“كناري ميشن”.. من هي؟ وكيف تروّج لـ”إسرائيل” في وجه القضية الفلسطينية؟
شهدت معركة “طوفان الأقصى” تصاعداً في العالم الرقمي، إذ يتعرض المؤيدون والداعمون لفلسطين لأشكال متعددة من التضييق والتحريض. عبر جهات محددة تقوم بدور فعّال في دعم “إسرائيل”، سواء بشكل علني أو ضمن إطار من السرية، ما يجعل كل الأساليب مباحة لتحقيق أهداف الاحتلال.
“كناري ميشن”.. مجموعة تتسم آليات عملها بالسرية خاصة فيما يتعلق بالطلاب والموظفين والأساتذة المتضامنين مع القضية الفلسطينية فضلاً عن مصادر تمويلها المجهولة المصدر. فمن هي هذه المجموعة؟ وكيف تعمل على دعم “إسرائيل” في وجه المؤيدين للقضية الفلسطينية؟
من هي مجموعة “كناري ميشن”؟
تقوم مجموعة “كناري ميشن” بدور فعّال في رصد وتوثيق الأفراد والمنظمات التي تروّج لـلخطاب الموجه ضد الولايات المتحدة وكيان الاحتلال عبر موقعها الإلكتروني الخاص الذي تستخدمه للتشهير بطلاب الجامعات وأعضاء الهيئة التعليمية والموظفين ومنظمات أخرى ممن يدافعون عن القضية الفلسطينية.
مهمة “كناري ميشن” المعلنة عبر موقعها الإلكتروني تتضمن التحقيق في حالات معاداة السامية والعنصرية عبر الطيف السياسي، بدءاً من اليمين المتطرف وصولاً إلى اليسار المتطرف، وحتى الناشطين المناهضين لـ “إسرائيل”، بما في ذلك حركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS)مع المحافظة على سرية هويات أعضائها ومصادر تمويلها، ما يثير التساؤلات حول الشفافية في عملها.
تركز المجموعة في عملها على استهداف فئة عمرية محددة، وتعمل على تكوين معتقدات خاصة بها وتغيير أساليب العمل في تضامن الشباب مع القضية الفلسطينية.
من بين أهم أنشطتها خلال معركة “طوفان الأقصى” كان إنشاء ملفات شخصية على الإنترنت للأفراد والمنظمات المتضامنة مع فلسطين. كما قامت المجموعة بتشكيل معتقداتها وأسلوب عملها بشكل فعّال من خلال تحفيز ممارسات التضييق والتشهير لتثبيت رؤيتها الخاصة.
آليات عمل “كناري ميشن”
تعتمد مجموعة “كناري ميشن” على سلسلة من الآليات الفعّالة لتحقيق أهدافها، تتنوع بين تحريض الرأي العام وترهيب الفرد، وكلها تندرج ضمن استراتيجياتها المتقدمة.
تبدأ مجموعة “كناري ميشن” عملها بتوثيق الأفراد والمنظمات التي تشارك في نشاطات تعدّها متناقضة مع سياستها، ويتضمن ذلك تصنيف الأنشطة بأنها خطيرة، وفقاً لبيانها الخاص.
بعدها، تقوم المجموعة بنشر الصور والروابط والمعلومات الشخصية للأفراد المستهدفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إدراجهم في قوائم سوداء تهدف إلى طردهم أو حرمانهم من فرص العمل.
تمتد جهود مجموعة “كناري ميشن” إلى جمع معلومات شاملة عن المنظمات، بداية من المجموعات السياسية حتى وسائل الإعلام. يتيح ذلك لها فحص المنظمات وتصنيفها، وفقاً لتوجهاتها ومواقفها.
تتعدد آليات الترهيب والتهديد، منها إجراءات جسدية، مثل الظهور في أماكن القرارات الحساسة، وتنظيم فعاليات تهديدية. كذلك تشمل هذه الآليات استخدام الإنترنت لحث المتابعين على التعرض للأفراد المستهدفين.
من الملاحظات اللافتة استهداف مجموعة “كناري ميشن” الأفراد الذين يعبّرون عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية من دون أدلة على مشاركتهم في خطاب كراهية أو معاداة للسامية، ما يثير تساؤلات حول فعالية الجماعة وتأثيرها في الحريات الفردية والحوار العام.
من يموّل “كناري ميشن”؟
مجلة “the nation” نشرت تحقيقاً موسعاً حول ارتباطات هذه المجموعات ومصادر التمويل تحت عنوان “من يموّل بعثة كناري؟”.
يتناول التحقيق العملية الموجهة من “إسرائيل” لنشر قوائم سوداء تستهدف الطلاب والأساتذة وكل من ينتقد السياسات الإسرائيلية، ثم إطلاق افتراءات بحقهم بهدف إحراجهم، وإذلالهم، والإضرار بقدرتهم على العمل في المستقبل.
كل ذلك يتم تمويله سراً من قبل الأثرياء اليهود الأميركيين، كما المؤسسات اليهودية الأميركية.
تحيط “كناري ميشن” دائماً مصادر التمويل الخاصة بها وارتباطاتها بنوع من السرية، لكنّ خطأ ورد في نموذج ضريبي قبل بضع سنوات كشف المستور، ومن المموّلين برز اسم “سانفورد دلر” وهو واحد من أكبر المؤيدين لترامب وينتمي إلى إحدى أغنى عائلات كاليفورنيا، متطرف مؤيد لـ “إسرائيل”، وداعم لقائمة طويلة جداً من المنظمات اليمينية المعادية للإسلام، من بينها مركز قانون الحرية الأميركي.
في نهاية عام 2016 وبداية عام 2017، تبرعت مؤسسة دلر بمبلغ 100 ألف دولار من خلال اتحاد الجالية اليهودية لمنظمة إسرائيلية غامضة تسمى “ميجا موت شالوم” مقرها في بيت شمس غربي القدس المحتلة.
لم تكن “ميجا موت شالوم” سوى واجهة لـ “كناري ميشن” وقد تم كشف ذلك من خلال عبارة وردت في الإقرار الضريبي لمؤسسة دلر وأتت على ذكر “ميجا موت شالوم”، وهذا ما جرى تعقبه في هذا التحقيق.
غالباً ما تتم عمليات التمويل عبر جمعيات خيرية يهودية تشكل الواجهة، من بينها مؤسسة المجتمع اليهودي “جي سي أف” في لوس أنجلوس، وهناك تبرع أحد المساهمين، بقي اسمه مخفياً قانونياً بموجب قواعد المؤسسة بربع مليون دولار لـ “كناري ميشن”.
تزيد قيمة أصول “جي سي أف” في لوس أنجلوس عن 1.3 مليار دولار، وأيضاً مثل الاتحاد اليهودي في سان فرانسيسكو قام بتوزيع الملايين على الجماعات اليمينية المؤيدة للاحتلال.
مموّل إضافي لـ “كناري ميشن” هو “آدم شتاين”، وهو ملياردير وشريك مقرب من الملياردير الراحل شيلدون أدلسون، وهو عضو أيضاً في “أيباك”.
وفق صفحة “إيباك”، هو مستثمر عقاري ورئيس لمؤسسة عائلة أعظم وجيلا شتاين. يتركز عمله الخيري كما يصفونه على تعزيز دولة “إسرائيل” والشعب اليهودي.
خدم في “الجيش” الإسرائيلي خلال حرب “يوم الغفران” ووصل إلى الولايات المتحدة بداية الثمانينيات. وهو أحد مؤسسي المجلس الإسرائيلي الأميركي وعضو في مجالس إدارة عدد من المنظمات من بينها “إيباك” “ستاند ويد أس”، وشبكة الممولين اليهود ومجلس “بيرت رايت إسرائيل” في لوس أنجلوس.
كناري ميشن: أداة استخبارية إٍسرائيلية للقضاء على “المعارضة”
بحسب التحقيقات والإمكانيات والأساليب التي تعمل بها “كناري ميشن” من الواضح أنها أداة استخبارية لوزارة الشؤون الاستراتيجية والشاباك، وبالتالي لا يقتصر دورها على إسكات المعارضة المناهضة لـ “إسرائيل”، ولكن أيضاً تستخدم قائمة الأسماء الخاصة بها لمنع هؤلاء الأفراد من دخول “إسرائيل”، ومحاولة زيارة الأراضي المحتلة، وبما في ذلك اليهود والفلسطينيون والأساتذة والطلاب.
من بين هؤلاء لارا القاسم وهي طالبة أميركية من أصل فلسطيني، أرسلت وزارة الشؤون الاستراتيجية وثيقة تحمل عبارة حساسة وقد احتوت على ملف تعريف من “كناري ميشن” يسرد بيانات لارا القاسم بأنها عملت كرئيسة فرع محلي لمنظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين بجامعة فلوريدا. كان من المفترض أن تدرس لارا القاسم الماجستير في الجامعة العبرية في القدس.
لكن، وبعد رسالة احتجاج وقّعها أكثر من 300 أستاذ وأكاديمي من الولايات المتحدة ومن جميع أنحاء العالم الذين يرفضون جميع أشكال التنميط العنصري، وافقت محكمة إسرائيلية على استئناف دخولها البلاد.
في دراسة نشرها مركز التقدم الأميركي عام 2011 يشير إلى أنه منذ الثمانينيات سعت الجماعات المؤيدة لـ “إسرائيل” إلى خنق النشاط الطلابي الداعم للحقوق الفلسطينية. وعلى مر السنين أطلقوا سلسلة من الهجمات التشهيرية رفيعة المستوى على المعلمين والباحثين في هذا المجال. ولعل “كناري ميشن” ليست الجهة الوحيدة الناشطة على هذا الصعيد فهناك مثلاً “نادى ألفين كاميرا”، “سبورتنغ فري” “ميدل إيست كامبس ووتش”، “ديفيد هورويتز”، “فريدوم سنتر”، “ديفيد بروجكت” و “ستاندرد” هي أسماء لمشاريع شبيهة، وأذرع تابعة للحكومة الإسرائيلية بأشكال وأنماط مختلفة في الاتجاه نفسه والسياقات ذاتها، بهدف التحريض ضد المؤيدين للقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم.
المصدر : الميادين