هل استخدمت “إسرائيل” أسلحة تحوي يورانيوم مخصّب في غزة؟ خبير أشعة بريطاني يجيب
لا تزال مدينة الفلوجة العراقية لغاية اليوم تعاني من الآثار التي خلّفها استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب من قبل القوات الأميركية التي غزت العراق عام 2003، وخاضت معارك في الفلوجة عام 2004، حيث تعاني المدينة العراقية من ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان والتشوّهات الخلقية.
وفي العام الماضي، صرّحت الولايات المتحدة الأميركية عن تزويدها أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضّب، الأمر الذي أثار غضب روسيا، محمّلة واشنطن المسؤولية عن التبعات المأساوية لقرارها بإرسال هذه الذخائر لكييف.
“إسرائيل” من جهتها لم تتردّد في استخدام سلاح اليورانيوم، سواء كان مخصّباً أو منضّباً خلال عدوانها على لبنان صيف 2006 واعتداءاتها المتكرّرة على غزة.
ثار الخلاف حول آثار اليورانيوم المنضّب، إذ إنّ بعض الدراسات تقول إنه لا تأثير ضاراً له، بينما دراسات أخرى أثبتت أنه سلاح سمّي ومشعّ يسبّب أمراضاً خطيرة للإنسان، ويزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، ويحدث تشوّهات خلقية. أما اليورانيوم المخصّب فهو أكثر إشعاعاً من اليورانيوم المنضّب، وبالتالي يسبّب أمراضاً خطيرة للإنسان.
لقد أُجريت العديد من الأبحاث والدراسات حول نوعية الأسلحة المستخدمة في العراق ولبنان وغزة وتأثيرها على الإنسان والبيئة. ومن العلماء الذين قاموا بمثل هذه الدراسات خبير الأشعة البريطاني، البروفسور كريس باسبي، الذي تحدّث في حوار خاص مع “الميادين نت” عن النتائج التي توصّل إليها، وعن توقّعاته حول استخدام سلاح يورانيوم جديد في حرب غزة.
الدراسات أظهرت استخداماً مؤكّداً لليورانيوم المخصّب في لبنان وغزة
بعد ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان في مدينة الفلوجة العراقية، أجرى البروفسور باسبي دراسة لمعرفة أسباب هذه الزيادة. فزار المدينة وأجرى مسوحات وأخذ عيّنات من سكان المدينة. وعن نتائج دراسته يقول باسبي إن نسبة الإصابة بالسرطان كانت مرتفعة، خاصة عند الأطفال والشباب، وكانت المعدلات مماثلة أو أكبر من تلك الموجودة في هيروشيما. وأجريت الدراسة مقارنة مع كل من مصر والأردن.
ويضيف باسبي أنه توصّل في دراسته أيضاً إلى أن هناك زيادة في وفيات الرضّع المشوّهين خلقياً، وأجريت الدراسة مقارنة بمصر والأردن والكويت. ونسبة التشوّهات الخلقية كانت مرتفعة جداً، نحو 144 لكل 1000 مولود حيّ، مقارنة بـ 128 حالة في الكويت و 7.9 في الإمارات العربية المتحدة في الفترة نفسها. وبيّنت الدراسة أيضاً أن قياس 52 عنصراً من شعر 20 أمّاً لأطفال مصابين بتشوّهات خلقية أظهر وجود يورانيوم مخصّب فيها.
بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، أجريت العديد من الدراسات على مواقع تعرّضت للقصف الإسرائيلي، خاصة في منطقة الخيام في جنوب لبنان بعد أن اكتشفت فيها إشعاعات نووية. وكان باسبي بين الخبراء الذين قاموا بتحليل عيّنات من مواقع تعرّضت للقصف الإسرائيلي. فأخذ عيّنة من فلتر لسيارة إسعاف من بيروت مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي، وعيّنة أخرى من تربة لحفرة في منطقة الخيام. وفي هذا الإطار أشار كريس باسبي للميادين نت أن التحاليل أظهرت وجود يورانيوم مخصّب في العيّنتين.
ماذا عن غزّة؟
قام أيضاً البروفسور باسبي بتحليل عيّنات لفلتر سيارة ولتربة من غزة تمكّن من الحصول عليها عن طريق أحد زملائه من مصر، كونه تعذّر عليه الوصول إلى القطاع. وبعد إجراء التحاليل للعيّنات خلال شهر كانون الثاني/يناير 2009، أظهرت النتائج وجود يورانيوم مخصّب في العيّنات.
وعن نوعية السلاح المستخدم في لبنان وغزة ومن المحتمل في الفلوجة أيضاً، يرى باسبي أن “إسرائيل” استخدمت سلاحاً جديداً يُنتج عن طريق العمليات النووية فائضاً من اليورانيوم المخصّب.
ويعتقد الخبير البريطاني “أنه سلاح ذو رأس حربي نيوتروني اندماجي بارد مصنوع من يوتريد اليورانيوم، كما وصفه البروفسور الراحل ديل غويدس، إذ إنه لا يمكن لليورانيوم أن يكون موجوداً في البيئة بمستويات التخصيب التي أظهرتها النتائج في غزة”.
القنبلة النيوترونية
يُعرّف باسبي القنبلة النيوترونية بأنها سلاح اندماجي بارد برأس حربي بحجم كرة البيسبول تقريباً، مصنوع من اليورانيوم أو جزئياً من اليورانيوم المخصّب والذي تفاعل جزئياً مع الديوتيريوم، وعند الاصطدام أو عن طريق الضغط الانفجاري، تخضع ذرات الديوتيريوم للاندماج لإنتاج كميات هائلة من الطاقة وأشعة غاما ودرجة حرارة عالية جداً ونيوترونات.
ويضيف باسبي بأن هذه القنبلة تمّ اختراعها في الاتحاد السوفياتي (سابقاً) وأطلق عليها اسم “الزئبق الأحمر”، وتمتلكها “إسرائيل” التي اختبرتها في جنوب أفريقيا، كما تمتلكها الولايات المتحدة الأميركية وجميع الدول التي أنتجت أسلحة نووية.
وحول ما إذا كانت “إسرائيل” تستخدم القنبلة النيوترونية في عدوانها على غزة حالياً، فيجيب باسبي بأنه لا يمكن التأكّد من ذلك إلّا بعد إجراء التحاليل على عيّنات من شعر النساء، وعيّنات من حديد التسليح الخرساني والفولاذ المقاوم للصدأ المحلي.
استخدام اليورانيوم المنضّب أو المخصّب.. جريمة إبادة جماعية
يؤكد خبير الأشعة البريطاني للميادين نت “أن استخدام اليورانيوم، سواء كان منضّباً أو مخصّباً يعتبر جريمة إبادة جماعية، لأن استخدامه يشير إلى نية إحداث ضرر وراثي للسكان”.
وإذا كان استخدام اليورانيوم مخصّباً أو منضّباً يعتبر جريمة إبادة جماعية لأنه يسبّب الموت لأفراد الجماعة، أو الأذى الجسدي أو النفسي لهم، وأيضاً يلحق أضراراً بأوضاعهم المعيشية، ويفرض إجراءات لمنع الإنجاب كونه يؤثّر على الأجنّة، واستخدامه مع المعرفة المسبقة بآثاره يشكّل نيّة لإبادة الجماعة، فإنه على محكمة العدل الدولية التي تنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” بارتكاب جريمة إبادة الأجناس أن تأخذ على محمل الجد احتمال استخدام “تل أبيب” لأسلحة تحتوي يوارنيوم مخصّب أو منضّب.
يذكر في هذا الإطار أن تقرير “غولدستون”، الذي أصدرته بعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق بشأن النزاع في غزة خلال عام 2009، أشار إلى المزاعم باستخدام “إسرائيل” لليورانيوم المنضّب وغير المنضّب، غير أنه ذكر أن اللجنة لم تواصل التحقيقات في هذه المزاعم.
المصدر : الميادين