المقاومة تمثل قمة التاج في ثقافة الحياة
ثقافة الموت وثقافة الحياة مفهومان متناقضان استخدمهما الغرب وروّج لهما بهدف إضعاف فكرة المقاومة وتوهين فكرة التضحية في سبيل حياة عزيزة وكريمة للشعوب. ولعل ما يرتكبه العدو الصهيوني اليوم في قطاع غزة من جرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني مدعومًا من الولايات المتحدة يمثل نموذجًا واضحًا لثقافة القتل والموت.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تحدث عن هذا الموضوع الخميس الماضي 12/7/2024 في المجلس العاشورائي المركزي في مجمع سيّد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت، مؤكدًا أن المقاومة تصنع ثقافة الحياة وأميركا تنشر ثقافة الموت، ولافتًا إلى أن ثقافة الشهادة هي ثقافة حياة وصانعة حياة، وهي ليست ثقافة إسلامية فقط، بل هي ثقافة دينية وهي مقتضى الفطرة الإنسانية، مشيرًا إلى أن “من يعادي ثقافة المقاومة يتناقض مع فطرته وغريزته” و”من يستخدم السلاح ليرعب الناس ينطبق عليه المفسد في الأرض”.
سماحته قدّم نماذج عن ثقافة الحياة من واقع مجتمع المقاومة، وأوضح أن ما يقوم به الغرب المستكبر والمعادي وبالخصوص أميركا هو عين ثقافة الموت التي تؤدي إلى هلاك البشرية.
عن حيثيات هذا الموضوع، يحدثنا الباحث في الشؤون الإستراتيجية الدكتور طلال عتريسي، موضحًا أن النقاش حول هذين المفهومين في لبنان ليس جديدًا، فهو بدأ منذ بضع سنين، وتحديدًا منذ الانقسام السياسي حيث بدأ بعض الأفرقاء اللبنانيين بالترويج لاتهام المقاومة وخطها وجمهورها بانتهاج “ثقافة الموت” في إطار التحريض والإساءة إلى هذا الخط وإلى أصل فكرة المقاومة لتوهينها وليقول إن “هذا الاتجاه يحمل ثقافة موت ولا يعرف معنى الحياة ولا يعيش الحياة كما هي بشروطها”، وذهب بعضهم إلى الادعاء أن هذا الاتجاه يمنع الآخرين أيضًا من أن يحبوا الحياة وأن يعيشوها.
ويقول الدكتور عتريسي في حديث لموقع العهد الإخباري “على المستوى العلمي والبحثي وعلى مستوى دراسة المجتمعات ليس هناك أي ثقافة تحب الموت وتكره الحياة أبدًا، وكذلك في ما يسمى بالدراسات الأنثروبولوجية التي تدرس ثقافة الشعوب لا يوجد أي شعب يحب الموت أو لديه ثقافة موت، وإلاّ لما استمرّت هذه الشعوب، فلو كانت ثقافة الموت لديها أقوى لكانت الشعوب تقتل نفسها وخلال بضع سنوات أو بعد جيل أو جيلين انتهت”.
يضيف الدكتور عتريسي: “الواقع خلاف ذلك تمامًا. هناك شعوب تحترم الموت ولديها طقوس لاحترام الميت ولإعلاء شأن القضية التي قتل أو ضحّى من أجلها، وهناك فرق في مقاربة الهدف من الحياة – وهذه نقطة مركزية – لأن بعض المجتمعات وخصوصًا في الغرب يعتبر أن الحياة في هذه الدنيا هي الهدف، وأن تحصيل الرغبات بأيّ ثمن من أجل البقاء على قيد الحياة هو الهدف، هذا ربما ما يقصده بعض المعترضين على المقاومة بحب الدنيا”.
بالمقابل، يرى الدكتور عتريسي أن المقاومة تمثل اليوم قمة التاج في ثقافة الحياة، فهي “تضحي بالحياة من أجل حياة أفضل وحياة كريمة وحياة عزيزة، ليس في الدنيا فقط بل في الآخرة أيضًا”.
