حول العالم

معطيات المؤتمر العربي – الصيني 2024

عقد في نهاية الشهر الماضي مؤتمر منتدى التعاون العربي الصيني في بكين، إذ بات المؤتمر بعنوانه العربي – الصيني دوريًا ويكتسب في أبعاده ومضمونه العمل الجدي على بناء علاقة متينة تعتمد على التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والثقافي. منتدى التعاون ليس بحديث العهد، وخلال زيارة الرئيس الصيني السابق، هو جينتاو، لمصر في 30 كانون الثاني/ يناير 2004، زار جنتاو مقر الجامعة العربية والتقى بالأمين العام للجامعة آنذاك عمرو موسى، إضافة إلى المندوبين الدائمين الـ 22 في جامعة الدول العربية، وأعلن وقتها عن تأسيس المنتدى عبر مؤتمر صحفي عقده كلّ من موسى ووزير الخارجية الصيني لي تشاوشينغ.

اكتسب المنتدى زخمًا خاصًا بعد انعقاده في الرياض في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وأعلن عن بدء انعقاد القمم العربية الصينية خلال زيارة الرئيس الصيني تشي جين بينغ السعودية التي بدأت في 8 كانون الأول 2022. وابتدأت علاقات مميزة ما بين الطرفين، عبر فيها الرئيس بينغ عن سعادته بتطور العلاقات مع المملكة السعودية قائلًا: إن السعودية تعد من أهم القوى الإقليمية في المنطقة. وكان من أهم نتائج تطوّر العلاقة بين السعودية والصين المصالحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تمت في 10 آذار/ مارس 2023، ومن ثمّ تم استقبال الرئيس السوري بشار الأسد في قمة جدة في 18 أيار/ مايو 2023، وفي القمة العربية الإسلامية الطارئة من أجل غزّة، بحفاوة منقطعة النظير، حيث ابتدأت السعودية مصالحات حقيقية في الإقليم.

عقدت القمة العربية الصينية بدورتها العاشرة في بكين في نهاية الشهر الماضي على مستوى الوزراء. وتكتسب القمة في المرحلة الحالية وبمستوى الحضور فيها، أهمية خاصة، فالقمة المقررة على مستوى الوزراء حضرها أربعة رؤساء عرب هم: ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الرئيس التونسي قيس السعيد، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وكان الرؤساء الأربعة قد وصلوا قبل يومين من المؤتمر في 27 الشهر الماضي لإجراء مباحثات. ويبدو أن هناك هدفًا واحدًا يجمع الجميع، وهو ضرورة التوجّه شرقًا والاختيار بين التوجّه نحو بناء مشاريع تنموية تعتمد على الاستثمارات وتعود بالفوائد المشتركة على البلد المستثمر والمستثمر فيه، أو البقاء في دوامة السياسات الاقتصادية التابعة للدول الغربية وبالتحديد الولايات المتحدة. بالنسبة للبحرين والإمارات يمكننا القول إن هذا التوجّه ينسجم مع توجه المملكة السعودية والذي ابتدأه ولي العهد محمد بن سلمان، والذي يقع ضمن خطة 2030 للاستثمار والتنمية.

أما الاقتصاد المصري فيشهد تراجعًا حادًا تجلى بهبوط سعر الجنيه المصري حتّى بات يلامس الحضيض. وبات على مصر الاختيار بين الاستمرار بالتراجع الاقتصادي الحاد، وبين تحسين واقعها الاقتصادي الذي بات يضرب الفئات الفقيرة والمتوسطة بشكل غير مسبوق. ولكي تنتظم الأمور في مصر أصبح لزامًا عليها الخروج من عباءة الهيمنة الاقتصادية الأميركية وفسح المجال أمام خيارات أخرى. فالحصار المفروض على الجنيه المصري، ليس حصارًا على الطريقة التي تحدث في سورية ولبنان وضمن سياسة فرض العقوبات، وإنما هو حصار تفرضه سياسة البنك الدولي في مصر. وفي حال تمكّنت مصر من حجز مكانها ضمن مشروع “نطاق وطريق” وبدء سلسلة من الاستثمارات الصينية – المصرية فإن هذا سيكون معبرًا مهمًا للتخلص من هيمنة البنك الدولي عليها، ومن اعتمادها على المساعدات الأميركية التي تأتي بالقطارة. كما أن موقع قناة السويس في خط التجارة العالمية بين الشمال والجنوب وضمان استمرار عبور السفن الصينية من خلال هذا المرفأ الحيوي المهم، يضمن لمصر نوعًا من الاستقرار الاقتصادي، في وقت يحاول فيه الأميركي تحويل هذا الطريق باتّجاه مينائي عسقلان وحيفا عبر ممر بن غوريون المنوي استحداثه في فلسطين المحتلة كبديل عن قناة السويس.

ما ينطبق على مصر، ينطبق على تونس، والتي باتت تعاني من ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير وهبوط سعر الدينار التونسي منذ “ثورة الياسمين” في العام 2011، والتي اتضح أنها امتصت ما تبقى من نسغ هذه الدولة لتحويلها إلى تابع للمشروع الأميركي. غير أن تونس شهدت ثورة حقيقية في تركيبة النظام والذي انسجم مع تركيبة الشعب التونسي المناوئ للأهداف الصهيونية والأميركية مع قدوم الرئيس قيس سعيد، ولكن في ظروف اقتصادية أكثر صعوبة. وتوجه الرئيس السعيد إلى الصين هو خطوة مهمة من أجل وضع خطة تونسية – صينية من أجل البدء بسلسلة مهمة من الاشتثمارات، ولا بد أننا سنقرأ عنها قريبًا.

أما ما يتعلق بشأن دولتي الخليج العربيتين والمطبعتين مع العدوّ الصهيوني، فقد يكون بإمكاننا أن نقرأ توجهًا إيجابيًا منسجمًا مع التوجّه السعودي الذي استطاع من خلال بناء العلاقات العميقة مع الصين خلق خط آخر موازٍ للهيمنة الأميركية. هناك حاجة ضمن منطقة شبه الجزيرة العربية إلى الاتّجاه للتعاون مع الشرق وحل عقدة العلاقة الأحادية المهيمنة مع الغرب. فبعد المصالحة التي توسطت بها الصين بين إيران والسعودية وعودة العلاقات، اتضح اليوم أن التوجّه نحو بناء علاقة تعتمد على الثقة المتبادلة هو أحوج ما تريده المنطقة، وبناء عليه قد لا تنقطع علاقة المطبعين مع الكيان الصهيوني في المرحلة الحالية، ولكنها بالتأكيد ستأخذ منحى آخر عندما تبدأ العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، وتبدأ الاستثمارات العربية – الصينية بإيتاء أكلها. وقد يمثّل هذا الانفتاح الخليجي على الصين، أداة لابتزاز الأميركي، لأن تعدد الخيارات أمامها سيجعل الولايات المتحدة أكثر ليونة حيال مطالب هذه الدول.

بحسب مقال نشرته صحيفة “الثورة” السورية في الثالث من هذا الشهر، فإن الصين تعد أكبر شريك تجاري للدول العربية. وخلال العامين الماضيين فقط، وصلت إلى مستوى قياسي جديد، إذ وصل حجم التبادل التجاري إلى 400 مليار دولار أميركي وهو 10 أضعاف ما كان عليه قبل 20 عامًا. ويشهد التعاون العربي – الصيني تقدمًا بارزًا في مجالات الطاقة والمال والبنى التحتية. وخلال كلمته في افتتاح المؤتمر أكد الرئيس بينغ على أهمية “بناء مجتمع صيني – عربي ذي مستقبل مشترك وفتح حقبة جديدة في العلاقات الصينية – العربية، وأن الصين ستستضيف القمة التالية في العام 2026”. يبدو أن الصين تهدف بذلك إلى تتبع الخطى الروسية التي باتت تنجز المنتديات تلو المنتديات الاقتصادية وبشكل دوري مع إفريقيا وآسيا والدول العربية، لربما في وقت لاحق، على أراضيها، وهدف ذلك: جعل الصين محطة مستهدفة وجذابة للمستثمرين وفي مجالات السياحة والثقافة والتعليم، وما إلى ذلك.

ولكن من أهم ميزات ما حدث في مؤتمر العام 2024، هو أن كلمة الافتتاح في المؤتمر تمحورت حول الموضوع الفلسطيني وطغت فلسطين على جو المؤتمر ونتائجه، إذ تضمنت كلمة الرئيس الصيني بينغ إدانة لما تقوم به “إسرائيل” من قتل وتدمير وتهجير للشعب الفلسطيني، وحث على ضرورة إنهاء الحرب والإسراع في إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كما أصدرت الصين والدول العربية بيانًا مشتركًا أعربت الصين فيه عن دعمها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، بحسب إعلان قمة بيروت وما يسمى “المبادرة العربية للسلام” والتي تتمسك بها السعودية، ووجود الإمارات العربية والبحرين والتزامهما بمبدأ الإدانة أمر ملفت. كما أعلنت الصين عن تخصيص مساعدات تصل حتّى 600 مليون يوان صيني، وعن تبرعها بثلاثة ملايين دولار لوكالة الأونروا. ومن ناحية أخرى فإن أهم ما التزمت الدول العربية به، هو مبدأ “الصين الواحدة”، ودعم جهود الصين في الحفاظ على وحدة وسيادة أراضيها والتي تعتبر تايوان جزءًا منها، وهو ما يخالف الموقف الأميركي الساعي إلى مساندة انفصال تايوان.

 

المصدر : العهد الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى