منوعات

بعد الردّ الايراني.. “ناتو عربي- غربي” لحماية الاحتلال

انعكست إرتدادات زلزال الردّ الإيراني ضربة استراتيجية مؤلمة على رأس الكيان الصهيوني.. دفعته للتخبط والتردد، فبعدما أسقطت المقاومتان اللبنانية والفلسطينية العقيدة القتالية الهجومية لجيش الاحتلال، والتي أرساها مؤسس الكيان “ديفيد بن غوريون” (نقل المعركة الى أرض العدو)، أتت عملية “الوعد الصادق” الإيرانية ليلة 14 نيسان لتسقط استراتيجية الدفاع الجوي التي طوّرها جيش الاحتلال بكلفة باهظة لسنوات طوال، والتي شهدت تطورًا مفصليًا في منظوماتها بعد حرب تموز 2006، عبر إدخال “القبة الحديدية” في العام 2011، لتضاف الى عدة أنظمة دفاعية متنوعة، منها: “مقلاع داوود”، “حيتس”، “باتريوت”، ومنظومة “الشعاع الحديدي” الليزرية.

ومع تنوع الدفاعات الجوية من حيث المدى وقدرة بعضها على اعتراض أهداف تبعد 300 كلم، عجزت “اسرائيل” ومعها القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية في المنطقة عن صد المسيّرات والصواريخ الإيرانية، ولم تحل دون اختراقها لكل الطبقات الدفاعية التي اعترضتها، ووصولها الى أهدافها بدقة وتمكّنها من تحطيم قاعدتين عسكريتين وفقًا لما أقر به الوزير في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير، والذي فضح بتصريحاته كذب جيش العدو ومحاولات إخفاء خسائره.

هذا الفشل الذريع بالتصدي وضع حكومة نتنياهو في مأزق أمام جمهورها ومستوطنيها، وأحرجها، لذلك سارعت لانتهاج السياسات الإعلامية الآتية:

1-  التعتيم: من خلال التكتم على حجم الأضرار وحصرها وعدم إظهارها للعلن، وذلك ضمن سياسة “سمح بالنشر” التي ينتهجها جيش العدو لإخفاء خسائره منذ بداية عملية “طوفان الاقصى”.

2-  التفشيل: عبر ترويج مزاعم حول النجاج بالتصدي لـ99 % من الصواريخ والمسيّرات الايرانية لتتراجع النسبة لاحقًا الى 84 %، وفي ذلك دليل على حجم الكذب والتدليس “الإسرائيلي”.

3-  التوهين: شن حملة إعلامية لتوهين الردّ الايراني وتسخيفه وإظهاره ردًا “هزليًا” تمهيدًا لرد استعراضي وشكلي لا يورطها مع إيران. وهذا ما ظهر بوضوح في وسائل الاعلام المختلفة التي وصفت الرد بأنه “فيلم” (العربية – قناة الرافدين – سي أن أن عربي..)، أو “مسرحية” (إيلاف – الشروق- اليوم السابع – درج – قناة الغد ..) أو  “مسلسل حرب النجوم” (الرأي الكويتية)، مسلسل من التشويق (الشرق الأوسط).

4- التوظيف: الترويج لفعالية التحالف “الإسرائيلي”- الغربي، وتمجيد “نجاح عملية الاعتراض” بغية توظيف الأمر مستقبلاً لبناء استراتيجيات دفاعية جوية جديدة في المنطقة. وهذا ما تلقفته صحف خليجية؛ فعكسته “الشرق الأوسط”، حينما رأت أن “النجاح الإسرائيليّ والغربيّ أثبت أنه يمكن ابتكار وسائل تكنولوجية حديثة، تكون قادرة على ضرب مبدأ التكافؤ الاستراتيجيّ الذي تسعى إيران لتحقيقه. لتضيف الصحيفة في موضع آخر أن: “رد إيران الهزلي أثبتت أن الدفاع المشترك في المنطقة قابل للتنفيذ، وحتمي..”، تقاطع ذلك مع ما أوردته “الجريدة الكويتية” التي دعت دول الخليج لـ”دعم ثابت للإجراءات الدفاعية لحكومة إسرائيل”؛ بحسب تعبيرها.

من هنا؛ أتت تسمية جيش العدو عملية التصدي للصواريخ والمسيّرات الايرانية باسم “الدرع الحديدي” بما تحوي هذه التسمية من دلالات، سواء لجهة محاولة إظهار قوة وصلابة جيش الاحتلال، والزعم بمواصلة تفوقه لطمأنة المستوطنين، أمام حجم الحدث الايراني، أو لجهة السعي لتوظيف الرد الايراني لتحقيق مكاسب وضمانات أمنية وعسكرية كبيرة من واشنطن منها، تكثيف مساعي الأخيرة لإنشاء ما يشبه “ناتو عربي-إسرائيلي” في مواجهة ايران، تكون إحدى ركائزه تعزيز المنظومات الدفاعية في الخريطة الجغرافية الممتدة من الخليج إلى فلسطين المحتلة، عبر نشر منظومات إنذار مبكر إضافية في القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، واستحداث قواعد ومنظومات إنذار وتصدي للصواريخ الإيرانية، ليكون ذلك بمثابة طبقة دفاعية أولى في الخليج، بموازاة طبقة ثانية في العراق، وثالثة في الأردن وربما مصر أيضًا، حتى تكون الطبقة الأخيرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذا التوجه الذي بدأت مؤشراته تلوح في الأفق وتروج له أقلام وصحف عربية مأجورة؛ يبدو أنه أتى نتاج تقييم وتقدير الموقف “الإسرائيلي” بشأن الرد الإيراني، وما أحدثه هذا الرد من فجوة وانكشاف جوي “اسرائيلي” بدا جليًا من مشاهد الصواريخ والمسيّرات الإيرانية وهي تعبر أجواء فلسطين، فضلاً عن ما تبع ذلك من انكشاف جوي في الجبهة الشمالية بعد ضرب حزب الله “القبة الحديدية” في بيت هيلل، ما عمق المأزق الصهيوني، وتسبب بأضرار فادحة لمنظومات جيش العدو الدفاعية.

أما الخطة الاميركية- “الإسرائيلية” الجديدة لاستعادة الردع بتعزيز منظوماتها الدفاعية، فدونها إشكاليات وعقبات عدة منها:

1- كيفية تسويقها في دول الخليج ومقابل أي أثمان، هل ستكون جزءًا من عملية التطبيع في المنطقة؟

2- عدم ثقة الاميركي و”الإسرائيلي” بجيوش “دول الطوق العربية” ما يمنعهما من تسليمها أسلحة استراتيجية، خشية من انقلابها واستخدامها في مواجهة الجيش “الاسرائيلي”.

3- كيفية إدخال العراق ولبنان وسوريا في هذه الخطة، وما هي الأدوار المرسومة لهما، فهل يكونا ضمن دائرة الإنذار فقط؟. وهل طرح الأمر في اللقاء الأخير الذي جمع، قبل أيام، وزير الخارجي الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني؟ ثم ماذا عن الحركة اللافتة للسفراء الغربيين برفقة الملحقين العسكريين لبلادهم باتجاه قادة الأجهزة الامنية والعسكرية في لبنان؟!

4- الكلفة الباهظة التي ستتكبدها واشنطن لبناء هذه المنظومة مقابل الجدوى الحمائية والفعالية التي ستجنيها منها.

في المحصلة، يبدو أن الغرب لا هم له على الدوام سوى تحقيق أمن “تل أبيب”، وهو سعى وسيسعى لاستخدام الخليج و”دول الطوق” لا سيما مصر والأردن، جدرانًا دفاعية لخدمة أمن “اسرائيل”، بمعنى جيش لحد تكنولوجي عربي، لصد الهجمات الإيرانية واليمنية على “إسرائيل” ما يعني أن الخاسر الوحيد والأول من هكذا تحالف هو غزة وفلسطين، ثم دول الخليج والعرب. أما “إسرائيل” فهي المستفيدة الوحيدة؛ لذلك تحاول أن تأخذ العبر وتبني عليها لحماية مصيرها ومستقبلها وتعزيز أمنها القومي، بعد تهدم أركان استراتيجيتيها الهجومية والدفاعية، بريًا عبر نقل المعركة الى داخلها في “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبحريًا عبر حصار اليمنيين لـ”إسرائيل” في البحر الأحمر، وجويًا من خلال الرد الإيراني في 14 نيسان، كل ذلك مشفوعًا باستنزاف حزب الله الدائم والمتواصل للعدو وكيانه على كل الصعد، ما جعل “بيت العنكبوت الإسرائيلي” مكشوفًا بلا جدران تحميه ولا سقف يأويه.

المصدر: العهد الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى