منوعات

عملية يوم الأربعين.. وصفعة “الوهم النوعي2”

تعزيزاً لثوابت حفاظها على مصداقيتها ضمن مبادئها وأخلاقياتها وأيديولوجيتها العقائدية التي تؤمن بها المقاومة في لبنان، وحرصها على إبقاء حالة قواعد الاشتباك سائدة دون الإخلال بها من قبل قوات الاحتلال، وعدم تخليها عن إنجازاتها التي كرّستها تضحيات الشهداء وجهود من يجاهد في الميدان، أنجزت المقاومة وفق تأكيد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد “حسن نصرالله”، مهمة الثأر والانتقام بدقة وكفاءة من قبل المقاومين رغم استشهاد القائد الجهادي الكبير الشهيد السيد محسن شكر، في دلالة على أن اغتيال القادة المقاومين لا يؤثر في أداء مسار المقاومة الدفاعية والهجومية على جبهات القتال. 

خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، حمل الكثير من الدلالات والأبعاد والأهداف، ويمكن ذكرها وفق سلسلة من النقاط المترابطة:

أولاً- خطاب الأمين العام لحزب الله جاء بعد ثلاثة بيانات نشرها الإعلام الحربي التابع للمقاومة اللبنانية، تضمنت في تفاصيلها، إعلان بدء الرد، القواعد المستهدفة شمال فلسطين الجولان المحتل، نوعية الأسلحة المستخدمة، وترك المجال من قبل غرفة عمليات المقاومة لسماحة السيد للحديث عن تفاصيل الرد، كونه عملاً نوعياً مركباً، يتضمن إشغال المنصات الدفاعية ولا سيما البطاريات والأنظمة الدفاعية (القبة الحديدية، الباتريوت..)، وتشتيت انتباه العدو عن الهدف المركزي من خلال استهداف 11 قاعدة وثكنة متوزعة في شمال فلسطين والجولان المحتل، لتتمكن الطائرات المسيّرة من الوصول لهدفها النوعي، المتمثل في إحدى النقطتين الأهم والأخطر، واللتين كان لهما دوراً في جريمة اغتيال الشهيد فؤاد شكر وغيره من شهداء محور المقاومة، وهما القاعدة الأساسية لشعبة المخابرات العسكرية “الإسرائيلية” والمعروفة باسم “أمان” والوحدة 8200 المسؤولة عن رصد المعلومات لتنفيذ الاغتيالات، أو قاعدة جوية يستخدمها سلاح الجو الصهيوني لارتكاب جرائمه.

ثانياً- الشفافية والمصداقية التي تضمنها خطاب الأمين العام لحزب الله، سواء كان ذلك، في تقديم الأسباب والمبررات لتأخر الرد العسكري للمقاومة، أو في البحث عن خيارات الرد ضمن محور المقاومة أو بشكل فردي، أو حتى في شرحه تفاصيل عملية الرد من حيث عدد الصواريخ المقرر إطلاقها والبالغة 300 صاروخ ومن ثم زادت عددها، وكذلك عدم إخفاء الخسائر بعد تنفيذ الرد في العدة والعتاد للمقاومة، والأهم من ذلك مصداقية المقاومة في ترك المجال مفتوحاً للكيان المغتصب للاعتراف بخسائره، إذ وضعه سماحة السيد بين سندان الإقرار بنتائج الرد ومطرقة استكمال الرد بقوله:”نحن سنتابع نتيجة تكتم العدو عمّا حصل في القاعدتين المستهدفتين ..وإن لم نره (الرد) كافيًا سنحتفظ بحق الرد حتى إشعار آخر”.

ثالثاً- إبراز المقدرات النوعية للمقاومة في جبهات القتال، وإدارة الحرب النفسية مع الكيان الصهيوني، وهو ما برز في نوعية الأسلحة التقليدية التي استخدمها الحزب بعملية الرد، والتي لم تخرج عن نطاق نوعية الأسلحة التي استخدمتها المقاومة على مدى الأشهر السابقة سواء كانت تلك الأسلحة تتعلق بصواريخ “الكاتيوشا” أو الطائرات المسيرة، ونشر مقطع فيديو “عماد4” كان هدفه رسالة نفسية تستهدف الوعي الجمعي للمستوطنين وتزيد من رعبهم من ناحية، ومن ناحية أخرى توظيف استعراض ما تضمنه المقطع من جزئية إمكانات يمتلكها الحزب لردع الكيان عن القيام برد مضاد أو توسيع عدوانه باتجاه لبنان.

ابعاً- حمل خطاب الأمين العام لحزب الله، الكشف عن حجم الإخفاقات التي ظهرت داخل الكيان، والتي ظهرت مع تنفيذ عملية “يوم الأربعين” وما بعدها، وقد برزت هذه الإخفاقات على ثلاثة مستويات:

أ‌. المستوى الأول يكمن في الإخفاق الاستخباراتي لقوات الاحتلال، وهذا ما ظهر في السرديات “الهوليودية” التي انبرى كل من بنيامين نتنياهو والمتحدث الرسمي باسم قوات الاحتلال لتقديمها،  وتمثلت في تناقض التصريحات المتضمنة عدد منصات الصواريخ والصواريخ التي زعم الاحتلال تدميرَها، وكذلك نوعيتها، وكذلك الرواية التي ادعى نتنياهو من خلالها حماية “تل أبيب”، والتي أسقطها خطاب السيد بحديثه عن الهدف المستهدف، وتقديم أدق… أدق التفاصيل عن شعبة “أمان” و”وحدة 8200″، بقوله: “عن اليسار الشارع. تبعد عن لبنان 110 كلم. تبعد عن “تل أبيب” 1500″ والمزيد من المعلومات الحساسة حول منطقة “غليلوت”، والتي لا يعرفها حتى الكثير الكثير من المستوطنين الصهاينة.

ب‌. المستوى الثاني من الإخفاقات تمثل في سقوط رواية العمل الاستباقي التي زعم العدو القيام بها، قبل تنفيذ عملية “يوم الأربعين” بنصف ساعة، حيث بيّن الأمين العام لحزب الله أن العملية تم تنفيذها بدقة ووصلت الصواريخ والطائرات المسيرة لأهدافها وفق ما كان مخططًا له، في ظل التأهب الأمني والاستخباراتي والعسكري المنسّق بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وما قامت به قوات الاحتلال من اعتداءات تجلت بـ 200 غارة نفذتها 100 طائرة، لم تكن إلا بسبب قيام عناصر المقاومة بإجراء مناورة وإشغال ميداني، لتتمكن الجبهات والمناطق التي تتضمن منصات الصواريخ ومرابط الطائرات المسيرة من تحقيق أهدافها في الإطلاق والعبور والوصول لأماكنها المحددة.

ت‌. المستوى الثالث من الإخفاقات الصهيونية التي كشفها الأمين العام لحزب الله، يتمثل بما أطلق عليه الإخفاق “بالوزن النوعي” الذي نجحت المقاومة في فرضه بميدان الاشتباك مع قوات الاحتلال للمرة الثانية، إذ يعود مصطلح خطة “الوزن النوعي” إلى صباح الجمعة 14 تموز 2006م، عندما نفذ سلاح الجو التابع لقوات الاحتلال، عدواناً وبـ 34 دقيقة، استهدف من خلاله 44 هدفاً، ادعى حينها أن الأهداف الـ 44 شملت 75% من قوى حزب الله الصاروخية الطويلة المدى، بنوعيات مختلفة أبرزها: “فجر3” و “فجر5” و”زلزال”، إلا أن القراءة الإستراتيجية والأمنية للشهيد القائد “عماد مغنية” من خلال اتباع إستراتيجية الخداع والتضليل، حولت ما اطلق عليه الكيان، إنجاز “الوزن النوعي” إلى إخفاق “الوهم النوعي”، هذا الإخفاق تعرّضت له قوات الاحتلال للمرة الثانية، إذ تمكنت المقاومة من إيقاع حكومة الاحتلال في ذات الخطأ والخديعة الإستراتيجية، وفق ما إشار إليه السيد نصر الله، وهذه المرة بتخطيط من الشهيد محسن شكر نفسه، والذي حصل الرد انتقامًا له، إذ لجأ الشهيد شكر قبل اغتياله إلى تغيير أماكن تموضع هذه الصواريخ نحو أماكن أكثر تحصيناً، ما أوقع حكومة نتنياهو وغالانت في نفس الخدعة التي انطلت على إيهود أولمرت وعامير بيرتس عام 2006، حينما خرج الأخير ليجاهر بعبارته الشهيرة:”من ينام مع الصواريخ لن يستيقظ”، لكن الصواريخ بقيت تمطر حيفا وما بعد بعد حيفا لمدة 33 يومًا دون توقف..واليوم تكرر المشهد حاملاً معه بصمات الشهيد شكر الذي أفشل بنفسه استهداف العدو لصواريخ المقاومة البعيدة المدى التي ادعى الكيان أنه قام باستهدافها.

هذه القراءة الإستراتيجية والأمنية تدفعنا لإدراك مكانة وفكر وقدرة القائدين الكبيرين الشهيدين عماد مغنية وفؤاد شكر في بناء قدرات المقاومة والسعي لحمايتها ومدى نجاحهما في تضليل العدو والإمساك بخيوط اللعبة الأمنية والعسكرية معًا بمواجهته.

الكثير والكثير من النقاط التي تضمنها خطاب الأمين العام لحزب الله في عملية يوم الأربعين، والتي ستشغل مراكز صنع القرار والتحليل داخل الكيان الصهيوني، والتي ستمنح دون أدنى شك الفريق المفاوض الفلسطيني ورقة قوة على طاولة المباحثات، كما أنها ستجعل الكيان وحكوماته ومؤسساته وقادته أمام حقيقة مفادها: إن كل عملية اغتيال لقادة المقاومة ستوجع الكيان أكثر، وكل شهيد من المقاومة قيادة وعناصر سيشكل حالة رعب في استشهاده كما في حياته.

 

المصدر: العهد الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى