“لجان الطاعة” الإسرائيلية وعسكرة الجامعات.. تضييق ممنهج على الطلبة الفلسطينيين
كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اعتماد الاحتلال نظام “العسكرة” داخل مُؤسسات “التعليم العالي” في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، والتي ترى أنها جزء من أذرع “إنفاذ القانون”، مثل “الجيش” و”الشرطة” والمحاكم وغيرها. وقد انعكس هذا السلوك بشكل مباشر على الطلبة الفلسطينيين الموجودين في مؤسسات التعليم التابعة للاحتلال، واضعاً مستقبلهم الأكاديمي والمهني على المحك.
مؤخراً، وبعد ملحمة السابع من أكتوبر، برزت ممارسات أكثر عدائية في مؤسسات “التعليم العالي” الإسرائيلية ضد الطلبة الفلسطينيين. وقد انعكس التوجه السياسي من خلال تجول الطلبة الإسرائيليين بزيِهم العسكري وبرشاشات محمولة على أكتافهم، وذلك بعد مطالبة الاتحاد العام للطلبة الجامعيين الإسرائيليين الحكومة بتشكيل “فرق تأهب”، وهي مجموعة ميليشيات تهدف إلى تسليح الطلبة الإسرائيليين وإنشاء غرف تجسس على حسابات الطلبة الفلسطينيين.
“لجان الطاعة” الإسرائيلية في الجامعات
تندرج لجنة “الطاعة” ضمن إطار مكتب رؤساء الجامعات الإسرائيلية، ويمكن تقسيم القضايا التي تعالجها هذه اللجنة إلى نوعين؛ الأول هو قضايا أكاديمية تتعلق بسلوك الطلاب الأكاديمي. أما الثاني، فهو قضايا تتعلق بالحيز العام للطالب الجامعي.
تعد لجان الطاعة التهديد الأكبر الذي تستخدمه المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية للتضييق على الطلاب الفلسطينيين وعزلهم عن العمل السياسي، فما لا يتمكن جهاز الاستخبارات من فعله، لا تُقَصّر في عمله إدارة الجامعة من خلال إنشائها ما يسمى بـ”لجان الطاعة” وتهديد الطلاب بالفصل. وبناء عليه، يمكن اعتبار التحقيق لدى “لجان الطاعة” كأي تحقيق في الشاباك أو الشرطة، إذ تتم مُساءلة الطلبة على توزيعهم مناشير سياسية مثلاً أو على مشاركتهم في تظاهرات ورفع شعارات أو على أي قضية قد يلفقونها بأنفسهم.
حال الطلبة بعد “طوفان الأقصى”
ما بعد العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة، أصبحت تهمة التحريض على الطلبة الفلسطينيين تتصدر المشهد في “لجان الطاعة”؛ فقد اعتمدت العديد من الادعاءات التي تُوجهها “لجان الطاعة” إلى الطلبة على ترجمات خاطئة ومشوهة لمنشورات الطلبة من اللغة العربية إلى اللغة العبرية.
فضلاً عن ذلك، جزء كبير من ادعاءات اللجان ضد الطلبة اعتمد على تفسيرات مُنحازة للمنشورات من وجهة نظر أعضاء اللجنة؛ تلك التي تهدف إلى إدانة الطلاب بدلاً من استيضاح الدلالة والمعنى منها، وبالتالي اعتبار تفسيرات أعضاء اللجنة التفسيرات الوحيدة الصحيحة، مع رفض أي تفسير آخر يطرحه الطاقم القانوني أو الطلبة، ما يضطر المحامين في المراكز القانونية والحقوقية في بعض الحالات إلى الاستعانة والاستشهاد بآراء مُتخصصين في العلوم الدينية، اللغوية أو السياسية، لتفكيك تفسيرات “لجان الطاعة” وادعاءاتها.
علاوةً على هذا كُله، برز في “لجان الطاعة” عدم الفهم للسياق السياسي والاجتماعي الفلسطيني، إذ إن المُداولات في كل الإجراءات تجري من وجهة نظر إسرائيلية بحتة، من دون أي مُحاولة من طرف اللجنة لفهم أو إدراك تجربة الطالب الفلسطيني أو آرائه السياسية تجاه الاحتلال أو الحصار المفروض على قطاع غزة.
تجارب طلبة فلسطينيين مع لجان الطاعة
الطالبة ا. غ التي تبلغ 21 عاماً، في جامعة حيفا، وهي إحدى الجامعات الإسرائيلية التي يوجد فيها طلبة فلسطينيون، كانت قد تلقت كتاب فصل من الجامعة بعد “طوفان الأقصى”، وذلك على خلفية ما اعتبروه “دعم الإرهاب في وسائل التواصل الاجتماعي” من جراء نشرها قصة على تطبيق الإنستغرام. وقد تم اعتقالها بعد مرور شهرين على النشر لمدة 5 أيام في سجن الدامون بعد التحقيق معها لمرتين.
تقول ا. غ للميادين نت: “جلسة لجنة الطاعة في نظري كانت مذلة. تتم محاسبتنا لكوننا فلسطينيين، ولأفكار يمكن تحليلها بطرق مختلفة، لكنهم قرروا تحليلها بمنطق يجعلنا داعمين للإرهاب وفق قولهم، ووجودنا يشكل خطراً داخل إطار الجامعة”.
وتُضيف: “حتى يومنا هذا، لم تتخذ الجامعة قراراً بحقنا، لكن الوضع هناك سيئ جداً، فمنذ عودتنا إلى التعليم بالجامعة، قامت نقابة الطلبة الإسرائيليين بتنظيم تظاهرة ضدنا -ضد داعمي الإرهاب- وقاموا بتوقيع عريضة طالبوا فيها الجامعة بفصلنا بشكل نهائي. وعليه، أعيش بحالة توتر دائمة، وأحاول أن لا أمشي وحدي داخل الجامعة، فأنا لا أعرف من يمكن أن يتهجم علي، إذ إن غالبية الطلبة الإسرائيليين مسلحون”.
