عماد “4”… لماذا الآن؟!
د. علي أحمد – باحث في الاعلام السياسي
في خطوة مفاجئة ولكنها مدروسة بدقة، أطلق الإعلام الحربي لحزب الله فيديوًا يكشف فيه عن منشأة “عماد 4″، وهي إحدى المنشآت العسكرية تحت الأرض التي تساهم في تعزيز القدرة الدفاعية للحزب. هذا الفيديو، الذي يُعتبر جزءًا من استراتيجية إعلامية أوسع، يحمل في طياته رسائل متعددة الأبعاد، تتجاوز البعد العسكري لتصل إلى مستويات سياسية ونفسية، موجهة إلى الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها إسرائيل وحلفاؤها.
توقيت الفيديو ودلالاته السياسية
اختيار توقيت عرض هذا الفيديو لم يكن صدفة، بل جاء في وقت حساس للغاية، حيث شهدت المنطقة زيارة المبعوث الأمريكي آموس هوكشتين إلى لبنان، وذلك في ظل محادثات جارية في الدوحة بشأن قضايا إقليمية مهمة. حزب الله، من خلال هذا العرض، يرسل إشارة واضحة بأن المقاومة ليست مجرد مراقب للأحداث الجارية، بل هي عنصر فاعل لديه القدرة على التأثير في مجريات الأمور، والرسالة موجهة أساسًا إلى إسرائيل التي قد تفكر في استغلال أي تأخير في المفاوضات أو إطالة أمدها لتنفيذ ضربات استباقية. حزب الله يؤكد من خلال هذه الخطوة أنه مستعد لكافة السيناريوهات، بما فيها الحرب، وأن جاهزيته تتجاوز حدود التحذير لتصل إلى مستوى الإنذار المسبق.
جاهزية المقاومة العسكرية وتأمين قدراتها
الكشف عن منشأة “عماد 4” ليس مجرد إظهار للقدرة العسكرية، بل هو تأكيد على وجود شبكة معقدة من المنشآت المماثلة، موزعة على نطاق جغرافي واسع، ومجهزة بتكنولوجيا متقدمة. هذه المنشآت، المحصنة تحت الأرض بعمق كبير، تمثل جزءًا من استراتيجية دفاعية متكاملة تهدف إلى حماية القدرات الصاروخية والمعدات الحساسة لحزب الله من أي ضربات جوية أو صاروخية إسرائيلية. من خلال بناء هذه المنشآت تحت الأرض والتي يعتبر تدميرها أمرًا شبه مستحيل، ما يجعل أي هجوم إسرائيلي مكلفًا وصعبًا، حيث لن يكون هناك هدف سهل أو مكشوف يمكن تدميره بسهولة.
تطور القدرات الصاروخية والتكنولوجية
الفيديو، رغم أنه لم يكشف بشكل مباشر عن تفاصيل محددة حول أنواع الصواريخ المستخدمة، إلا أنه أشار بوضوح خاصة مع الكلام المرافق للفيديو وهو مقاطع من خطابات السيد حسن نصر الله إلى وجود تحسينات نوعية في ترسانة حزب الله الصاروخية. هذه التحسينات، التي تشمل تقنيات توجيه متطورة، والتي تحدث عنها الإسرائيلي كثرا وأشار لها حزب الله على لسان الأمين العام أنها حولت الصواريخ بعيدة المدى من أسلحة غير دقيقة إلى أدوات قادرة على استهداف المواقع بدقة عالية. هذا التطور يعد بمثابة تغيير جذري في موازين القوى بالمنطقة، حيث أن كل شبر في إسرائيل بات تحت تهديد مباشر من هذه الصواريخ، مما يجعل تل أبيب وغيرها من المدن الكبرى في مرمى النيران بشكل دائم.
حماية المنشآت والتحصينات العسكرية
إظهار الأنفاق المحصنة والممرات الواسعة في الفيديو يعكس استثمارًا طويل الأمد في البنية التحتية العسكرية لحزب الله. هذه الأنفاق، التي تسمح بتحرك آليات عسكرية ثقيلة، بجانب قوات المشاة والقوات الخاصة، تم تصميمها بشكل يضمن أعلى درجات الحماية للقدرات الهجومية للمقاومة. بناء هذه التحصينات يهدف إلى مواجهة أي ضربة استباقية محتملة، حيث تجعل من الصعب على إسرائيل تحديد مواقع الصواريخ أو تدميرها. في هذا السياق، تفقد الضربات الاستباقية الإسرائيلية فعاليتها بشكل كبير، لأن الصواريخ يمكن إطلاقها من مواقع آمنة ومحفوظة بعناية فائقة.
البعد النفسي والإستراتيجي للكشف عن القدرات
الفيديو لم يكن مجرد عرض للقدرات العسكرية، بل كان أيضًا جزءًا من حرب نفسية متواصلة يديرها حزب الله ضد إسرائيل. هذه الحرب النفسية تعتمد على مزيج من الغموض والكشف التدريجي عن القدرات، مما يعزز حالة القلق لدى القيادة الإسرائيلية. كل كشف جديد، مثل الفيديو الحالي، يضيف عبئًا نفسيًا على صانعي القرار في إسرائيل، الذين يجدون أنفسهم أمام قوة عسكرية مجهزة ومحصنة، تمتلك بنك أهداف واسعًا وأدوات جاهزة للاستخدام في أي لحظة. هذا الضغط النفسي يصعّب على إسرائيل التخطيط لأي عملية عسكرية مستقبلية، ويزيد من تعقيد حساباتها الإستراتيجية.
خلاصة: مرحلة جديدة في الصراع
فيديو منشأة “عماد 4” الذي عرضه الإعلام الحربي لحزب الله لا يمثل فقط جزءًا من ترسانة الحزب، بل هو رسالة واضحة لإسرائيل وأمريكا وأي أطراف دولية تتدخل في المنطقة. هذه الرسالة تؤكد أن حزب الله يمتلك القدرة العسكرية والجهوزية الكاملة للرد على أي تهديد، وأنه مستعد لتحويل أي مواجهة محتملة إلى فرصة لتعزيز قوته. هذه المرحلة الجديدة من الصراع تتميز بتوازن رعب يفرضه حزب الله من خلال قدراته الصاروخية المحصنة والجاهزة للاستخدام في أي وقت، مما يجعل أي مغامرة إسرائيلية محفوفة بالمخاطر، ويضع المجتمع الدولي أمام تحديات جديدة في التعامل مع ملف المقاومة.
المصدر: موقع المنار