سفير روسيا في لبنان للميادين نت: واشنطن تمارس”أنانية النهج” ولا تعمل لردع “إسرائيل”
قال السفير الروسي في لبنان، ألكسندر روداكوف، إن “نفاق الولايات المتحدة يلفت الانتباه، مرة أخرى، فواشنطن لا تتكلم إلا عن ضرورة وقف الأعمال العدائية في قطاع غزة، فيما يواصلون إمداد “إسرائيل” بالأسلحة والمعدات العسكرية، ويعرقلون جميع قرارات الأمم المتحدة التي تتضمّن وقفاً فورياً لسفك الدماء”
وأكد في مقابلة مع الميادين نت أنه “من المستحيل عدم ملاحظة “المعايير المزدوجة” التي تتبعها الولايات المتحدة. فلم يسمع أحد من واشنطن إدانة واحدة واضحة للهجمات الصاروخية العشوائية على المناطق السكنية في غزة، والتي تسببت في مقتل (استشهاد) عشرات الآلاف من الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال”.
وفي المضمار، استطرد ليقول “لكن بالمقابل، عندما يتمكّن الجيش الروسي، بدقة جراحية، من طرد النازيين في كييف من مخابئهم، ومن دون وقوع إصابات بين السكان المدنيين في أوكرانيا، تبدأ كل وسائل الإعلام الغربية بعصبية شديدة، في النفخ بأبواقها”.
تعزيز النموذج الاستعماري الجديد للعالم
وأضاف “إن الأحداث المأساوية في الشرق الأوسط هي نتيجة سياسات واشنطن الخطيرة وقصيرة النظر. ومن الخطأ أن تتصور أن المصالحة بين “إسرائيل” والدول العربية على أساس اقتصادي، من الممكن أن تحل محل التسوية النهائية الدائمة للمشكلة العربية -الإسرائيلية”.
السفير المخضرم، وصّف الوضع مؤكداً “أننا نرى غياب الرغبة الصادقة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها من دول الغرب في الوقف الفوري لإراقة الدماء في غزة، وهي التوجهات المغرورة نفسها للتدخل في شؤون الدول الأخرى. ولتعزيز النموذج الاستعماري الجديد للعالم يتم وضع الأهداف الجيو- سياسية المغرورة في المقدمة، من دون أدنى اعتبار لمصالح الدول والشعوب الأخرى”.
تحذير من تفاقم الوضع في غزة
وأردف قائلاً إن بلاده “حذرت من خطورة مثل هذه التطلعات قبل فترة طويلة، من بدء التفاقم الحالي للأوضاع في الشرق الأوسط، فموسكو تحافظ على اتصالات مع جميع الأطراف، وتحثهم على ضبط النفس ومنع تصعيد الأعمال العدائية في جميع أنحاء المنطقة وبفضل جهودنا، تم إطلاق سراح بعض الرهائن، ونحن نواصل هذا العمل”.
بالتوازي، فإن القيادة الروسية تبذل “جهوداً حثيثة على المستوى الدولي، حيث نسعى كأول خطوة عاجلة في الأمم المتحدة، إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، والاستئناف الكامل للدعم الإنساني لسكان قطاع غزة”.
القيادة الروسية ودبلوماسيتها تؤكد ما أعلنه وزير خارجيتها منذ يومين، خلال أعمال منتدى “فالداي” الدولي للحوار، في موسكو، مشدداً “على عدم وجود آفاق للاستقرار في قطاع غزة مع قرار إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية في رفح.”
وفي ظل “التهديد الإسرائيلي” بدخول رفح والتحذيرات الأممية من تداعيات ذلك، رأى روداكوف “أن ما يحدث الآن في غزة يجري بتواطؤ ومساعدة الولايات المتحدة، ويحمل كل علامات العقاب الجماعي لسكان القطاع. ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لمثل هذا العدوان العشوائي”.
وحول التمادي في انتهاك شرعة حقوق الإنسان، شدد على أنه “بالنسبة إلى الغرب، غالباً ما يتم تقديم ادعاءات كاذبة حول موضوع انتهاك حقوق الإنسان في بلدٍ معين، كذريعة للتدخل الصارخ في شؤونهم الداخلية”.
وأضاف أن المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية، لا يمكن حلّها بالقوة. ويجب أن يكون أساس تسويتها إقامة دولة فلسطينية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
أنانية النهج الأميركي والغربي
في ظل ما يجري فإن المقارنة بين تعاطي الأميركيين والغرب مع العدوان على غزة والأزمة الأوكرانية، تؤكد “أنّ التشابه الرئيسي هو أنانية النهج، والرفض الكامل لمراعاة مصالح الأطراف الأخرى المعنية. وهذا يفضي في النهاية إلى التصعيد. ومع ذلك، تعتمد الولايات المتحدة منذ البداية على حل المشكلات بالقوة”.
كالعادة، تتجاهل واشنطن تماماً المبادئ الأساسية للشرعية الدولية والمساواة في السيادة بين الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. ولا تحترم الاتفاقات التي تم التوصل إليها. فالأميركيون ينفذون خطواتهم الأحادية على أساس ما يسمى “القواعد” التي يخترعونها لأنفسهم على عجل”، يعقّب روداكوف.
جعل المدنيين أهدافاً عسكرية غير مقبول
وشدد السفير الروسي على “أن جَعْلَ المدنيين أهدافاً عسكرية في غزة، أمر غير مقبول على الإطلاق. فهم يتمتعون بحماية القانون الإنساني الدولي. وهذا ينطبق على أي صراع مسلح، سواء كان ذلك في قطاع غزة أو في منطقة العمليات العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن نظام كييف “يُظهر عدم القدرة الكاملة على الامتثال، لأي شرعية دولية. لقد كنا مقتنعين بذلك منذ وقت طويل، حتى في مرحلة محاولاتنا لحل الصراع سلمياً، بما في ذلك من خلال اتفاقيات مينسك”.
“الدمى الأوكرانية” تدعم قتل الأطفال في غزة
وفي الإطار، شرح أن ما سماه “الدمى الأوكرانية” لا تدعم قتل الأطفال والنساء (في غزة) فحسب، بل يفعلون ذلك بطريقة مباشرة، فالهجمات العشوائية الدموية على السكان المدنيين في دونباس تستمر منذ سنوات عديدة. وكان أحد أحدث الهجمات الإرهابية هو الهجوم، على مخبز في مدينة ليسيتشانسك في 3 شباط/ فبراير. وقُتل ما لا يقل عن 28 شخصاً، من بينهم امرأة حامل وطفل يبلغ من العمر 5 سنوات”.
وذكّر أيضاً أن “الهجوم الإرهابي الذي وقع في 24 كانون الثاني/يناير يتحدى أي تفسير. فقد تم إسقاط طائرة روسية بأسلحة أميركية الصنع، كانت تنقل أسرى حرب أوكرانيين لتبادلهم فقُتِل 74 شخصاً، من بينهم 65 أوكرانياً، وهنا، على الغرب أن يفتح عينيه ليرى الأغراض التي تُنقل فيها الأسلحة إلى أوكرانيا”.
الأوروبيون لا يستخلصون العبر
وحول السؤال عن التبعية الأوروبية لواشنطن في كل ما يجري أجاب: “في أوروبا، لا يستخلصون أي استنتاجات من دروس التاريخ. فالساسة الأوروبيون بغالبيتهم يميلون مرة أخرى إلى جانب الشر، وخضوعهم الأعمى لواشنطن يؤدي إلى فقدان سيادة بلدانهم، ويضر باقتصادهم، ويضع عبئاً على أكتاف شعوبهم”.
وعقّب قائلاً: “كل هذا يكشف عن الطبيعة الاستعمارية الجديدة للمقاربات الأميركية في السياسة الخارجية. واشنطن لا ترحم حتى حلفاءها. فبلدانهم هي أيضاً مجرد نوع من قاعدة الموارد بالنسبة إلى الأميركيين”.
دول الغرب تريد هزيمة روسيا
وفي معرض إجابته عن السبب في إطالة أمد الصراع قال إنّ دول “الغرب الجماعي” لا تتباطأ في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، لتحقيق الهدف المنشود المتمثل في هزيمة روسيا أو إلحاق أكبر قدر من الضرر بها”.
وقال موضحاً: “في العامين الماضيين، خصص الغرب أكثر من 200 مليار دولار لأوكرانيا لأغراض عسكرية. وعلى سبيل المقارنة، فإن الاتحاد الأوروبي خصص أقل من 80 مليار دولار للدعم الإنساني لدول جنوب وشرق الكرة الأرضية، لمدة 7 سنوات”.
لا إطار زمنياً للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
ورأى أنه “لولا التقدم العدواني لحلف شمال الأطلسي نحو الشرق، لما نشأ الصراع. ولولا استمرار التدخل من جانب الغرب، بعد بدء العملية العسكرية الخاصة، لكان حل المشكلة قد عاد منذ فترة طويلة إلى القناة السياسية والدبلوماسية”.
وحول أحادية القرار الموجه من أميركا، ومدى استمرارية ذلك في العالم، أجاب روداكوف: “بعد الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز هيمنتها الكاملة على بقية العالم في جميع المجالات. وتم إنشاء نظام يتمحور حول الغرب للعلاقات بين الدول. ومع ذلك، لم يتمكن الأميركيون من ضمان إمكانية حل جميع القضايا الناشئة في الشؤون الدولية. وبصراحة، هم لم يسعوا إلى هذا”.
وختم قائلاً: “لذلك، نشأ مطلب قوي للتغيير نحو الأفضل في المجتمع العالمي. الآن تشهد العلاقات الدولية تحوّلاً كبيراً. هناك انتقال إلى التعددية القطبية. يتم التعبير عن هذه العملية، التي لا رجعة فيها، في التخلي التدريجي عن النموذج الاستعماري الجديد للعالم، لعدد متزايد من الدول ذات السيادة. وفي الوقت نفسه، فإن رفض الهيمنة الغربية من قِبَل لاعبين دوليين مؤثرين آخرين يؤدي إلى الأزمات، وزيادة التوتر وزعزعة الاستقرار، كما يحدث في أوكرانيا، والشرق الأوسط، وعدد من المناطق الأخرى”.
المصدر : الميادين