جنوبيات

“تقطير الزعتر”: صناعة واعدة تُناشد الدولة

يحاول مزارعو «الزّعتر» تطوير زراعتهم نحو التصنيع، بحثاً عن مردود مالي جديد. يدركون أنّ الصّناعة حاجة عصرية في ظل ارتفاع الطلب على المقطّرات في الآونة الأخيرة، واكتشاف قيمة هذه النبتة وفوائدها الصحية المتعدّدة.

وحدها رائحة الزعتر تُرشدك إلى منزل حسين علّيق وزوجته سليمة في بلدة يُحمُر الجنوبية. يعملان في «دقّ وتقطير» الزعتر البلدي. يقف علّيق ساعات طويلة متابعاً عملية تَقطير زهر الزعتر داخل «الكركة». صحيح أنّ العملية تحتاج الى وقت، لكن «عطر الزعتر» الزكيّ يُزيل التعب وفق قوله، وشرب ملعقة منه يقضي على المرض أيضاً.

في المقابل، تُحضّر الزوجة أزهار الزعتر اليابسة، وتقول «ليس كل الزعتر مخصّصاً للتقطير. فقط الزهرة لأنها تحتوي كميّة من الزّيت، وتعطي نوعية جيّدة».

قبل سنوات لم يكن التقطير سائداً أو معروفاً، غير أنّ الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الدواء، دفعت الناس نحو الأعشاب الطبية ومنها الزعتر، ذو الفوائد الكبيرة.

بالفعل، صدق المثل القرويّ القائل: «مونتك ببيتك، ضمانة لعيلتك». هذا ما تفعله سليمة، لافتةً إلى أنّ «الزعتر المقطّر، يدخل في الصناعات الطبيّة، إذ يساعد في تخفيف نزلات البرد والحرارة، كما أنه مدافع شرس عن الجسم في محاربة «كورونا» ومفيد لأوجاع البطن والرأس ويُطهّر الجسم من الإلتهابات». هذه الفوائد دفعت الناس نحو زيادة الطلب عليه، وفق سليمة، التي تربط الأمر بإرتفاع أسعار الأدوية وفقدان بعضها، فالبعض فضّل العودة إلى «طبّ الأجداد»، مردفةً، أنّ «أعشاب الأرض دواء لكل داء».

قبل سنوات، أخذت صناعة تقطير الزعتر في الإنتشار، غير أنّها هذا العام حظيت برواج كبير بين الناس، نظراً لفوائده المتعدّدة. فتلك النبتة كانت محصورة بـ»دقّها وخلطها بالسمسم والسمّاق، لتضاف إليها مكوّنات أخرى كالمكسّرات لتعطيها فوائد صحية أكثر ومذاقاً شهيّاً». تنهمك «الحاجة» سليمة في دق الزعتر بمعونة أحفادها. ترفض دقّه في «الجاروشة»، كما تفعل الأخريات، «كي لا يفقد الزعتر نكهته ومذاقه الحاد، فأنا أفضّل استعمال المدقّة».

في هذا السّياق، تشهد القرى الجنوبية إنطلاقة واعدة لصناعة المقطّرات. لم يكتف ِعلّيق بتقطير الزعتر، بل بدأ تقطير الورد وزهر الليمون، معوّلاً على تبدّل الذهنيات في الإنتاج الغذائي، إذ يرى أنّ «الناس تتجه نحو الإنتاج البلدي المصنّع يدويّاً». غير أنّ الصناعات الزراعية الصغيرة تحتاج الى اهتمامٍ ولفتةٍ من قبل وزارة الزراعة. في المقابل، لم يحصل علّيق على أيّ دعم، معلّقاً: «يحفزّوننا على الزراعة والصناعة، ولكن أين الدعم؟ كيف نطوّر أعمالنا».

أمّا سليمة فتؤكّد أنّ «البيت من دون الزعتر لا قيمة له. إذا ضاقت الظروف، يأكل المواطن زعتر وزيت». وحول طريقة تقطير الزعتر يشرح علّيق: «نضع زهر الزعتر اليابس في جرن الكركة الأول والمياه في الجرن الثاني، ونُشعل النار تحته، ومع مرور الوقت يبدأ التقطير نقطة نقطة».

يضيف: «كلّ كيلو زعتر يُنتج عبوة مقطرة ذات اللون الأبيض الذي يتحوّل بعد أيام إلى اللون الزهري». رائحة الزعتر وتحديداً المُقطّر تلف المكان. فأيام الزعتر طويلة في هذا المنزل، أَلفَ سكانه هذه العطور الصحيّة، بل تحرص «الحاجة سليمة» على أن يتعلّم أحفادها هذه الطقوس القروية التقليدية الجميلة، لأنها الضمانة الدائمة لخبايا المستقبل. وكما تعتبر أنّ «المونة جزء من التراث، وهجرتها تعني هجرة الوطن». تعتمد سليمة على معارض المونة وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي في تسويق إنتاجها. وصل صيت زعترها إلى أوروبا والدول العربية، عبر المغتربين الذين يعشقون المونة البلدية، ويعدّ دافعاً مهمّاً في إنعاشها وتطوير هذه المزروعات والصناعات التي تعزّز بقاء الأهالي في أراضيهم.

المصدر: رمال جوني- نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى