“إسرائيل” أمام “العدل الدولية” .. هل تنجح المحكمة بإيقاف العدوان على غزة؟
بعد أكثر من 95 يوماً من العدوان على قطاع غزة، ستمثل “إسرائيل”، للمرة الأولى منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، أمام محكمة العدل الدولية بصفتها متّهمةً بارتكاب إبادة جماعية في حقّ الفلسطينيين في قطاع غزة.
الدعوى التي قدّمتها دولة جنوب أفريقيا إلى المحكمة، في الـ29 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، تتهم الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب الإبادة الجماعية في القطاع، وتتألّف من 84 صفحةً، تحتوي عشرات الأدلة والبراهين على الجرائم المرتكبة.
ما المنتظر غداً الخميس في لاهاي؟
موفد الميادين إلى لاهاي، مقرّ محكمة العدل الدولية، أشار إلى أنّ الجلسة ستُعقد صباح غدٍ الخميس، حيث سيقدّم محامو جنوب أفريقيا مطالعتهم التي تتضمّن هذه الأدلة، مقرونةً بتصريحات أكثر من 200 مسؤول إسرائيلي، من المستويين السياسي والعسكري.
وتثبت هذه التصريحات نيّة هؤلاء المسؤولين ارتكاب الجرائم والإبادة الجماعية والقضاء على الفلسطينيين في غزة، إضافة إلى طردهم وقتلهم وتدمير منازلهم وقطع سبل الحياة عنهم، كما أوضح موفدنا. ووفقاً لمصادر مقربة من فريق محامي جنوب أفريقيا، فإنّ الأدلة في الملف المتكامل ضدّ الاحتلال قوية، وتثبت ارتكاب “إسرائيل” الإبادة الجماعية.
أما الجمعة، فمن المتوقّع أن يردّ الاحتلال على مطالعة جنوب أفريقيا، حتى “يدافع عن نفسه”، بحسب موفد الميادين إلى لاهاي. وتمثّلت الخشية الإسرائيلية من هذا الحدث في تحضير وفد كبير “للدفاع عنها”، بينهم المحامي والمؤلّف الأميركي اليهودي، آلان ديرشوفيتز.
وأضاف موفدنا أنّه سيتعيّن على المحكمة اتخاذ “قرارت فورية”، في حال قرّرت الأخذ بكلّ الأدلة والبراهين لجنوب أفريقيا بعين الاعتبار. كما بيّن أنّ هذه القرارات قد لا تصدر يوم الجمعة، وهي ربما ستأخذ عدة أيام، إلا أنّ صفة الجلسة الطارئة للمحكمة تعني أنّه يجب اتخاذ قرار سريع.
وقد يتضمّن القرار وقف الحرب على غزة ووقف تهجير الفلسطينيين والدمار، وإدخال المساعدات الغذائية والطبية بصورة فورية، وإعادة الكهرباء ورفع الحصار عن القطاع.
وإضافةً إلى أهمية جلسة الغد نظراً لكونها المرة الأولى التي يخضع فيها الاحتلال للمساءلة، هي أساسية أيضاً لأنّها قد تكون مقدّمةً مهمةً لما تواجهه “إسرائيل” أمام محكمة الجنايات الدولية أيضاً، وفق موفد الميادين إلى لاهاي.
ويعني ذلك أنّ المحامين الـ300 الذين تقدّموا قبل أكثر من شهر بدعوى إبادة ضدّ “إسرائيل” أمام محكمة الجنايات الدولية سيستندون إلى القرار الذي ستتخذه محكمة العدل الدولية، من أجل تسمية الأشخاص هناك وملاحقة أولئك المسؤولين عن الإبادة الجماعية.
المواجهة في القضاء الدولي
أمام ذلك، تنقسم الآراء بشأن هذه الخطوة بين من يجد فيها معركةً متقدّمةً على جبهة لم يعتد الاحتلال التعامل معها كجبهة ساخنة، ويمكن أن تحقّق إدانةً هي الأولى من نوعها للاحتلال الإسرائيلي، ومن يرى أن لا فائدة ترتجى من التوجّه إلى مؤسسات تقع تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بدليل عدم اتخاذ أي منها خطواتٍ جديةً خلال السنوات الماضية للحؤول دون الاعتداءات الإسرائيلية، إضافة إلى أنّ أي قرار في غير صالح “إسرائيل” يصطدم حكماً بجدار “الفيتو” الأميركي، كما جرت العادة.
وفي محاولة لإلقاء نظرة قانونية على محكمة العدل الدولية، ومعرفة إمكان تحقيق استفادة من التوجّه إليها من عدمه، وكيف يمكن تحقيق هذه الاستفادة، أجرت الميادين نت مقابلة مع حسن جوني، الأستاذ في القانون الدولي والخبير السابق لدى المنظمات الدولية.
في السؤال بشأن سبب ذهاب “إسرائيل” إلى المحكمة، يقول جوني، إنّ “إسرائيل” تعلم بأنّ مسار المحكمة لا يتوقّف على حضورها، وبالتالي تغيّبها لن يلغي المحاكمة، وإنّما، “وهنا الإشارة المهمة، هي تطمح بأن تتجنّب الإدانة، إذ إنّ مسار القضية يتألّف من مرحلتين: الأولى، تأخذ فيها المحكمة إجراءات احترازية (في هذه الحالة المطالبة بوقف الحرب)؛ والثانية، تبدأ فيها إجراءات المحاكمة، حيث تطلب المحكمة من الدول الأعضاء إعطاء آرائها القانونية في القضية المقدّمة، ما يعني أنّ المعركة تبدأ هنا.
ويرى جوني أنّ “المعركة الحقيقية هي في حشد أكبر قدر ممكن من الآراء القانونية للدول الأعضاء، في هذه القضية، وبالتالي حينها ستبدأ إسرائيل في البحث والتحشيد، والتواصل مع دول العالم”، مضيفاً أنّ على لبنان ودول العالم العربي، أن تذهب وتدعم موقف جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بإعطاء دراسات قانونية تثبت جرم إسرائيل”.
وعلى الرغم من صعوبة تحصيل إدانة لـ”إسرائيل” عند محكمة العدل الدولية، وفقاً لجوني، إلا أنّ هذا “ليس خاتمة المطاف، فجنوب أفريقيا تقدّمت أيضاً في دعوة أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن أن يظلّ المجال مفتوحاً أمام الحقوقيين القانونيين العرب للمشاركة في الادّعاء وتقديم الأدلة، وتحصيل الإدانات بحق الأفراد المتهمين بالإبادة وبجرائم الحرب، وهو ما قد يمنع من تثبت إدانته منهم من الدخول إلى العديد من مطارات العالم”.
المواجهة إذاً ليست فاقدة للقيمة بطبيعة الحال، وإن تحدّثنا عن ضعف مقدار الاحتمال بالوصول إلى نتيجة تزعج الاحتلال الإسرائيلي، ولكن هذا لا يمنع ضرورة المحاولة على كل الميادين المحتملة، ولكن، وتحديداً أمام محكمة العدل الدولية، يجب أن يكون العرب جادين في المواجهة، كي لا تخرج “إسرائيل” بصورة المنتصر.
بين “العدل الدولية” و”الجنائية الدولية”
جوني أشار في حديثه للميادين نت أيضاً إلى الفارق القانوني بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، موضحاً أنّ محكمة العدل الدولية هي هيئة من هيئات الأمم المتحدة الست، جاءت لتحلّ مكان “المحكمة الدائمة للعدل الدولية” التي كانت تابعة لعصبة الأمم، التي تألّفت بُعيد الحرب العالمية الأولى.
وتتخصص هذه المحكمة بتطبيق القانون الدولي، أي الاتفاقيات الدولية والأعراف، وفقاً للمادة 38 من نظامها، وهي تعالج النزاعات بين الدول وتأخذ قراراتها ضد الدولة، وليس ضد الأفراد.
وأوضح جوني أنّ الذهاب إلى محكمة العدل الدولية مشترط بتحقيق واحد من الشروط الثلاثة التالية، بحسب المادة 36 والمادة 37 من نظامها وهي:
1- موافقة الدولتين المتخاصمتين على اللجوء إلى هذه المحكمة.
2- أن تكون إحدى الدولتين المتخاصمتين قد قدّمت موافقةً مسبقةً (وهي عبارة عن إعلان استعداد مسبق للوقوف أمام محكمة العدل الدولية في أي قضية ترفع ضدها). وعلى الرغم من أنّ “إسرائيل” قدّمت منذ أمد بعيد موافقةً مسبقة، إلا أنّها سحبتها في العام 1985، حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتياهو، سفيراً لـ”إسرائيل” في الأمم المتحدة.
3- وجود معاهدة أو اتفاقية تلحظ صلاحية المحكمة فيما يتعلّق بالتفسير أو التطبيق أو التنفيذ، حيث تكون المحكمة هنا صالحة للنظر في الأمر.
وهذا الشرط الثالث، هو ما اعتمدت عليه حكومة جنوب أفريقيا، كما بيّن جوني في حديثه للميادين نت، في التوجّه إلى محكمة العدل الدولية، اعتماداً على “سوء تطبيق إسرائيل نصّ معاهدة الإبادة الجماعية”.
أما المحكمة الجنائية الدولية، فهي أولاً تحكم على الأفراد، بخلاف محكمة العدل. ثانياً، إنّها عبارة عن منظمة دولية، تقوم على الاتفاق بين مجموعة من الدول. ثالثاً، هي تحكم بالجرائم التالية: عدوان، حرب، جرائم ضد الإنسانية، إبادة جنس بشري.
أما عن شروط الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية فهي: إما أن يكون المدّعى عليه دولةً طرفاً في المحكمة، أو المدّعي هو طرف في المحكمة، أو يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يدّعي على طرف عبر هذه المحكمة، كما يمكن للمدّعي العام أن يدّعي هو ابتداءً.
وهنا يقول جوني إنّ الوقوف أمام المحكمة الجنائية الدولية “كان ليكون أيسر من الوقوف أمام محكمة العدل الدولية”، حيث إنّ الأخيرة تأخذ “وقتاً طويلاً جداً في إثبات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بينما هذا المسار أسهل في الجنائية الدولية”.
ولكن يبقى الذهاب نحو القضاء الدولي، ومحاولة تحصيل إدانة للعدوان الإسرائيلي هو أمر جيد ومهم، على الرغم من صعوبة إلزام “إسرائيل” كحكومة فوق القانون الدولي، بأي قرار سيصدر، خاصةً أنّ تطبيق قرار محكمة العدل الدولية يرجع إلى موافقة مجلس الأمن الذي يعطي التوصيات بالتطبيق وإجراءاته، وذلك بحسب المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة.
وهنا يذكّر جوني بدور “الفيتو” الأميركي الذي وقف، ولا يزال، أمام قضية نيكاراغوا في كل مرة وصلت فيها من محكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن.
المصدر : الميادين