إجتماعيات

رحيل الياس الديري… القاصّ الذي خطفته الكتابة الصحافية

خلال الأشهر الأخيرة، حصل التواصل مع الزميلة هنادي الديري بخصوص إجراء حوار طويل حول سيرة الصحافي والقصصي الياس الديري، تتعلق بمرحلة الستينيات والسبعينيات، لكن المقابلة كانت بين الترحيب والتأجيل. فـ”زيان”، وهو اسمه في الكتابة، حينها كان بين الاستراحة من إصابة جسيمة تعرض لها في انفجار بيروت في 4 آب، وبين السعي إلى كتابة مذكراته وتجربته الطويلة، وهو في المدة الأخيرة انتقل إلى بيته في الكورة لهذا الغرض، وبقيت المقابلة مؤجلة ومعلقة ولا ندري إن كان هو قد أتمّ كتابة مذكراته…

الياس الديري المولود في ددّة الكورة (14 نيسان 1937) من أسرة مكافحة، واكب والده العامل في صناعة الفحم والكلس، درس قليلاً في مدارس دده ويترمين والقلمون والزاهرية (طرابلس). التحق في الحزب السوري القومي الاجتماعي (1950 – 1965) وانسحب منه، متفرغاً للعمل والكتابة الأدبية والسياسية. سافر الى الكويت، وعاد إلى لبنان عاملاً في مصلحة التعمير. كتب في مجلة “الصفر”، وترأس تحرير مجلة “النهار العربي الدولي” في باريس، ثم كتب زاوية نهاريات في جريدة النهار بتوقيع “زيان”، وهي تركز على السياسة اليومية اللبنانية.

وقبل أن “تخطفه الصحافة اليها بشكل نهائي، أصدر “الرجل الأخير”(1961)، و”جدار الصمت”(1963″، و”الطريق إلى مورينا”(1969)، و”الفارس القتيل يترجل”(1979)، و”الخطأ”(1971) و”عودة الذئب إلى العرتوق” (1982). تتشعب أفكاره ومواضيعه. في كتاباته الأدبية تمكّن من فهم الحياة، وخبرها، بل أعاد تشكيل تجارب حياتية، أطلق عليه لقب “قصّاص الخيبة”، وقال الشاعر سعيد عقل في وصفه “أي قاص في الكبار أنت”…

روايته “الفارس القتيل يترجل” تمثل تجربة المثقف اللبناني الذي سعى إلى ممر نحو القمة، غير أن الحرب-القدر ألقته مثل الجرذ على الرصيف، الهامش، فكتب تجربته بلغة شعرية تمثل سعيه إلى خلاص، قيامة. وفي روايته “الطريق إلى مورينا” يصور الديري المجتمع اللبناني في النصف الأول من القرن العشرين، من خلال قرية صغيرة تسمى “عين الظهر” وحكاية حب وهزيمة أبطالها “ماجد الصوري”، و”ياسمين” التي كانت محط أنظار القرويين وأجمل بناتهم. والإغتراب الداخلي هو الموضوعة التي يعالجها الديري في روايته “عودة الذئب إلى العرتوق” من خلال بطله “سمران الكوراني” وهو بطل نموذجي، ثابت الطباع، ومقولب في إطار قناعات الروائي الأخلاقية والفكرية، يتحرك وفق إيقاع عام، ومناخات متشابهة…

تفاوتت الآراء في وصفة تجربة الياس الديري القصصة والروائية.
يقول الكاتب السوري ياسين رفاعية: “الياس الديري، في رواياته، يرى كالنبوءة، ويستشرف المستقبل قبل أن تولد شمس اليوم التالي حدسه عجيب، إنه يدمرنا من الداخل، يضرب أوصالنا بالداخل ويتعرى ويعرينا”.
ويقول الكاتب السوري عاصم الجندي: “الياس الديري لم يضع نفسه يوماً فرس رهان في سباق الوطنجية مع غالبية كتابنا. يتناول الرواية بحرارة وعمق أفضل منهم جميعاً”.
يقول الناقد المصري غالي شكري “إن الياس الديري ينتمي الى ما يمكن تسميته بالرواية المضادة أو اللارواية. روايته تتخّلص من الشخصية والحدث والزمن وتعتمد على التداعي والايقاع والتداعي النابع من صوت المؤلف وقد اتخد اسماء كالاشارات إلى هذا الجيل”…
ويقول الشاعر بول شاوول: “منذ صدور روايته الأولى، والروائي اللبناني الياس الديري يعمق تجاربه الإبداعية من ضمن تفجر داخلي يعدّه بأصالة، هي الى رسوخها وعنفها، تتفتح على طليعية جعلته علامة مهمة على مفترق الرواية العربية الحديثة”.

المصدر : المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى