لواء غولاني ينسحب من غزة… لعنة حي الشجاعية تطارد “إسرائيل”
في الشجاعية كانت البدايات… ومنها تلقى الاحتلال منذ أيام أقسى الضربات. حي الشجاعية الغزاوي يحفر عميقاً في ذاكرة “الجيش” الذي اعتبره البعض “لا يقهر” في يومٍ من الأيام.
شجاعة أبطال مخيم الشجاعية تركت مخرزاً، لا بل تركت جرحاً غائراً في خاصرة المحتل. هي ندبات لا تندمل مع تقادم الزمن وتتالي الأيام .
على مرّ التاريخ، كان لحيّ الشجاعية دور كبير أثناء معارك عام 1967. وقد شهد انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 1987، تحوّل الحي إلى ساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وأسفرت الاشتباكات آنذاك عن مقتل ضابط إسرائيلي واستشهاد 4 من أعضاء المقاومة.
لطالما شكّل حي الشجاعية كابوساً بالنسبة إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتوانى المحللون العسكريون عبر الشاشات الإسرائيلية عن وصفه بأوصاف تدل على أنه مصدر رعب لهم، فتارةً يصفونه بـ”اللعنة” وطوراً بـ”الكابوس”.
مخيم “الشجاعية” قضّ مضاجع ضباط وجنود النخبة في “جيش” الاحتلال، فهل هُزم لواء “غولاني” أعتى الألوية “الجبّارة”، كما كان الإعلام الإسرائيلي يسميه في غابر الأيام!؟
سأل مراقبون عسكريون عن جدوى سحب لواء رئيسي من معركة ضارية، فيما لم تقنع الرواية الإسرائيلية متابعي مجرى العمليات، وخصوصاً بعدما شهدت صفوفه خسائر بلغت 40%.
المراسل العسكري في صحيفة “معاريف”، طال ليف رام، اعتبر أن الحساب المفتوح لدى لواء “غولاني” مع حي الشجاعية “طويل ودامٍ”، وأن اللواء يتذكّر استهداف ناقلة الجنود المدرعة عام 2014، “إذ تلقّت الكتيبة 13 ضربة قوية بمقتل 7 جنود واختطاف جثة أورون شاؤول”.
حينها، وصف المراسل العسكري لموقع “والاه” الإسرائيلي أمير بوخبوط حي الشجاعية بأنه “أحد أخطر الأحياء في الشرق الأوسط”، بعدما رأى ما واجهه “الجيش” الإسرائيلي في الحي من صواريخ وآبار وأنفاق وألغام نصبتها المقاومة لوقف توغّل الاحتلال براً في قطاع غزة.
في ذلك الوقت، في التاسع من تموز/ يوليو 2014، تحولت آلية الموت الإسرائيلية إلى مقبرة لجنود “جيش” الاحتلال. وفي تلك الليلة، دخلت ناقلتا جند مدرعيتن إلى الشجاعية تحملان معهما عناصر من “لواء غولاني”.
أصوات الفرح والغناء التي تصاعدت من الآليات التي كانت تنبئ ببهجة الجنود تحوّلت سريعاً إلى بكاء وصراخ وعويل. وعن هذا الخوف، قال جندي: “لقد تحوّل الوضع من ابتسامات وضحكات إلى وضع نقول فيه أعطني ماء لقد جف حلقي”.
سكون الليل المطبق خرقه صاروخ مضاد للدبابات أصاب الآلية، والحصيلة كانت 7 جنود قتلى، فيما اختفت جثة الثامن.
ومنذ أن تجرّع جنود الاحتلال “السم” في ملحمة 7 أكتوبر، توالت الضربات بعد بدء الهجوم البري. وفي 13 كانون الأول/ديسمبر الحالي، كانت الضربة قاصمة بمقتل 10 من أفراده، أغلبيتهم من الضباط، وذلك في معارك شمالي غزة، ما أفضى إلى سحب هذا اللواء، في خطوة سيكون لها تداعياتها على المستوى الميداني، وخصوصاً بعد سحب لواء المظليين من الشمال.
