Uncategorizedحول العالم

جدل وانقسامات وانشقاقات داخل الخارجية الأميركية والحزب الديمقراطي والسبب إبادة غزّة

أدت الحرب الدموية الصهيونية المستمرة على غزة وأطفالها ونسائها وشيبها وشبانها منذ عملية طوفان الأقصى إلى إعادة تشكيل الوعي المجتمعي الأميركي الذي يشهد هذه الأيام حالة من الجدل والاعتراض المتناميين والمتصاعدين غير المسبوقين -ولا سيما على المستويات الشعبية والحزبية (خصوصاً الشبابية منها) وحتى الرسمية، وتحديداً في وزارة الخارجية- نتيجة الدعم اللامحدود الذي تقدمه إدارة الرئيس جو بايدن وفريقه الدبلوماسي لـ”إسرائيل”، وإطلاقهم يدها لارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر، بعدما كان مجرد انتقاد “تل أبيب” يُعد من المحرمات في الولايات المتحدة.

لعقود من الزمن، كان الرأي العام والسياسة الأميركية في التعامل مع “إسرائيل” شبه متجانسين، ولكن مع استمرار المحرقة الإسرائيلية والتوغل البري في غزة، بدأت المناقشات الدائرة حول السياسة الإسرائيلية داخل الحزب الديمقراطي وفي مختلف أروقة وزارة الخارجية تخرج إلى العلن.

هذا الأمر يظهر أن بعض الأميركيين داخل المؤسسة الحزبية (الموالية بديهياً لـ”إسرائيل”) يتعاملون مع الحرب الحالية بشكل مختلف، وربما باتوا يشعرون بأنهم أكثر تمكيناً وتأثيراً من ذي قبل لتشكيل معالم السياسة الأميركية.

ما الذي يحصل داخل الحزب الديمقراطي الأميركي؟

من المعروف أن الرئيس جو بايدن وزعماء الكونغرس دافعوا عن الإبادة الجارية في غزة، لكن ارتفاع منسوب الوحشية الإسرائيلية والكارثة الإنسانية فرض على الرئيس وفريقه تعديل خطابهم العام تدريجياً، فانتقلوا من احتضان متطرف لـ”إسرائيل” إلى مناقشة الحاجة لوقف مؤقت لإطلاق النار من أجل السماح بدخول المساعدات الإنسانية وخروج الرهائن، غير أنهم امتنعوا في المقابل عن اتخاذ أي خطوات قد تؤدي إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما أحدث معارضة داخلية ونشاطاً داخل السلك الدبلوماسي وجهاز الحزب الديمقراطي اضطر معه بايدن إلى تغيير نهجه بشكل عاجل.

وتبعاً ذلك، اجتمع الخميس الماضي أكثر من 500 من الناشطين الأساسيين في حملة بايدن الرئاسية لعام 2020، لحثّ الرئيس وإدارته على وقف إطلاق النار. ومن بين الموقعين موظفون من مقر حملة بايدن لعام 2020 واللجنة الوطنية الديمقراطية وموظفو الدولة وقيادتها. واللافت أن 21 ولاية كانت ممثلة في هذا الاجتماع، بما في ذلك ساحات القتال الرئيسية لبايدن، مثل أريزونا وميشيغين وويسكونسن وبنسلفانيا.

وكتبت المجموعة التي تحمل اسم “خريجو بايدن من أجل السلام والعدالة” في رسالة مفتوحة إلى بايدن: “بصفتك رئيساً للولايات المتحدة، لديك تأثير كبير في هذه اللحظة المحفوفة بالمخاطر”. وإذ طالب المجتمعون “بوقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن، ووقف التصعيد”، دعوا إلى “اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة ظروف الاحتلال والفصل العنصري والتطهير العرقي، وهي الأسباب الجذرية للعنف المروع الذي نشهده الآن”.

والجدير بالذكر أن الموقعين على الرسالة كانوا قد عملوا في ولايات حرجة ساعدت بايدن على تولي الرئاسة. والآن، يشيرون ضمنياً إلى أنهم لن يفعلوا ذلك إذا لم يكن هناك تحول في سياسته تجاه “إسرائيل”. وتعقيباً على ذلك، قال لي ماتان أراد نيمان، الناشط الإسرائيلي الأميركي، الذي عمل منظماً ميدانياً في ولاية أريزونا ووقع الرسالة: “هذا هو التمزق الذي يحدث”.

ليس هذا فحسب، إذ تشير الرسالة إلى أن 66% من الناخبين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تدعو إلى وقف إطلاق النار، وفقاً لاستطلاع أجرته “بيانات التقدم” (مؤسسة فكرية تقدمية وشركة استطلاع تسلح الحركات بالأدوات التي تحتاجها للنضال من أجل مستقبل أكثر إنصافاً) بين 18 و19 تشرين الأول/أكتوبر الفائت.

صحيح أن استطلاعات الرأي تجد في الغالب أن أغلبية الأميركيين يعتقدون أن دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، غير أن هذا في المقابل يخفي فجوة صارخة بين الأجيال؛  فما تجدر معرفته هنا أن أقل من ربع الناخبين الأميركيين المحتملين الشباب يوافقون على سياسات بايدن تجاه “إسرائيل” حتى الآن، وفقاً لاستطلاع أجرته جامعة كوينيبياك في الفترة الممتدة من 26 إلى 30 تشرين الأول/أكتوبر.

نظراً إلى اعتماده على الناخبين الشباب عام 2020، إضافة إلى الفتور العام لهؤلاء الناخبين تجاه بايدن، فإن ذلك سيتسبب له بمشكلة في المواجهة التي سيخوضها عام 2024 مع دونالد ترامب.

علاوة على ذلك، وبخلاف غالبية المشرعين الديمقراطيين (المؤيدون منهم علناً أو المتحفظون) على دموية “إسرائيل”، فإن النقمة على الموقف الرسمي الأميركي المتواطئ مع الكيان الغاصب وصلت إلى المفاتيح الانتخابية لأعضاء مجلس الشيوخ التقدميين الذين يتعرضون لضغوط كبيرة لاتخاذ خطوات تساعد على وقف الحرب.

ولهذه الغاية، أرسل أكثر من 400 موظف سابق في حملة السيناتور بيرني ساندرز وأكثر من 400 موظف من حملة السيناتور إليزابيث وارين رسائل مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار الآن. وبينما رفض ساندرز مثل هذه الدعوات، تحولت مواقف وارين في الأيام الأخيرة إلى الدعوة لهدنة إنسانية.

 ماذا عن انتفاضة موظفي وزارة الخارجية الأميركية؟

غني عن التعريف أن جوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، كان قد مهد لظاهرة الاعتراض على السلوك الأميركي الداعم لـ”إسرائيل” عندما استقال الشهر الماضي احتجاجاً على استمرار مبيعات الأسلحة لـ”إسرائيل”، وكتب في رسالة انتشرت في نطاق واسع أن الدعم الأميركي الأحادي الجانب لـ”إسرائيل” قصير النظر ومدمر ومتناقض.

بعدها، تحدثت تقارير إعلامية عن أن العديد من الأشخاص الآخرين في الخارجية يشعرون بالإحباط بالقدر نفسه من الدور الأميركي في الصراع، لكن الأكثر أهمية هو وجود ما يشبه الانشقاقات داخل الحكومة الأميركية.

وانطلاقاً من هذه النقطة، وجه موظفو وزارة الخارجية، بحسب صحيفة “بتوليتيكو”، انتقادات لاذعة “لتعامل إدارة بايدن مع الحرب بين إسرائيل وحماس”، وقالوا في مذكرة معارضة إن على الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، أن تكون على استعداد لانتقاد الإسرائيليين علناً.

وكشفت الرسالة عن فقدان متزايد للثقة بين الدبلوماسيين الأميركيين بنهج الرئيس جو بايدن تجاه أزمة الشرق الأوسط، وخصوصاً في الرتب المتوسطة والدنيا، وفقاً لمحادثات مع العديد من موظفي الوزارة، إضافة إلى تقارير أخرى. وإذا اشتدت هذه الخلافات الداخلية، فقد يزيد ذلك صعوبة صياغة السياسة تجاه المنطقة على إدارة بايدن.

وأضافت المذكرة: “عندما تدعم إسرائيل عنف المستوطنين والاستيلاء غير القانوني على الأراضي أو تستعمل القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، يجب علينا أن نعلن علناً أن هذا يتعارض مع قيمنا الأميركية حتى لا تتصرف إسرائيل دون عقاب”.

إلى جانب ذلك، يستخدم الدبلوماسيون المحترفون والمعينون السياسيون في وزارة الخارجية “قناة المعارضة”، وهي آلية خاصة لتقديم مذكرات سياسية انتقادية مباشرة إلى كبار المسؤولين، للتعبير عن دعواتهم لوقف إطلاق النار (لجأ الدبلوماسيون إلى قناة المعارضة تلك في الفترة التي سبقت الانسحاب الأميركي من أفغانستان وللتحذير من حظر ترامب اللاجئين).

وعلى المنوال ذاته، حثَّ أكثر من 630 موظفاً من وكالة التنمية الدولية USAID إدارة بايدن على الدعوة إلى “وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية”، ووجهت في الشهر الماضي أيضاً رسالة موقعة بشكل مجهول من أكثر من 400 من موظفي الكونغرس دعوة مماثلة.

ما تأثير هذه الحالة الاعتراضية في الإدارة الأميركية؟

في الحقيقة، إن اللغة –وتلك الدعوات– كالرسالة أعلاه من “خريجي بايدن من أجل السلام والعدالة” تعكس ما كتبه الدبلوماسيون في مذكرات معارضة مختلفة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن منذ بدء الحرب.

وقد دفعت هذه الاحتجاجات الداخلية قادة الإدارة إلى عقد جلسات استماع في البيت الأبيض ووزارة الخارجية. ويبدو أن فريق بايدن يعمل باستمرار على تعديل خطابه جزئياً لمعالجة هذه الانتقادات الداخلية، على الرغم من أن السياسة العامة تظل ثابتة.

في المحصلة، هناك شعور متزايد، على الأقل بين الشباب، بأن الإجماع السائد في الولايات المتحدة بشأن السياسة الإسرائيلية فشل وأدى إلى نشوء الظروف الجهنمية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة، وإلى المزيد من القتلى في المنطقة، وربما إلى حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى