كيف ستؤثر صدمة الـ”هدهد” على المواجهة بين العدو والمقاومة؟
ما نشره الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية في لبنان عن الجولة الاستعلامية لمسيّرة “هدهد”، والتي طالت بعض المناطق الحيوية في شمال فلسطين المحتلة، وتحديدًا أجواء مرفأ ومدينة حيفا ومنشآت “رافاييل” للصناعات العسكرية، ومنطقة الكاريوت في محيط المدينة المذكورة، شكل للعدو ما يشبه الصدمة غير المتوقعة، من غير الواضح كيف ستكون تأثيراتها وتداعياتها عليه، خاصة في هذا التوقيت الاستثنائي الذي يعيشه الكيان، وفي مرحلة من أصعب المراحل منذ نشأته ككيان غاصب على أرض فلسطين المحتلة.
عمليًا، تُعتبر هذه الخطوة التي أقدمت عليها المقاومة الإسلامية في لبنان، بمثابة النقطة الفاصلة على مستوى المواجهة مع العدو الإسرائيلي، أولًا لناحية حساسية وأهمية الأهداف التي تم رصدها، وثانيًا لناحية ما ظهرت عليه بنية العدو الدفاعية الجوية من هشاشة وضعف، وخاصة على مستوى منظومات الدفاع الجوي المعنية بحماية أجواء هذه الأهداف الإستراتيجية، وثالثًا لناحية إظهار العدو مكشوفًا بدرجة كبيرة على المستويين العسكري والاستعلامي، خاصة في القسم الشمالي من فلسطين المحتلة.
أولًا: حساسية وأهمية الأهداف التي تم رصدها
قد تكون هذه الأهداف بمثابة نقطة ارتكاز قدرة العدو العسكرية شمالًا، حيث يشكل مرفأ حيفا بقاعدته البحرية الحاضنة للقسم الأكبر من سفنه ومدمراته وغواصاته، الذراع الرئيسي في قدراته العسكرية البحرية.
أما لناحية مجمع “رافاييل” للصناعات العسكرية، فهو يشكل سندًا أساسيًا للعدو، عسكريًا وماديًا، بالنسبة لما يقدمه لجيشه من تجهيزات عسكرية أساسية، تحتاجها أغلب أسلحته النوعية وخاصة المسيّرات والقبة الحديدية وتدريعات الدبابات وناقلات الجنود، أو بالنسبة لما يقدمه لاقتصاد الكيان بشكل عام على الصعيد المالي كثمن لمروحة واسعة من التجهيزات العسكرية التي تبتاعها عدة دول من الكيان.
ثانيًا، لناحية نجاح الهدهد في تجاوز منظومات الدفاع الجوي لدى العدو، يعود الأمر في أساسه إلى قدرات ومميّزات هذه المسيّرة الاستثنائية، رغم أن الدفاع الجوي للعدو يعتبر من بين الأوائل عالميًا لا سيما على صعيد القبة الحديدية وحماية الأجواء، ولكن مع ما تتميز به مسيّرة “هدهد” من قدرات تقنية، وخاصة لناحية البصمات الحرارية والرادارية والصوتية المنخفضة جدًا، استطاعت تجاوز منظومات الدفاع الجوي المعادية والتسلل إلى أجواء هذه الأهداف الحيوية وتصويرها ورصدها بالشكل الكافي لتحضيرها كأهداف إستراتيجية أساسية في بنك أهداف المقاومة، والذي كما يبدو أصبح متخمًا بالأهداف الثمينة.
وطبعًا، تداعيات هذا الاختراق الذي حققته مسيّرة “الهدهد”، لن تقتصر تأثيراتها السلبية فقط على مستوى معركة العدو ضد جبهة الإسناد التي فرضها عليه حزب الله على جبهته الشمالية، بل ستمتد حكمًا هذه التأثيرات السلبية على معركة العدو الواسعة بشكل عام في كل جبهات المواجهة التي يخوضها بمرارة اليوم، داخل غزة أو على جبهات الإسناد الأخرى وتحديدًا اليمنية والعراقية.
ثالثًا، لناحية إظهار العدو مكشوفًا بدرجة كبيرة على المستويين العسكري والاستعلامي.
ما حققته مسيّرة “هدهد” في جولتها الأخيرة هذه، لناحية إظهار العدو مكشوفًا عسكريًا واستعلاميًا، هو الأخطر من بين ما حققته، والذي تمت الإشارة إليه أعلاه، خاصة أن عمق الكيان الهش جغرافيًا، لا يسمح له بالمناورة في نقل هذه المواقع الأساسية التي كشفتها “الهدهد”، مع صعوبة أو استحالة ذلك، خاصة أن أي منطقة جغرافية داخل الكيان، بين الحدود مع لبنان شمالًا حتى خليج العقبة وأم الرشراش “إيلات” جنوبًا، أصبحت اليوم في متناول قدرات حزب الله، الصاروخية والمسيّرة.
أخيرًا، وفي الوقت الذي جاء فيه نشر حزب الله لمشاهد ما حصل عليه “الهدهد” في توقيت استثنائي وصعب يعيشه العدو، ميدانيًا في غزة بشكل عام وفي رفح وتحديدًا في الشابورة وتل سلطان والحي السعودي بشكل خاص، وسياسيًا لناحية الخلافات المتدحرجة والانقسامات الداخلية المتشعبة وخاصة بين حكومة نتنياهو وبين الجيش، يبقى السؤال الأهم المطروح اليوم مع هذا الانكشاف القاتل الذي أصيب به العدو بعد فيلم “الهدهد”، وهو:
هل يفرض الفيلم الأخير مستوى متقدماً من الردع في مواجهة العدو، فينكفئ ويتراجع ويبحث مرغمًا عن مخرج لتسوية تنهي الحرب؟ أم أن ما لمسه من تطور في قدرات حزب الله، في الاستعلام الدقيق وفي التكتيك اللافت وفي الأسلحة النوعية القاتلة، والتي لم تظهر كلها حتى الآن، سوف يدفعه للهروب إلى الأمام، في مغامرة استباقية يعتبرها ضرورية وإجبارية لتلافي ما يمكن أن يصيب منه مقتلًا فيما لو قرر التغاضي عن هذه القدرات وعن مسار تطورها اللافت؟
ربما يكون المعيار في تحديد مسار توجه العدو، بين الانكفاء أو الهروب إلى الأمام بمغامرة غير محسوبة ضد لبنان، هو ما يحصل في ميدان غزة، وإمكانية تراجعه فيه والانحراف شمالًا، الأمر الذي يبدو أنه غير وارد حتى الآن.
المصدر : العهد الاخباري