ويلفت عتريسي إلى أن “ثقافة التضحية من أجل حياة كريمة وعزيزة هي ثقافة دينية إسلامية ومسيحية أيضًا. الآخرون يحاولون من خلال الترويج لتهمة “ثقافة الموت” أن يقلصوا من قيمة وأهمية المقاومة كفعل تضحية عظيم”.
وفيما يؤكد الدكتور عتريسي أن حفظ الحياة في الإسلام هو أمر مهم، يضيف “من هنا تأتي هذه المعادلة الدقيقة بأنه يجب التضحية بهذه الحياة الثمينة والغالية والمحترمة عندما تتعرض للظلم والاضطهاد والإذلال من أجل حياة كريمة وعزيزة، وهذا هو معنى عاشوراء التي نعيش ذكراها اليوم، في رفض الظلم والفساد والاستبداد”.
وبالنظر من حيث المنطلق والخلفية الفكرية والفلسفية لموضوع الحياة والموت وثقافة الحياة وثقافة الموت، يقول عتريسي “إن المقاومة اليوم عندما تقدّم التضحيات الغالية والثمينة ليس لأن الأُسر لا تحب أبناءها أو أفرادها بل لأن الهدف الأسمى يحتاج إلى هذه التضحية لكي يعيش المجتمع عمومًا حياة أفضل، والحياة الأفضل هنا هي الحياة الحرة الكريمة العزيزة، وهذه النقطة لا يتحدث عنها أصحاب حب الحياة ولهذا السبب قد يرتضي هؤلاء بالذل والاستبداد من أجل الحياة فقط”.
وفي هذا السياق، ينوّه الدكتور عتريسي إلى نماذج متعددة في الغرب عن ثقافة الموت والقتل وكذلك في الكيان الصهيوني الذي هو صناعة الغرب فكريًا وعقائديًا وسياسيًا، ويقول “الغرب هو الذي أنتج فكرة الحياة من أجل الرغبات، وهذا الغرب الذي أنتج المصطلحات المخادعة عن حقوق الإنسان والحريات، هو نفسه الذي يقتل ملايين الناس من أجل مصالحه”.
ويتابع عتريسي: “”إسرائيل” اليوم كما يشاهد العالم ترتكب المجازر وتقتل آلاف الأطفال والنساء.. تقتل مدنيين ليسوا في حالة حرب معها، ومع ذلك فإن أصحاب مفهوم حب الحياة لا يتوقفون عند هذه المجازر والجرائم ولا يدافعون عن حياة هؤلاء الناس، ولا يتهمون الغرب بأنه يمارس ثقافة القتل وثقافة الموت”.
وأردف عتريسي “هنا تأتي ثقافة الموت، فهؤلاء هم أصحاب ثقافة الموت، فلقد تسببوا بقتل الآخرين لتحقيق الهيمنة والسيطرة، في حين أن التضحية عند المقاومة هي لإحياء روح الأمة وإحياء المجتمعات، ولا يجرؤ هؤلاء على اتهام الولايات المتحدة أو “إسرائيل” بأنها هي صاحبة ثقافة الموت والقتل”.
ويخلص الدكتور عتريسي إلى أن شعارات “ثقافة الموت” هي شعارات موجهة الهدف منها إضعاف منطق المقاومة، لكن كل هذه الاتهامات التي توجه إلى المقاومة على أنها ثقافة موت لا قيمة حقيقية لها ولا تقنع أحدًا، فالعالم اليوم بات مدركًا للفرق بين ثقافة الموت وثقافة الحياة، فما يجري في العديد من الدول الغربية من اعتراضات على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني وعلى السياسة الأميركية الداعمة لهذا الكيان، إنما يأتي على اعتبار أن الولايات المتحدة تدعم ثقافة القتل والموت التي ترتكبها “إسرائيل” واعتبار أن “إسرائيل” ترتكب حرب الإبادة الجماعية التي تعني ثقافة الموت.
المصدر : العهد الاخباري