أخطر الخطابات.. وخيارات الكيان
يقول الإعلام العبري إنّ “هذا أخطر خطابات نصر الله”، ويقصدون خطاب تأبين القائد الشهيد طالب عبد الله “أبي طالب”، لكن ذاك الإعلام لم يضع يده على أخطر ما في خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله حقيقةً.
كلّ الخطاب شديد الخطورة على الكيان، ولا يوجد في الخطاب ما يطمئنّ الكيان له، ولو لعثمة صغيرة أو تلكؤ هنيهة، بل الصرامة المعهودة والحزم المنشود، وإنّها الغلظة، الوصية القرآنية، “وليجدوا فيكم غلظة”، الغلظة التي تنخلع لها أفئدة العدو.
فخطورة الخطاب تبدأ من مقدمته، عن مفهوم الشهادة عقديًا، وأنّ أسمى الأمنيات للقائد أبي طالب هي أسماها لدى كلّ رفاقه وهي الشهادة، أيّ أنّ الموت في هذا السبيل هي الغاية، يعني أنّ القتل ليس رادعًا لثنيهم، بل حافزهم وأملهم، بكلّ ما يشكّله ذلك من إحباط لدى مؤسسات العدوّ العسكرية والأمنية.
ولا تنتهي خطورة الخطاب حتّى آخر الكلمات، وتتصاعد خطورته كلما مرَّ الوقت، من مسير الهدهد ومصير ما صوَّر، إلى الأسلحة المستحدثة والمطوّرة، وصولًا إلى النهاية كون نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، هذه الأسماء القبيحة، كما قال السيد أنّها تأخذ الكيان للهاوية.
ولكن يجب اعتبار أنّ أخطر ما قاله السيد حسن نصر الله “أنّ الحرب إن فُرضت على لبنان، ستكون بلا ضوابط أو قواعد أو أسقف”، ويجب على العدوّ أن يعكف على استنباط كلّ جوانب هذه العبارة، ومدلولاتها السياسية والعسكرية والمعنوية.
على المستوى السياسي، تعني هذه العبارة أنّه لا وساطات ولا مفاوضات لعقد الهدن أو وقف الحرب، وأنّه لا وجود لضمانات بأن تكون الحرب على شكل أيامٍ قتالية، تتدخل بعدها الولايات المتحدة لوقف الحرب، والتوصل لهدنةٍ ووقفٍ لإطلاق النار.
وهذا يعني أنّ حزب الله لن يكون على السمع، لكل من يريد التواصل معه، بنيّة فتح مسارٍ تفاوضيٍ لوقف الحرب، والمعنى الحقيقي لذلك أنّها ستكون الحرب الأخيرة، ولن يكون بعدها شيء اسمه”إسرائيل”، وبالتالي ليس منطقيًا أو عقلانيًا التفاوض مع العدم بشأن العدم.
أما على المستوى العسكري، فالعبارة تعني أنّه لا وجود لمحرماتٍ أو خطوطٍ حمراء، وأنّ الحرب لن تكون حربًا تصاعدية، بل ستبدأ من الذروة، وأنّ كلّ المفاجآت ستنفجر دفعةً واحدة في وجه العدو، ولن يتم التفريق بين “كريات شمونة” و”إيلات”، وقد تبدأ الصواريخ بالسقوط على إيلات قبل سقوطها على حيفا أو “تل أبيب”.
كما أنّه لن يكون هناك فرقٌ بين “الميركافا” في البر، وبين “ساعر” في البحر، ولا فرق بين الطائرة أو الغواصة، كله سيتم استهدافه بذات القدرة وذات الكفاءة وذات الدقة، ولا شيء سيتم تأجيله، فكلّ الكيان بكلّ مجرميه سيكون هدفًا مشروعًا، وكلّ أدواته للقتل ستكون هدفًا للإحراق والتدمير.
ولن تكون هناك استثناءات في الكيان، فالمقرات الحكومية المسمّاة “السيادية” من وزارة الحرب إلى مقرات الأجهزة الأمنية وصولًا إلى مقر “رئاسة الوزراء”، كلها ستكون أهدافًا مشروعة، وكذلك مفاعل “ديمونا”، فلا شيء خارج الاستهداف، لا شيء إطلاقًا خارج مهداف الحزب.
أمّا معنويًا وماديًا وقانونيًا، فقد يعني ذلك أنّه الزوال الحتمي، حيث لا ضوابط ولا قواعد ولا أسقف حدودية أو قانونية، ولن يكون للخرائط والأسلاك الشائكة والخطوط الزرقاء أيّ معنى أو أيّ وجود، ولن يكون للقوانين التي تعترف بوجود الكيان أيّ وجاهة، مهما كانت طبيعتها دولية أو إقليمية أو ثنائية، ولن يستطيع العالم كله، وضع الضوابط أو القواعد أو الأسقف ولو اجتمع وأجمع، لأنّ هناك مقاومة قالت ذلك من موقع الاقتدار ومنصة الحزم والحسم.
حتّى لفت النظر لقبرص، فيه تهديدٌ مخصصٌ لأولئك السفلة من طياري العدو، حيث إنّ إقلاعهم باتجاه لبنان، يعني أنّها الرحلة الأخيرة، لأنّهم لن يجدوا مطاراتٍ يعودون إليها، فيضطرّوا للذهاب إلى قبرص، واستخدام مطاراتها لمواصلة العدوان.
بعد خطاب السيد حسن نصر الله في تأبين الشهيد “أبي طالب”، على العدوّ أن يحزم أمره ويختار رفع الراية البيضاء، والنزول عند شروط حماس، لأنّه الخيار الأسلم والأمثل لوجوده المؤقت، مقارنةً بمحاولة الذهاب للشمال، الشمال الذي يعني الجحيم المحقق وغيابَة التاريخ وغياهب الزمن.
المصدر : العهد الاخباري