منوعات

المقاومة تباغت العدو بنمطٍ مختلف والتصعيد خيار مفتوح

15 عملية بين قصف مواقع وآليات ومنشآت واستهداف جنود سُجلت للمقاومة أمس، ومنذ أيام تمّ تسجيل 13 عملية وقبلها ما يوازي ذلك. هذا يعني أن الجبهة ستحافظ على هذا العدد من العمليات العسكرية اليومية أو قد تتطور.التقدير الأولي أن “حزب الله” عدّل في تكتيكاته العسكرية أو تطور نوعية المواجهة عند الحدود الجنوبية. يعود هذا التحول إلى عاملين أساسيين: إستفادة المقاومة من ثغرات الأيام الأولى، وتحولها إلى مبادرة في الهجوم في كثيرٍ من الحالات.تغييرات كهذه تمنح الحزب فرصةً لاختبارات عسكرية متنوعة تتيح له تنقيح رؤيته العسكرية على طول الجبهة. والحزب، على ما يتّضح، طور أداءه خلال 45 يوماً من عمر المواجهة، واستفاد من طول فترة الجبهة في مسألة التكيّف مع الميدان، وإنه اليوم، بات حراً أكثر في التعامل مع التقدير العسكري الميداني، وينجز خططه على هذا الأساس.من الإنجازات التي حققتها المقاومة، أنها أجبرت العدو على تجنّب الحركة عند الحافة الأمامية للجبهة، وأنها “وفق تقديرات تل أبيب وتقديرات مصادر المقاومة معاً” تمكنت من إخراج ما بين 60% إلى 70% من قدرات العدو الإستعلامية والإستخباراتية بعد قيامها بالقصف المتتالي على مواقع الحافة.

ما ميّز هذه الإستهدافات، نوعيتها. إذ باتت المقاومة تعطي الأولوية لإستهداف الجنود الإسرائيليين بالإضافة إلى التحصينات داخل المواقع المرتبطة بحماية الجنود أو الآليات. وعلى ما ظهر، باتت المقاومة تعتمد أكثر على كثافة النيران مع التشديد على انتقاء الأهداف بعناية.

ومع تطور ضربات المقاومة في اتجاه إعطاء الأولوية لقتل الجنود، أصبحت تعتمد أكثر على المعطيات والمعلومات الإستخباراتية لتحقيق الأهداف، وتعتمد على أكثر من مصدر لإجراء “جمع حربي” من النوع الدقيق.

وخلال المرحلة الماضية، اتّضح لدى الخبراء العسكريين، أن الحزب لم ينوّع استهدافاته فقط ولم يعزز من نوعيتها، إنما بحث عن أهداف “عسكرية / بشرية” تتجاوز الخط الحدودي وتصل إلى عمق الأراضي المحتلة، كحال ما حصل من استهدافات لتجمّع قواتٍ في محيط مستعمرة كريات شمونة الواقعة في عمق 13 كلم من الحدود.

وهنا يقع الكثير من الناس في الإلتباس، حين يدّعون أن العدو الإسرائيلي يعمد إلى توسيع الجبهة نحو العمق اللبناني من دون الإلتفات إلى كون المقاومة وسعت الجبهة فعلاً.
وعلى صعيد النشاط العسكري، كسب “حزب الله” دروساً لها علاقة بضرورات الميدان. فمثلاً بات الحزب حريصاً أكثر على نظم انتشار المقاومين عند الحدود وطريقة أو طبيعة ضرب الأهداف. وقد منح المقاومين حرية الحركة، بشكلٍ أوسع وأكبر، بلغت حدّ صلاحية اختيار الأهداف وضربها إن توفّرت، من دون العودة إلى “غرفة العمليات”.

كذلك بات الحزب يعتمد على أساليب معينة في القصف، بحيث لا يدفع برجال المقاومة إلى التواجد ضمن مسافات قريبة من الحدود.

هذا التدبير خفّض كثيراً من الكلفة البشرية بالنسبة إلى المقاومة، ورفع من حجم الخسائر البشرية لدى الجيش الإسرائيلي. وبحسب تقديرٍ موجود لدى المقاومة، بلغت خسائر العدو حتى 10 تشرين الثاني 27 قتيلاً و 136 جريحاً توزعوا على مستشفيات الشمال (حيفا)، فيما بلغ عدد الإصابات في الأيام الـ10 الاخيرة 50 إصابة بين قتيلٍ وجريح.

وعلى صعيد عمليات القصف، لجأت المقاومة إلى تنويع ليس فقط مصادر استهدافها إنما الأسلحة المستخدمة، وأدخلت بشكل واضح صواريخ “بركان” (من أحجام وأعيرة مختلفة) الخدمة واستخدمتها على نطاقٍ واسع. وخصّصت ضربات “بركان” لمراكز حيوية أو تحوي تحصينات معينة كما في ثكنة “برانيت”التي تضم مقرّ قيادة “الجليل” التي شهدت دماراً هائلاً، أو في موقع “جلال العلام” المهم، الذي استُهدف بنوعية صواريخ مختلفة لم تُفصح المقاومة عنها حتى الآن، هذا إلى جانب تنشيط سلاح المسيّرات المفخخة وتوسيع انتشارها.

كل ما تقدم، يعني أن الجبهة دخلت في المرحلة الثانية من العمليات العسكرية. والعدو الذي اختبرَ نوعاً جديداً من التصعيد العسكري، لم يكن واقعاً تحت ضغط المقاومة إنما الداخل الإسرائيلي ايضاً، الذي يطالبه بشيء أكبر عند الجبهة، لاسيّما وأن المستوطنين وجهوا أكثر من رسالة من خلال رؤساء تجمعات الإستيطان لديهم، بأنهم غير جاهزين بعد للعودة إلى مستعمرات الشمال في حال لم يستتبّ الأمن.

ورغم تشغيله سلاح المسيّرات بشكلٍ كثيف وعلى نطاق واسع وقد نشطت في تزويد غرفة العمليات لديه بالمعطيات الميدانية، لم تكن الضربات متكافئة بينه وبين المقاومة. وخلال الأيام الماضية وفي ظل إجراءات التخفّي المتّخذة من جانب المقاومين، وقع العدو في عجزٍ متصل بعدم إمكانية تحقيق ضربات تطال أهدافاً بشرية للمقاومة. وهذا يفسّر اتجاهه إلى تنفيذ ضربات طالت المدنيين والصحافيين في محاولةٍ منه لخلق توازن.

وقد أثبتت التجارب السابقة، أن إسرائيل تلجأ عادةً إلى هذا الخيار كلما زُركت في الميدان. لكن هل يعني ذلك أن المواجهة ستتوسّع؟

الثابت بحسب المعطيات، أن ما هو مقدّر للجبهة يحتمل تصعيداً لكن ضمن سقفٍ معين بحيت لا تنتقل الجبهة إلى حرب مفتوحة.

وهنا يُلاحظ أن المقاومة تتعامل بعناية كاملة مع الجبهة.

ويقول أحد المصادر إن الجبهة ستحافظ على هذا “الستاتيكو” في الوقت الراهن. ولمزيدٍ من الدلالات، حطّ الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين في تل أبيب خلال الساعات الماضية في محاولةٍ للحد من التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل.

ويبدو واضحاً أن واشنطن ليس لديها رغبة في توسّع رقعة الصراع مع الحزب، وتفضل التفرّغ أكثر للجبهة مع قطاع غزة. كما أن هوكشتين الذي حمل في زيارته السابقة إلى بيروت أفكاراً لها علاقة بهدنة في جنوب لبنان، من المحتمل أنه في صدد اعادة تنشيطها كفكرة قابلة للنقاش في تل أبيب.

المصدر : ليبانون ديبايت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى