منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي: تحديات النمو في عالم متعدد الأقطاب
يواجه منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي منذ انطلاقه في سنة 1997 وإلى اليوم، تحديات الانتقال إلى نموذج متعدد الأقطاب للاقتصاد العالمي، ويسهم في فتح المجال لتطوير مراكز نمو عالمية جديدة.
المنتدى الذي يعقد في نسخته الـ27 هذا العام في الفترة من 5 إلى 8 حزيران/يونيو، بمشاركة سلطنة عمان بصفة ضيف شرف للمرة الأولى، يناقش أهداف الاقتصاد الروسي واقتصادات أقطاب العالم المتعددة الواعدة ضمن توجهات سلاسل توريد وتفاعل اقتصادية عالمية جديدة. وهو يدرس الوسائل، التي تؤمن النمو والتقدم مع الارتكاز إلى مبدأ المحافظة على القيم الوطنية لكل دولة مشاركة، ومراعاة أولوية التنمية الاجتماعية لشعوبها. وستتمحور الجلسات حول “الانتقال إلى نموذج متعدد الأقطاب للاقتصاد العالمي” و”الثقافة المالية كمحرك للتنمية الاقتصادية للدولة” و”التجارة الرقمية والخدمات المصرفية” و”قضايا الأمن الغذائي العالمي”. كما ستطال حلقات الحوار التعاون بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة “بريكس” والشراكة الأوراسية.
وقد أكد ممثلوا 110 دولة مشاركتهم في المنتدى هذا العام، حيث تنظَّم أكثر من مئة وخمسين جلسة حوارية وعلمية، يقدم خلالها ما يزيد عن 1000 متحدث رؤاهم الاقتصادية ومقترحاتهم؛ فضلاً عن المباحثات الثنائية والجانبية على هامش المنتدى، التي يتمحور معظمها حول الأولويات الاقتصادية وسبل التعاون التجاري والتقني والعلمي والصناعي والثقافة المالية، كمحرك للتنمية والتجارة الرقمية، والخدمات المصرفية وضمان الأمن الغذائي العالمي في ظل الإجراءات الاقتصادية المعادية لدول الغرب الجماعي وقوى الهيمنة، وغيرها من المجالات المرتبطة باقتصادات الدول.
ويعدُّ المنتدى حلقة تواصل بين عدد من الهيكليات الاقتصادية الدولية، بدءا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس وانتهاءً بمشروع “الشراكة الأوراسية الكبرى”، الذي يتيح الفرصة لتطوير هذه الهيكليات، وتفاعلاتها الإيجابية. وينتظر من صناع القرارات السياسية اتخاذ خطوات جريئة لمواجهة التحديات الاقتصادية الرئيسة، التي تصطدم بها الأسواق العالمية.
من المتوقع أن يناقش المنتدى الأزمة المستجدة للواردات الروسية من الصين وتركيا وغيرها من الدول، التي ترفض بنوكها تحويلات الشركات الروسية خوفاً من مفاعيل العقوبات الغربية. أما فيما يتعلق بلبنان فيؤمل أن تسهم زيارة وزير الأشغال علي حمية ومشاركته في فعاليات المنتدى في حلحلة عدد من إشكاليات التعاون العالقة، وليس آخرها عودة الرحلات الجوية المباشرة بين موسكو وبيروت، والتي توقفت بسبب رفض مدير الطيران المدني اللبناني فادي الحسن تزويد الطائرات الروسية بالوقود وتقديم الخدمات الضرورية لها بادعاء الخشية من “العقوبات الأميركية”. في حين أن السودان، على سبيل المثال، أعرب عن موافقته على بناء مرفأ خدماتي للسفن الروسية على شواطئه.
ويسجل من ناحية أخرى لموسكو اتخاذها خطوات جريئة، كدعوتها حركة “طالبان” الحاكمة في أفغانستان للمشاركة الرسمية في المنتدى، والبحث في قرار شطبها من قائمة المنظمات الأجنبية المعترف بها إرهابية في روسيا؛ الأمر الذي أعلنت الخارجية والعدل الروسيتان عن إمكانيته. جاء ذلك في تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى أفغانستان ضمير كابولوف، الذي أعلن دعوة الحركة إلى سانكت بطرسبورغ. إذ إن شطب الحركة من قائمة المنظمات المحظورة قبل الاعتراف بها أمر ضروري.
