قريباً جداً… الذكاء الاصطناعيّ سيقرأ عقولكم
ليس من الضروريّ أن تكون قدرة الذكاء الاصطناعيّ على قراءة الأفكار أمراً سلبياً؛ على الأقلّ ليس في جميع الحالات. أحياناً تبدو هذه القدرة مذهلة وتحوّل حياة الأفراد للأفضل بشكل جذريّ، وبشكل لم يكن بإمكانه تخيّله منذ عقد من الزمن. لكن بالمقابل، لا تزال المخاوف حاضرة. ولها ما يبرّرها من الأسباب.
في ما يلي تقرير للكاتب في الشؤون العلميّة في صحيفة “التايمز” البريطانيّة ريس بلَيكلي يظهر الجانبين الإيجابيّ والسلبيّ لهذه التكنولوجيا:
غيرت-جان أوسكام هو هولّنديّ متواضع تعرّض قبل 12 عاماً لحادث مروريّ مروّع. أصيب حبله الشوكيّ بأضرار بالغة وأخبره أطبّاؤه أنّه سيبقى على كرسي متحرك مدى الحياة. لم يمشِ لمدة عقد. لكن بعد وقت قصير من لقاء الكاتب به الأسبوع الماضي، تمكّن من الوقوف. خطا عدّة خطوات بمساعدة أداة للمشي.
كانت هذه الخطوات ممكنة بفضل مجموعة من الغرسات الموضوعة في جمجمته وتراقب النشاط الكهربائيّ لعشرات الآلاف من خلايا الدماغ. يقوم برنامج ذكاء اصطناعيّ بفك شفرات هذه البيانات. بالمعنى الضيّق، يمكنكم القول إنّه يقرأ تفكيره. يمكنه التعرّف الى الوقت الذي يفكّر خلاله باتخاذ خطوة. ثمّ يترجم هذه النية إلى سلسلة من الرسائل التي يتم إرسالها إلى غرسة أخرى في قاعدة ظهره. يحفّز هذا نخاعه الشوكيّ، ممّا يدفع ساقيه إلى التحرك.
بالنسبة إلى أوسكام، 40 عاماً، كان الأمر تحويليّاً. إنّه أكثر استقلاليّة. تحسّنت صحته العقليّة والجسديّة. أخبر الكاتب أنّه لم يفكّر مرّتين قبل إجراء ثقبين في جمجمته للسماح للآلة بمسح دماغه.
لكن ماذا عن بقيّتنا؟
يتساءل الكاتب عمّا إذا كنتم ستسمحون للكمبيوتر بالوصول المباشر إلى أفكاركم. السؤال ليس بعيد المنال كما كان من قبل. تحدّث بلَيكلي هذا الأسبوع مع البروفسور بوب نايت من جامعة كاليفورنيا ببيركلي. لقد استخدم مع زميل له عمليّات الزرع لمراقبة أدمغة الناس أثناء الاستماع إلى موسيقى الروك الكلاسيكيّة. كان برنامج ذكاء اصطناعيّ قادراً على إعادة إنتاج نسخة من الأغنية التي سمعها هؤلاء الأشخاص مسترشداً فقط بالنشاط الخافت لخلايا أدمغتهم. كانت كلمات الأغاني مكبوتة ولكنّ الإيقاع (أغنية لبينك فلويد) كان معروفاً بشكل مخيف وسلّطت النتائج ضوءاً جديداً على كيفيّة معالجة أدمغتنا للإيقاع واللحن.
سرعة التطوّر
إنّ الاختراقات مثل هذه تأتي بشكل مكثّف وسريع. نحن بارعون جداً في استنتاج المحفّزات الحسّيّة من نشاط الدماغ. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يتنبّأ بما تراه أعينكم من خلال تحليل فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسيّ لأدمغكتم. ساعد الجيش الأميركيّ في تمويل أطراف اصطناعيّة يتحكّم فيها العقل. ثم هناك “نيورالينك” وهي شركة أسسها إيلون ماسك تقول إنّها تهدف إلى إنتاج “جهاز للجمهور العام” مخصّص للسوق الشاملة من شأنه أن يربط عقول المستخدمين مباشرة بأجهزة الكمبيوتر القويّة. وقالت هذه السنة إنّها تلقت الموافقة التنظيمية لزرع إحدى غرسات الدماغ في الإنسان لأول مرة.
أنواع جديدة من الفكر الإجرامي؟
توقّع مكتب مفوّض المعلومات أن “ينتشر استخدام التكنولوجيا لرصد البيانات العصبيّة، أي المعلومات الآتية مباشرة من الدماغ والجهاز العصبيّ، على نطاق واسع خلال العقد المقبل”.
وهو قلق من أن يحاول أصحاب العمل استخدام هذه البيانات العصبيّة لتقييم المتقدّمين للوظائف أو للتحقّق مما إذا كان العمّال يركزون في مكاتبهم. تشير الدراسة إلى أنّ الموظفين المتباين نشاطهم العصبيّ عن النمط العصبيّ السائد (neurodivergents) والذين لا تتلاءم موجات دماغهم مع النمط المعياريّ قد يواجهون التمييز. كما أنّه يرى خطراً في اختراق البيانات العصبيّة، وأنّ الأجهزة يمكن أن تُبنى “للكشف عن الأفكار التي قد تكون خاصة أو من المفترض أن تخضع للتعديل قبل المشاركة”.
تبدو الضمانات حكيمة. لا يوجد وصف أو تعريف صريح “للبيانات العصبيّة” بموجب لائحة حماية البيانات العامّة في المملكة المتحدة أو غيرها من التشريعات المماثلة. ربّما يجب أن يكون هناك. البيانات المتعلّقة بالصحة والعرق والهوية الجنسية محمية بالفعل.
لكن على نطاق أوسع، ما لم يتمّ حفر ثقب في الجمجمة وإدخال غرسة داخلها أو لصقها فوقها مباشرة، ثمّة حدود لما يمكن أن يتكهّنه الذكاء الاصطناعيّ الأكثر قوة بشأن ما يحدث داخل رؤوسكم.
عوائق
حتى لو كنتم حريصين على الخضوع لغرسة، إذا كان الهدف هو مشاركة الوصول إلى الحوار الداخليّ الخاصّ بكم فلن يعرف العلماء حقاً مكان وضعه. يعمل نظام أوسكام بشكل جيّد لأنّ القشرة الحركيّة – أي الجزء الدماغيّ الذي يوجّه الحركة – يمكن الوصول إليها، وهي عبارة عن شريط من المادّة يمتد عبر الجزء العلوي من الرأس. يعرف العلماء وظيفتها، وهذا النشاط في مناطق فرعيّة مختلفة يسبق حركة الأطراف المختلفة.
بالمقارنة، تظل شبكات خلايا الدماغ التي تؤدّي إلى التفكير المجرّد غامضة. وفقاً لأندرو جاكسون، أستاذ واجهات الخلايا العصبية البينيّة في جامعة نيوكاسل، ثمة سؤال كبير مفتوح وهو ما إذا كان عقلك يعمل تماماً مثل عقلي. يمكن تدريب أنظمة التعرّف الى الأصوات لأنّها متشابهة إلى حد ما. لا نعرف ما إذا كان الشيء نفسه ينطبق على الأدمغة. لكي يصل الذكاء الاصطناعيّ فعلاً إلى عقلك، ربّما يجب أن يكون مصمماً خصيصاً لك. وربما يستغرق تدريبه حياة بشريّة كاملة حتى يصبح مفيداً. أو ربما لا. يمكن أن يطوّر مختبر في كاليفورنيا أو بكين برنامجاً للذكاء الاصطناعي من شأنه حل ما يسمّيه الفلاسفة “مشكلة الوعي الصعبة” ويكشف الآليات التي تولّد التجربة من المادة.
ما ينبغي تذكّره
حتى ذلك الحين، يجدر بنا أن نتذكّر كم تعرف شركات التكنولوجيا الكبرى عنكم بالفعل. تفاعلاتنا مع وسائل التواصل الاجتماعيّ، والأشياء التي ندخلها في “غوغل”، هي أكثر فائدة حتى من أكثر التقنيات العصبيّة تطوراً في استنتاج أفكاركم كما يقول جاكسون. وخلص كاتب المقال إلى الاستنتاج التالي: “لذلك إذا كنتم ترغبون في حماية محتويات عقولكم فابدأوا بحماية محفوظات المتصفّح. ولا تدعوا أي شخص يحفر ثقباً في رأسكم”.
المصدر : النهار العربي