وحول سؤال مواجهة هذه الطالبة لهذه الإجراءات المُتخذة بحقها وطريقة تعاملها معها، تُجيب: “مع كل التوتر والضغط النفسي الذي أعيشه، إلا أنني سأستمر بالقتال لكي أخذ حقي ولن أستسلم، فقد تكون داخلي حالة من الغضب والحقد الشديد على هذه المؤسسة والمنظومة الإسرائيلية الكبيرة، والتي تُعتبر الجامعة جزءاً أساسياً منها، ولن يجعلوني أخاف أو أخضع لكوني فلسطينية”.
وفي تجربةٍ أُخرى، تعرضت الطالبة ج. إ، وهي طالبة هندسة كهرباء في السنة الثالثة، للفصل لمدة 3 سنوات من التعليم في كلية شنكار الإسرائيلية الواقعة في مُستعمرة تل أبيب، بعد مرورها في لجنة طاعة على خلفية نشرها قصة في تطبيق إنستغرام، وذلك بالرغم من حذفها هذه القصة بعد مرور أقل من 15 دقيقة.
تقول ج. إ للميادين نت: “خلال مروري بجلسة لجنة الطاعة، كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أشعر بها بأنني بحاجة إلى إثبات إنسانيتي، فقد اتهموني بشكل مباشر بأنني أقبل بقتل الأبرياء وباغتصاب النساء وتشويه الأطفال، وبأنني تسببت بجرح مشاعر الطلبة الإسرائيليين، وبالضرر للطلبة الفلسطينيين، إلى درجة أنهم حاولوا خلق شرخ بيني وبين زملائي الفلسطينيين عبر قولهم بأن زملائي يشعرون بالخوف مني، ويعتقدون بأنني يجب أن لا أكون معهم في الجامعة”.
وتُضيف: “بعد انتهاء الجلسة، وأثناء خروجي من باب القاعة، وجدت الطالب الذي بدأ بحملة التحريض والشكوى ضدي على المجموعة الخاصة بطلبة الكلية. وقد كان يرتدي الزي العسكري، وكان مسلحاً، إذ إنه صاحب رتبة عالية بالجيش الإسرائيلي، وكان يتحدث إلى أعضاء الجلسة وكأنه شريك معهم في القرار”.
الطلبة والحرب القانونية
أدى مركز “عدالة”، بصفته مركزاً قانونياً لحقوق الإنسان تأسس في العام 1996 من أجل دفع وتعزيز حقوق الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 48، دوراً مركزياً خلال الحرب الجارية على قطاع غزة في الدفاع عن حقوق الطلبة الفلسطينيين الذين تعرضوا لحملات تحريض ممنهجة خلال مسار التعليم داخل الجامعات الإسرائيلية؛ فمنذ السابع من أكتوبر، ترافع مركز عدالة عما يقارب 100 ملف خاص بإجراءات لجان “طاعة” مقدمة بحق طلبة فلسطينيين في 35 مؤسسة أكاديمية مختلفة.
يقول المحامي في مركز عدالة عدي منصور للميادين نت: “ما يحدث منذ السابع من أكتوبر يؤسس لواقع جديد يراكم على مفاهيم العنصرية الموجودة جوهرياً في المنظومة القانونية الخاصة بدولة الاحتلال، وهي منظومة تعتمد على الفصل العنصري. ومن خلالها، تم فرض واقع مشابه للحكم العسكري، وبالتالي المشهد الحالي السائد هو مشهد يعتبر فيه الفلسطيني مشتبهاً وسط حالة من الخوف والترهيب المستمر، فالفلسطيني اليوم يخاف حتى أن يفكر، وليس أن يكتب أو يشارك أو ينتقد ما يجري على أرض الواقع فحسب”.
وعن التحريات التي يواجهها الفلسطينيون في الداخل المحتل في هذا السياق، والتي تعد تحديات وجودية، يقول منصور: “التحديات المركزية التي تواجه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 48 تتعلق بمفهوم الوظيفة والتعليم بصفتها مفاهيم أساسية تحولت إلى جزء من صيرورة الوجود والصمود الفلسطيني في ظل واقع مركب تنعدم فيه القوة والتأثير السياسي للفلسطينيين، وبالتالي يصبح التعليم وسيلة صمود أساسية تساهم في تعزيز البقاء والنضال للفلسطينيين ضمن منظومة الفصل العنصري التي يعايشونها”.
والجدير بالذكر أن “إسرائيل”، ومنذ لحظة السابع من أكتوبر، تستخدم القوانين المدنية الإسرائيلية ضمن حالة طوارئ، وليس عبر قوانين الطوارئ، بمعنى أن القوانين المدنية التي كانت محدودة، والتي تخضع لسلطة الرقابة القانونية، تم توسيع رقعتها ليتم إعادة استخدامها بشكل جارف وواسع، مثل قانون مكافحة الإرهاب الذي تم سنّه عام 2016، وجرى الاعتماد عليه لإدانة الالاف الفلسطينيين بتهم “التحريض” أو ” التماهي مع التنظيمات الإرهابية” .
ثمة جبهات حروب متنوعة يواجها الفلسطيني؛ الحرب على الجسد، والحرب على الصوت، والحرب على الكلمة، وجميعها يندرج تحت إطار الحرب على الوجود الفلسطيني في كل سياقاته وأشكاله، والذي لا معيل له إلا وعيه وقدرته على المقاومة والصمود.
المصدر: الميادين