حول العالم

كيف تأثرت العلاقات الصينية – الإسرائيلية بالحرب على غزة؟

على الرغم من أنّ موقف الصين من الحرب على غزة لم يخرج حتى الآن عن إطاره المألوف، إلا أنّ “إسرائيل” أبدت انزعاجاً واضحاً من موقف بكين، والذي تراه منحازاً إلى الشعب الفلسطيني، وهو ما انعكس بشكلٍ جلي على العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانين.

وكانت الصين قد تعرّضت لانتقادات شديدة من “إسرائيل” لعدم إدانتها ما قامت به حركة “حماس” في عملية “طوفان الأقصى”، إلى جانب تأكيدها على لسان وزارة خارجيتها، أنَّ الغارات الجوية الإسرائيلية “تجاوزت الدفاع عن النفس”، وأدانتها باعتبارها “عقاباً جماعياً”. كما تنقم ” تل أبيب” أيضاً على بكين تشديدها المتواصل على ضرورة التوصل لتسوية شاملة وعادلة، تقوم على “حلّ الدولتين”.

وعلى الرغم من أنّ الصينيين والإسرائيليين غالباً ما نجحوا عموماً في فصل خلافاتهم السياسية عن علاقاتهم الاقتصادية، إلا أنّ موقف الصين المؤيد للفلسطينيين على نحوٍ متزايد خلق توتراً كبيراً في العلاقات الثنائية، أثّر بطبيعة الحال على التعاون بين الجانبين.

استبعاد للوجود الصيني

منذ بداية العقد الماضي، انتهجت الحكومات الإسرائيلية سياسةً واضحة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين في مجالات الابتكار والاستثمار والمشاريع والتجارة. إلا أنّ موقف الصين من الأحداث في غزة، تسبب بموجةٍ من الانتقادات من مراكز الأبحاث الإسرائيلية تجاه بكين، وخاصةً بما يتعلق بمشاركتها في البنية التحتية لـ”إسرائيل”.

وفي هذا الصدد، ذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنّ لجنة المناقصات في شركة الموانئ الإسرائيلية استبعدت، الأسبوع الماضي، الشركة الصينية “تشاينا هاربور” من المنافسة على مناقصة لإنشاء ميناء تقطير في خليج حيفا. ويعود سبب الاستبعاد، كما نشر، إلى مصالح “الأمن القومي لإسرائيل”.

وأشار المعهد إلى أنّ الشركة الأم لـ “تشاينا هاربور”، شركة إنشاءات الاتصالات الصينية، مدرجة على “القائمة السوداء” الأميركية للمشاركة في مشاريع تساعد الصين على توسيع موطئ قدمها في بحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، فإنّ “تشاينا هاربور” معروفة في “إسرائيل” بشكلٍ رئيسي من خلال شركتها الفرعية، شركة “بان ميديترينيان” الهندسية (PMEC)، التي بنَت الميناء الجنوبي ووسعت الرصيف 21 في ميناء “أشدود”. وتمتلك “بان ميديترينيان” أيضاً نحو 34% من الأسهم في محطة توليد الطاقة الإسرائيلية “Alon Tavor”.

ووفق معهد الدراسات الإسرائيلي، جاء استبعاد “تشاينا هاربر” من المشاركة في المناقصة في أعقاب سلسلة من المقالات في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي انتقدت انخراط الشركات الصينية في البنية التحتية الإسرائيلية، وخاصةً في ميناء حيفا، الذي تديره مجموعة موانئ شنغهاي الدولية.

وأشار المعهد إلى أنه على الرغم من “الغضب الكبير” في “إسرائيل” تجاه الحكومة الصينية، نظراً لسلوكها وردود فعلها على حرب غزة، “يجب على المرء أن يكون حريصاً على عدم الإضرار بالمصالح المستقبلية لإسرائيل”، مؤكداً أنّ “الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والشركات الصينية لديها قدرات رائدة في مجالات معينة، بما في ذلك بناء البنية التحتية”. كذلك، شدد على أنّ “إسرائيل لا تسطيع قطع علاقاتها مع الصين”.

عقوبات غير معلنة

إلا أنّ التدهور في مجال التعاون الاقتصادي بين الجانبين مؤخراً لم يقتصر على ذلك، بل تجاوزه إلى التعاون التكنولوجي، حيث كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أنّ الصينيين بدأوا في الآونة الأخيرة وضع “عقبات بيروقراطية أمام الشحنات المرسلة إلى إسرائيل”، ولا سيما المستوردة من مصانع التكنولوجيا.

وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أنّ العقبات الصينية يجري وضعها على المكونات التي تستخدم لأغراضٍ عسكرية وفي بعض الأحيان مدنية. ونقل مسؤول إسرائيلي أنّ “هذه العقبات لها صلةٌ بالحرب”. كما لفتت إلى أنّ الحرب تُواجه مصانع الإلكترونيات والتكنولوجيا الفائقة في “إسرائيل”، ولا سيما من حيث استيراد المكونات الإلكترونية من الصين، علماً أنّ هذه العناصر “ضرورية للأغراض المدنية والعسكرية على حدٍ سواء”.

وعلى الرغم من أنّ المورّدين الصينيين، لم يعلنوا عن أي عقوبات ضد “إسرائيل” بشكلٍ رسمي، ولكن في الواقع، يبدو أنّ هناك نوعاً من العقبات البيروقراطية، إذ بدأ الموردون الصينيون يُطالبون باستكمال العديد من الاستمارات، ما تسبب في تأخير الشحن، بسبب ملء الأوراق بشكلٍ غير دقيق، والنتيجة هي تحدياتٍ في الحصول على الإمدادات الضرورية، وفق الإعلام الإسرائيلي.

وهذا الأمر دعا كلاً من وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد في كيان الاحتلال، إلى التواصل مع الصينيين، من أجل حلّ تلك المسألة. ورأى الإعلام الإسرائيلي أنّ الحكومة الصينية اتخذت بشكلٍ “لا لُبس فيه موقفاً مؤيداً للفلسطينيين في الحرب”.

وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أنّ الموردين في الصين، لديهم أعذار مثل الحصول على تراخيص تصدير، “وهذا الأمر لم يكن موجوداً من قبل”، ويطالبون بملء استمارات ما أدّى إلى تأخّر كبير في الشحن.

ضغوط أميركية

وتجدر الإشارة إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تراجع الاستثمارات الصينية في “إسرائيل” بشكلٍ لافت في السنوات الأخيرة، حيث مارست واشنطن ضغوطاً على “إسرائيل” للانسحاب من متابعة الصفقات مع بكين التي تتعلّق بمشاريع البنية التحتية وتحلية المياه.

فقبل 4 سنوات، خسرت شركة “هاتشيسون” الصينية امتيازاً لإقامة مصنع لتحلية مياه البحر جنوبي “تل أبيب”، وذلك بعد ضغطٍ أميركي كبير مورس على “إسرائيل” بلغ ذروته خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، للأراضي المحتلة، والتي التقى خلالها برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وقال بومبيو في حينها، إنّ “الصين تعرّض مواطني إسرائيل للخطر”، معبراً عن قلق بلاده من الاستثمارات الصينية في مختلف أنحاء العالم. وأوضح بومبيو أنّ واشنطن “لا تريد أن يسيطر النظام الصيني الشيوعي على البنى التحتية في إسرائيل وأجهزة الاتصالات”، مؤكداً أنّ “كل ما يعرّض مواطني إسرائيل للخطر يجب إيقافه، لأن ذلك يؤثر على طبيعة العمل والتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة في مشاريع هامة”.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى