فزّاعة “داعش” الأميركية وخيار البقاء العقيم!
بالتزامن مع الجدل والسجال المحتدم في داخل الأوساط والمحافل السياسية والبرلمانية العراقية حول إصدار قانون العفو العام، الذي من الممكن أن يشمل – في حال تم اقراره من قبل البرلمان – مئات الإرهابيين المنتمين لتنظيم “داعش” الإرهابي، أصدرت “قوات سورية الديمقراطية” “قسد” المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والمسيطرة على مساحات غير قليلة من شمال شرق سورية، عفوًا أطلقت بموجبه سراح نحو أربعمائة إرهابي من “داعش”.
وبصرف النظر عن ذلك التزامن، وما إذا كان مصادفة أم محسوبًا ومخطّطًا له، فإنه من الطبيعي أن يثير الكثير من المخاوف والهواجس من تكرار مشاهد وسيناريوهات سابقة نجحت عصابات “داعش” من خلالها باجتياح مدن ومناطق عديدة في العراق وسورية.
فإطلاق سراح مئات الإرهابيين الدواعش في سورية، بمباركة أميركية غير مباشرة ولا معلنة، والضغط باتّجاه إقرار قانون العفو العام في العراق، يعني، في ما يعنيه، جزءًا من مساعي ومحاولات أطراف خارجية – وربما داخلية أيضًا – لإعادة خلط الأوراق وإرباك الأوضاع من جديد، وإلا كيف نفسر مغادرة أعداد كبيرة من الإرهابيين للسجون؟ فهؤلاء الذين تمرسوا بالإجرام والإرهاب، لن يتّجهوا بعد إطلاق سراحهم إلى ممارسة الحياة الطبيعية، بل إنّهم سيجدون أنفسهم – مرغمين أو مختارين – في لجّة أجواء ومناخات النشاطات والأعمال الإرهابية من جديد.
والملفت بحسب التقارير المتداولة هو أن غالبية الإرهابيين المفرج عنهم من قبَل “قسد”، يحملون الجنسية العراقية، وهم من قادة الخط الأول لتنظيم “داعش” الإرهابي، ممن أُسِروا واستسلموا أو تم تسلمهم من قبَل الأميركيين.
وتؤكد التقارير أن هناك مؤشرات تفيد بوجود تفاهم تحت الطاولة بين الجانب الأميركي و”قسد” بهذا الخصوص، علًما أن تركيا قد لا تكون بعيدة عن هذه “الصفقة” المريبة، رغم تقاطعها مع “قسد”، لأنه ربما وعدتها الولايات المتحدة الأميركية بأن إحدى مهام الإرهابيين المطلق سراحهم، سيتمثل بمحاربة حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (P.K.K)، المتواجد على الأرضي العراقية، وتحديدًا في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى. وفي حال حصل ذلك، فهذا يعني أن المناطق الممتدة على طول الحدود العراقية – السورية، ستكون عرضة للاضطراب والفوضى الأمنية، ناهيك عن مدن ومناطق أخرى في عمق الجغرافيا العراقية.
ومن هنا راحت التحذيرات تتوالى، فهذا عضو مجلس محافظة الأنبار سعد غازي المحمدي، يشير إلى استنفار القوات الأمنية لإمكانياتها على الحدود العراقية السورية، بعد ساعات من إطلاق قوات “قسد” سراح الإرهابيين على الحدود، مشيرًا إلى “أن هذا الاستنفار يراد منه منع تسلل بعض من هؤلاء الإرهابيين إلى محافظة الأنبار والقيام بعمليات إرهابية”. وعبّر المحمدي عن تخوفه من سيناريو إرهابي أميركي مقبل.
وفي ذات السياق، يشير القيادي في تحالف الأنبار المتحد، محمد ضاري الدليمي، إلى “أن منطقة المثلث العراقي السوري التركي التي أطلق فيها سراح الإرهابيين من قبل قوات “قسد”، من أخطر المناطق، وهي لا زالت بيئة غير آمنة تحتضن الكثير من الخلايا الإرهابية النائمة الناشطة الفاعلة، وأن إطلاق سراح مجموعة كبيرة من إرهابيي “داعش” من سجن غويران المركزي في الحسكة ما هو إلا صفقة لحدث يلوح في الأفق تقوده أميركا، يمكن أن يخلق حالة من عدم الاستقرار في العراق وسوريا”.
بيد أن إمام وخطيب جمعة الفلوجة، الشيخ ناجي الزوبعي، ذهب إلى أبعد من ذلك، حينما حذر من تداعيات التدخلات الأميركية بالشأن الداخلي للعراق، واصفًا العراق بأنه “بلد ذو سيادة وليس ولاية تابعة لأميركا وأذنابها”.
وقال الشيخ الزوبعي “إن أميركا تحاول وبشتى الوسائل رسم خارطة للعراق على مقاسها لإدارة البلد، وهذا ما تم رفضه منذ أكثر من عشرين عامًا من قبل مكونات الشعب الذي ابتلي بسياسة رعناء مبنية على إشاعة الإرهاب والاقتتال، ونهب ثروات البلد والتحكم بموارده، بطريقة أفقدت البلد الشيء الكثير من مقوماته أمام هذه السياسة، التي فشلت فشلًا ذريعًا وأصبحت مرفوضة من الجميع”. مضيفًا “أن كافة المشاكل التي يواجهها البلد هي بسبب التدخلات الأميركية بالشأن الداخلي، حيث إن أميركا تتدخل حتّى في تشريع القوانين، وتحاول وبشتى الوسائل تنصيب نفسها على أنها المدافع عن الشعب العراقي، وهي شعارات مزيّفة اتضحت ملامحها أمام الجميع”.
ولا شك أن الولايات المتحدة الأميركية، إذا أرادت التدخل والحضور بدرجة أكبر، فإنها لا بد أن توفر المبررات والحجج والذرائع المقبولة لذلك، وتقويض الأمن وإثارة الاضطراب والفوضى، يمكن أن يكونا سببين كافيين ومقنعين لتأجيل خروجها من العراق إلى أجل غير مسمى، لا سيما مع الضغوطات والمطالب الشعبية والسياسية العراقية الواسعة بإنهاء الوجود العسكري الأميركي من البلاد، التي تقابلها المماطلات الأميركية، والتأكيدات والادّعاءات من قبل بعض مراكز القرار، ومعاهد الأبحاث والدراسات، ووسائل الإعلام الأميركية والغربية، بأن الحاجة ما زالت قائمة لإبقاء الولايات المتحدة قواتها في العراق، والتحذير من تكرار سيناريو الخروج غير المدروس من أفغانستان.
أما البرلماني السابق، علي الغانمي، فيقول “إن الولايات المتحدة الأميركية تتّخذ من “داعش” ورقة ضغط لإبقاء قواتها في العراق، وإنها تحاول العبث بأمن البلد من خلال تحريك خلايا “داعش” الإرهابية لمحاولة إيجاد ذريعة لإبقاء قواتها القتالية في العراق”.
ويعزز هذه الرؤية، النائب الحالي في البرلمان العراقي، أحمد السوداني، حينما يؤكد “أن الخلايا الإرهابية النائمة على الحدود السورية، ورقة من أوراق أميركا في العراق، وأن بقاء القوات الأميركية يضعف العراق ويدخله في أزمات أمنية وسياسية واقتصادية، إذ إن هدف هذه القوات منع استقرار العراق مطلقًا حرصًا منها على دعم نفوذها وخدمة عملائها وكيانهم الإرهابي”.
ولعل طرح خيار تحويل الإرهابيين الدواعش من سورية إلى العراق يندرج في جانب غير قليل منه ضمن هذا الإطار والمخطّط، وهو ما ينبغي التنبه له، والتعاطي معه بحكمة وموضوعية وحزم. وفي ذات الوقت، يجب عدم التهاون مع خيار إخراج القوات الأميركية من البلاد في أسرع وقت، لأن بقاء تلك القوات يمثل جوهر المشكلة وليس الحل، ويعدّ الغطاء الذي يحتاجه الإرهابيون الدواعش وغيرهم من الجماعات والتنظيمات الباحثة عن الفوضى والاضطراب. وما يتحتم التنبه له دومًا هو أن الولايات المتحدة الأميركية استخدمت وما زالت تستخدم “داعش” “فزّاعة” لتخويف العراقيين ولفرض خيار البقاء العقيم عليهم إلى أبعد أمد ممكن.
المصدر : العهد الاخباري