لمحة حول إنجازات المنتدى في نسخته للسنة الماضية 2023:
سجل المنتدى في السنة الماضية حضور 17 ألف شخص من 130 دولة شاركت في أكثر من 200 فعالية، قدم خلالها 1500 متحدث مقترحاتهم وآراءهم. وشهد المنتدى توقيع 900 اتفاقية تجارية اقتصادية بقيمة 3 تريليونات و860 مليار روبل، وهي الاتفاقيات المعلنة فقط، والتي لا تعدُّ أسرارًا تجارية بين الدول.
وقد قدمت ورشة التحليل السياسي – مركز “اتجاهات” للدراسات والتنبؤات واستشراف المستقبل تقييمها وتصوراتها، للمنتدى، والتي جاء فيها ما يأتي:
1. يُقيَّم منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي كمنصة لبناء عالم عادل متعدد الأقطاب. إذ تتحدث النسخة السابعة والعشرون من المنتدى عن التاريخ الطويل، وخاصة في سياق مواجهة الإجراءات الاقتصادية المعادية من قبل الغرب الجماعي، ولا سيما أن 110 دولة أكدت مشاركتها في هذا المنتدى هذا العام. من بينها دول عانت من الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة والدول الأخرى، التي تحافظ على علاقات وثيقة معها. ويؤكد المنتدى حرية اختيار التوجه السياسي والاقتصادي لمختلف دول العالم، ما يشكل عاملا مساعدا للدول الراغبة في تطوير بنيتها الاقتصادية للاندماج والتكامل في إطار عالم عادل متعدد الأقطاب، وإيجاد سبل تحقيق أهدافها الوطنية، في حال توفر الإرادة السياسية.
2. تسعى دول عديدة للتعاون مع الشركاء الروس، لكنها من ناحية تخشى الإجراءات الاقتصادية العدائية، التي يتخذها الغرب الجماعي، ومن ناحية أخرى، فإنها تصطدم بالممارسة البيروقراطية في روسيا، والتي تعوق المعاملات التجارية والمالية والاقتصادية. أما حل هذه المشكلات فيتطلب إجراءات غير تقليدية من الجانبين.
3. معظم دول العالم ترغب في تنفيذ مشروعات بناها التحتية بصورة مستقلة عن الغرب، وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات. لكنها لا تستطيع تحقيق ذلك. وهذا تحديدًا هو “العجز الاقتصادي العالمي”، الذي تسببه الهيمنة الأمريكية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها من أشكال التسلط. لذا، فإن الاقتصاد العالمي يعجز عن مزيد من التطور في ظل هذه الظروف. هناك حاجة إلى ثورة اقتصادية عالمية. ويجب على روسيا والصين وغيرهما من دول العالم المتعدد الأقطاب تهيئة الظروف للاستثمارات الآمنة للشركاء. والأهم من ذلك، تأمين الاستقلالية عن الهياكل الاقتصادية الغربية. على الأقطاب الكبرى للعالم المتعدد العادل، مثل روسيا، حماية نفسها أولًا والدفاع بكفاءة عن مصالحها الوطنية وأمنها القومي، وتحديدًا التمسك بخيار التوجه شرقًا وجنوبًا. حينئذ فقط ستكون هذه الأقطاب قادرة على حماية المشروعات الاستثمارية المشتركة لشركاء الأعمال الراغبين من مختلف البلدان.
4. مجالات التعاون الاقتصادي للدول المعنية مع روسيا واعدة، وتستطيع روسيا إنشاء مناطق اقتصادية حرة في كثير من الدول ذات المواقع الإستراتيجية. ومن الضروري تطوير الصناعة والتجارة والخدمات الروسية كافة، بدءًا من الطاقة مرورا بالمنتجات الزراعية، وانتهاء بتطوير البنى التحتية، حيث الطلب عليها أكبر خارج الاتحاد الروسي في قارتي آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. ولا يقتصر الأمر فقط على مشروعات مثل مركز الغاز في تركيا، على سبيل المثال لا الحصر، وهو مشروع بالغ الأهمية، فلدى روسيا كل الإمكانات لضمان أمن هذه المشروعات.
5. ضمان عدم العدول عن التحول نحو الشرق (عالم الجنوب) في السياسة الخارجية الروسية، وإحباط محاولات القوى الليبرالية الموالية للغرب الثأر من هذا التوجه، وتحييد تأثير الطابور الخامس الصهيوني داخل روسيا.
المصدر : العهد الاخباري