدما قصفت الطائرات الإسرائيلية مجموعة منهم خلال محاولتهم التقاط بث الإنترنت في منطقة “تل الزعتر” في جباليا.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن الاستهدافات الإسرائيلية للمدنيين خلال محاولتهم التقاط إشارة الاتصالات والإنترنت تركز على المناطق المحاصرة، والتي تشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعرقل التغطية الصحفية لتلك الانتهاكات، ويحول دون قدرة السكان على نقلها.
في هذا الصدد أشار المرصد إلى أنه وثق، في 8 فبراير/شباط الجاري، مقتل مدني فلسطيني خلال وجوده على سطح مجمع “ناصر” الطبي في خان يونس، جراء إطلاق نار من طائرات “كواد كابتر” إسرائيلية، خلال محاولته التقاط إشارة الإنترنت بالتزامن مع حصار الجيش الإسرائيلي للمستشفى.
كما وثق في 9 فبراير/شباط الجاري، إصابة 6 شبان جراء إطلاق نار من بوارج حربية إسرائيلية على مرتفع “النويري”، على بحر مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، أثناء محاولاتهم الاتصال بشبكة الإنترنت.
كما وثق عدة عمليات قصف نفذتها طائرات مسيّرة إسرائيلية وعمليات إطلاق نار من طائرات “كواد كابتر” استهدفت مدنيين على مدرج ملعب “اليرموك” في مدينة غزة، خلال محاولتهم التقاط إشارة بث الإنترنت، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.
يروي المواطن وليد غالب أبو الفحم (34 عاماً) للمرصد الحقوقي، تفاصيل مقتل شقيقه محمد غالب أبو الفحم (32 عاماً) وصديقيه باسم حسن الكحلوت (33 عاماً)، ويوسف أبو فايد (35 عاماً)، بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، وجميعهم من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من منطقة “تل الزعتر” ومحيط مستشفى العودة.
المواطن أوضح أنه ذهب بصحبة شقيقه محمد وأصدقائه باسم ويوسف إلى منطقة تل الزعتر، للحصول على الإنترنت والاتصالات، وهي مقطوعة منذ نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مضيفاً: “ورغم انسحاب الاحتلال بالكامل من تل الزعتر قبل ذهابنا بيومين، فإننا لم نسلم من القصف الجوي”.
تابع قائلاً: “اقتربنا من محيط مستشفى العودة، وكنا ننظر لهواتفنا بعدما جاءت إشارة الإنترنت، وفجأة سقط صاروخ من طائرة دون طيار مباشرة علينا، كنت أتقدم خطوات قليلة عن أخي محمد وصديقينا باسم ويوسف، نظرت خلفي وإذا بهم ممددين على الأرض، تعرضت وقتها لإصابة في ذراعي. وجدت أن أخي محمد وصديقي يوسف قد قتلا على الفور، في حين كان صديقي باسم في حالة خطيرة، وسرعان ما توفي بعد ساعتين تقريباً”.
كما أضاف “كنا نحاول مراسلة أصدقائنا وأهلنا، حيث نزح بعضنا إلى جنوب قطاع غزة، كنا متشوقين للاتصال والاطمئنان على أهلنا، ولكن صاروخ الاحتلال الإسرائيلي كان أسرع، ليحرمني من شقيقي وأصدقائي. فمنذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) وحتى منتصف فبراير (شباط) لم تعد الاتصالات، وما زلنا مقطوعين عن العالم الخارجي”.
في شهادته للأورومتوسطي، يروي المواطن عمر عودة ولايدة (42 عاماً) من حي تل الزعتر، شمالي قطاع غزة، تفاصيل مقتل جاره يوسف أسعد أبو رواع (23 عاماً)، وعزات أبو عودة النازح من مدينة بيت حانون بتاريخ 4 فبراير/شباط 2024، وإصابة علي جهاد عبد العزيز أبو رواع” (23 عاماً).
وقال: “خرجت أنا ويوسف إلى منطقة البشير بحي تل الزعتر، وهو قريب من المنطقة التي نقطن بها، للوصول إلى نقطة إنترنت. المعروف أن هذه المنطقة مرتفعة ويمكن من التواجد بها الحصول على إنترنت من شركات إسرائيلية، في ظل تعمد إسرائيل قطع الإنترنت والاتصالات عن كامل قطاع غزة. يوسف ذهب ليتحدث مع أمه واثنين من إخوته الذين علقوا بالضفة الغربية بعد إغلاق المعابر”.
تابع قائلاً: “كان الوقت ظهراً، وكان يوسف يتحدث مع والدته ليطمئنها على شقيقه الجريح رامي، الذين يتعالج حالياً بمستشفى الشفاء، وهو المعيل الوحيد له بعدما نزح والده إلى دير البلح في نوفمبر (تشرين الثاني). فجأة ودون سابق إنذار قصفت مدفعية الاحتلال مباشرة تجاهنا، لم نفهم ما يحدث، تفقدت نفسي فكنت بخير، ولكني وجدت دماراً ودماءً من حولي، لأجد يوسف وآخرين مضرجين بدمائهم وهواتفهم التي كانت معهم ملقاة على بعد أمتار منهم”.
وأضاف: “كان يوسف لا يزال على قيد الحياة، ولكن في وضع صحي صعب جداً، وسرعان ما فارق الحياة”، مشيراً إلى أنه “لم يجد يوسف من عائلته الصغيرة من يدفنه، فشقيقه رامي مصاب، ووالده اضطر للنزوح، ووالدته وشقيقاه عالقان بالضفة الغربية، لتتولى عائلته وأصدقاؤه المهمة”.
روى المواطن الستيني محمود محمد أبو صقر للأورمتوسطي تفاصيل مقتل ابن شقيقه حسام أكرم أبو صقر (25 عاماً)، وصديقه عامر خميس عوض (25 عاماً)، في حي تل الزعتر، شمال غزة، قائلاً: “ذهب ابن شقيقي حسام لمنطقة البشير في حي تل الزعتر، وهي منطقة مرتفعة يمكن منها الحصول على إنترنت. حسام ذهب للتواصل مع شقيقه بتاريخ 9 فبراير/شباط الجاري، والذي لم يتبقَّ له سواه بعد مقتل والديه وخمسة من أشقائه، في ديسمبر/كانون الأول شمالي غزة”.
وتابع قائلاً: “جلس حسام وصديقه عامر للتحدث عبر الإنترنت، ولكن سرعان ما قصفتهم الطائرات. ذهبت مسرعاً لمكان القصف القريب من منزلنا، فنحن نسكن في تل الزعتر، ومنطقة البشير قريبة من مكان تواجدي، ولكن تم نقلهما سريعاً إلى مستشفى العودة القريب من المكان. وبسبب انقطاع الاتصالات لم أستطع إيصال خبر مقتل ابن شقيقي إلى إخوتي وأقربائي الذين نزحوا لجنوب قطاع غزة”.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمر بشكل منهجي عبر استهدافات من طيرانه الحربي محطات الإرسال الهوائي لشبكات الهاتف المحمول على أسطح المنازل والمباني، وكذلك مقاسم الاتصالات للشبكة الأرضية الوحيدة في قطاع غزة، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات والإنترنت عن غالبية قطاع غزة في أغلب الأوقات، ولجأ السكان للبحث عن بدائل أخرى ليس من السهل تأمين متطلبات تشغيلها.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قطعت إسرائيل الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن قطاع غزة، ما لا يقل عن 10 مرات، وغالبها جاء بالتزامن أو قبيل تصعيد في الهجوم، كما دمرت البنى التحتية المشغلة لشبكات الاتصالات بشكل شبه كامل.
المصدر : عربي بوست