أشباح غزة في الانتخابات البريطانية!
حظي حزب العمال البريطاني بأغلبية كبيرة في الانتخابات التشريعية التي أعلنت نتائجها الخميس، وفي كلمته لدى توليه منصبه، تحدث كير ستارمر، زعيم الحزب المذكور بصفته رئيس الوزراء البريطاني الجديد، عن أن «العالم الآن أكثر تقلبا» فيما ربط الوضع الداخلي البريطاني بتجاهل الحكومات السابقة «ملايين الناس وهم يهبطون نحو مزيد من انعدام الأمن» وفيما يتغافل الاستشهاد الأول عن العالم عن أسباب التقلبات الخارجية، فإنه يتوسّع في الاستشهاد الثاني في شرح أسباب «انعدام الأمن» الداخلي لدى ملايين البريطانيين، بحيث يبدو تقلّب العالم شأنا تغيب المسؤولية عنه، ويكون انحدار أوضاع مواطني بريطانيا قابلا للتفسير بربطه بسياسات حكومات المحافظين السابقة.
كان أمرا ذا دلالة أن أول المهنئين لستارمر بالفوز هو رئيس إسرائيل اسحق هرتزوغ، وهو ما يدفعنا للإقرار أن إسرائيل حققت فوزا كبيرا بصعود زعيم حزب العمال إلى سدة السلطة فهو من أشد المسؤولين الأوروبيين انتصارا لإسرائيل، وكان ذلك واضحا منذ وجوده في منصب رئيس النيابة العامة عام 2011 حين سمح لوزيرة الخارجية الإسرائيلية الأسبق تسيبي ليفني بدخول بريطانيا رغم مطالبات المنظمات الحقوقية بإصدار مذكرة باعتقالها، وتجلّى هذا التوجه بأشد مظاهره وضوحا حين اشتغل منذ توليه زعامة الحزب على تطهيره من أي شخصيات تنتقد إسرائيل أو تتعاطف مع الفلسطينيين، بدءا من مطاردته لزعيم الحزب السابق جيرمي كوربين وطرده من الحزب، مرورا بتصريحاته التي أكدت، مع بداية الحرب الأخيرة على غزة، حق إسرائيل في مصادرة وتجويع وتعطيش أهالي غزة.
تفاعلت هذه الوقائع بقوة وتجلّت في ردود الفعل الشديدة التي أبداها العرب والمسلمون تجاه الحزب الذي، رغم فوزه على الصعيد الوطني، فقد هُزم في أكثر من موقعة في المناطق التي يسكنها عدد كبير من المسلمين، فتراجعت الأصوات التي حصل عليها الحزب، الذي كان يتمتع لفترة طويلة بدعم المسلمين والأقليات الأخرى، ليخسر قرابة 20 بالمئة من أصوات المسلمين عموما، ونسبة مهمة من أصوات العرب، وحسب استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي اعتبر 44 بالمئة من الناخبين المسلمين الحرب على غزة واحدة من أهم خمس قضايا تشغلهم، وقال 85 بالمئة إنهم سيفكرون في دعم مرشح مستقل يدعم قضية الفلسطينيين.
شملت الارتدادات العامة شديدة الرمزية لمواقف ستارمر والحزب تحت قيادته خسارة الحزب في منطقة إيزلنغتون نورث أمام جيرمي كوربين، الزعيم السابق للحزب والناشط اليساري المخضرم المؤيد للفلسطينيين، الذي خاض الانتخابات هذه المرة مستقلا، وكذلك خسارة إحدى شخصيات الحزب الكبيرة، جوناثان أشوورث، الذي كان مرشحا لمنصب وزاري، أمام شوكت آدم، الذي كان واحدا من 4 مرشحين على الأقل أعلنوا صراحة تأييدهم للفلسطينيين، وتحدث آدم وهو يرفع الكوفية الفلسطينية في نهاية كلمته أمام الدائرة التي فاز بها: «هذا لمصلحة أهل غزة» متسائلا: «كيف يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي ونحن نشهد المذبحة تلو الأخرى» وشكّل ذلك الفوز إحدى المفاجآت الكبيرة في الانتخابات.
المؤيدون لفلسطين حصلوا أيضا على مقعد نيابي في بلدة بلاكبيرن شمال غرب بريطانيا، بفوز المرشح المستقل عدنان حسين على مرشحة حزب العمال، وذلك بعد 69 عاما من احتفاظ هذا الحزب بتلك الدائرة، كما سجل المرشح إقبال حسين، الذي استقال من حزب العمال بسبب دعم زعيمه لإسرائيل، فوزا في دائرة ديوزبيري وباتلي في غرب يوركشير، وذلك بأغلبية ساحقة على مرشحة حزب العمال، وحصل السيناريو نفسه في برمنغهام، حيث فاز المستقل أيوب خان، الذي استبعده حزب الليبراليين الديمقراطيين عن لائحته بسبب مناهضته لإسرائيل، وخسر خصمه النائب العمالي السابق.
تشير هذه الأحداث إلى أن الحرب على غزة كانت حدثا فاصلا حرّك دينامية فاعلة ضمن السياسة البريطانية، وضمن المسلمين والعرب، ورغم تسجيل بعض هؤلاء المرشحين هزائم، كما حصل للسياسي الشهير جورج غالواي، الذي خسر أمام خصمه العمالي، فإن هذا الحراك بحد ذاته هو ظاهرة مهمّة وإشارة إلى الأثر الكبير للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على السياسة في بريطانيا، وعلى مواطنيها، من كافة الاتجاهات.
المصدر : القدس العربي