وفضلاً عن سقوط عشرات الضباط والجنود، أكّدت هذه التقارير أنّ نحو 60 جندياً إسرائيلياً يدخلون يومياً المستشفيات نتيجة إصابات متعددة من جرّاء القتال في غزة ضد المقاومين الفلسطينيين، إصابات نحو ثلثهم متوسطة أو خطيرة.
إضافة إلى ذلك، راكم هذا اللواء تجربته المخزية في لبنان عام 2006، وخصوصاً بعد فتح حزب الله معركة الشمال.
في عدوان تموز/يوليو 2006 على لبنان، كان قصف المقاومة لثكنة “مارغلوت” ومقتل 15 من جنود النخبة (وهي أكبر حصيلة قتلى هجوم صاروخي) “القشة التي قصمت ضهر البعير”، والتي دعت قيادة الاحتلال إلى تسريع مفاوضات وقف إطلاق النار، فهل يكون سحب “غولاني” أول خطوة لخروج الاحتلال من غزة؟
وقبل أيام، صرّح قائد لواء “غولاني” الأسبق، موشيه كابلنسكي، أنّ كتائب من “غولاني” خسرت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر ربع قواتها بين قتيلٍ ومصاب، إذ قتل 88 ضابطاً وجندياً، منهم 72 جندياً في 7 أكتوبر وحده.
وقال كابلنسكي إنّ “عدد القتلى الذي كشفت عنه يصل إلى ربع عدد الكتيبة”، مشيراً إلى أنّ قادة اللواء أعادوا رسم استراتيجيتهم (في إشارة إلى الخسائر الكبيرة التي تكبّدها اللواء في غزّة).
المحلل والكاتب السياسي نضال عيسى يقول لـ الميادين نت: “بالتأكيد هناك متغيّرات جديدة في الحرب بعد صمود المقاومين في فلسطين بعد 77 يوماً من القتال، ولكن من المؤكد أن مَن يدعم هذه الحرب بدأ بحسابات جديدة بعد تلقي الضربات القاسية في غزة، وكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتهديده القوات الأميركية البحرية، وسيطرة القوات اليمنية على البحر الأحمر”.
ويعقّب عيسى بقوله إن “الكمين الذي وقعت فيه قوات الاحتلال في حي الشجاعية، بعد المواجهات البطولية من مسافة (صفر) والبطولات الكبيرة، لم يكن يتوقعه أحد، والتجهيزات التي قام بها المقاومون كانت مصيدة كبيرة للجنود، والخسائر الفادحة كانت أكبر من قدرة استيعاب القيادة العسكرية الإسرائيلية، فعندما يخسر لواء غولاني 40% من قدراته العسكرية في منطقة جغرافية صغيرة مثل غزة، فهذا بالتأكيد يشكّل حالة نفسية سلبية على المستوى العسكري والشعبي أيضاً، ومن المؤكد أن له انعكاسات كبيرة على المجتمع في الكيان الغاصب، وبالتالي فإنه اعتراف بهزيمة أكبر لواء في الكيان الغاصب”.
تقول صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن “هناك فجوة كبيرة يكاد يكون من الصعب جسرها بين بدء الجيش الإسرائيلي بالتحضير للمرحلة الثالثة من الحرب في قطاع غزة وما ينقله المستوى السياسي إلى الخارج”.
وتضيف: “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يصرّح أن الحرب ستستمر نوعاً ما إلى الأبد. وفي الوقت الذي لا يعرض نتنياهو الصورة الكاملة للجمهور، فإن الخطر من تعقد جديد في غزة يتزايد”.
وفي مقارنة مع عدوان تموز/يوليو 2006، يقول عيسى: “بالتأكيد نحن اليوم في تكرار لمشهدية انتصار تموز، فالمقاومة الفلسطينية تكرر المشهد التاريخي في غزة، عبر تمريغ رأس العدو في التراب”.
المصدر : الميادين