الحرب على غزة… هل تخسر “إسرائيل” التطبيع مع المغرب؟
أعلنت شركة الطيران الإسرائيلية “إل عال” في 5 شباط/فبراير الجاري أنها ستوقف رحلاتها الجوية إلى العاصمة الإيرلندية دبلن وإلى مراكش في المغرب، بسبب مواقف الدولتين من “إسرائيل” في إثر الحرب المتواصلة على قطاع غزة.
توقّف الرحلات الجوية بين “تل أبيب” والرباط لم يكن سببه موقف المغرب من الحرب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة فحسب، لكنه يعكس، إضافة إلى جملة مؤشرات أخرى، أن قطار التطبيع مع المغرب لم يعد يسير بالوتيرة نفسها التي كان عليها قبل بدء معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الأمر الذي إلى طرح التساؤل التالي: هل خسرت “إسرائيل” التطبيع مع المغرب؟ وهل يمكن إعادة إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي، ولا سيما في ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية، على غرار ما حدث عام 2000 عقب اندلاع انتفاضة الأقصى.
تميز التطبيع بين “إسرائيل” والمغرب قبل اندلاع معركة طوفان الأقصى بخصوصية متفردة، وهي حصول طفرة كبيرة جداً في توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ذات البعدين الأمني والعسكري، والذي كان أكثر نشاطاً وحراكاً خلال عام 2023. وقد تلقى المغرب أول أنظمة الدفاع الجوي (باراك إم إكس المصنعة من قبل شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية IAI). وكان لافتاً خلال مناورات “الأسد الأفريقي 2023” بالمغرب في نسختها الـ19 التي جرت في حزيران/ يونيو الماضي مشاركة مجموعة من لواء غولاني الإسرائيلي للمرة الأولى.
شهد المغرب في النصف الأول من العام 2023 زيارات لمسؤولين إسرائيليين شملت 4 وزراء (الداخلية، النقل، الصحة، التعليم العالي) و3 مسؤولين عسكريين كبار ورئيس الكنيست، وتخللها توقيع اتفاقيات تعاون في القطاعات العسكرية والاقتصادية والصحية والزراعية والنقل والتعليم العالي والشأن البرلماني والسياسي.
على تلك الوتيرة الحاصلة من الاتفاقيات بين المغرب “وإسرائيل”، كان من المتوقع أن يمضي قطار التطبيع بينهما إلى أبعاد أخرى، كأن تتم ترقية التمثيل الدبلوماسي ويستبدل مكتب الاتصالات الإسرائيلي في المغرب بافتتاح سفارة إسرائيلية، وأن تُعقد قمة منتدى النقب الثانية في المغرب، وأن تجد تل أبيب موضع قدم لإنشاء قاعدة عسكرية هناك قرب حدود المغرب مع الجزائر وإسبانيا، وأن يُلبي رئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو دعوة رسمية من ملك المغرب محمد السادس لزيارة المغرب عقب اعتراف “إسرائيل” بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
ألقت تداعيات معركة طوفان الأقصى العابرة للجغرافيا الفلسطينية بثقلها، وعطلت وجمدت جملة تحركات كان قطار التطبيع بين المغرب و”إسرائيل” يسير نحوها. وبدلاً من ترقية التمثيل الدبلوماسي من مكتب اتصالات إلى سفارة، غادر موظفو مكتب الاتصال الإسرائيلي، بمن فيهم مديره ديفيد غوفرين، الرباط في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بأمر من وزارة الخارجية الإسرائيلية التي رفعت تحذيرها من السفر إلى المغرب إلى المستوى الثالث، ونصحت رعاياها بتجنب السفر غير الضروري إلى المملكة، إضافة إلى تعليق زيارات مسؤولين إسرائيليين آخرين إلى المغرب.
تراجع مؤشرات التطبيع وتعطل خطواته بين المغرب و”إسرائيل”، كمغادرة موظفي مكتب الاتصالات الإسرائيلي للرباط، لم يكن تفادياً للإحراج الدبلوماسي أو تجنباً لتكرار إغلاق مكتب الاتصالات كما حدث عام 2000، بقدر ما يعكس تبلور مرحلة جديدة في مسار التطبيع بين المغرب و”إسرائيل” أفضت إليها معركة طوفان الأقصى، وهي مرحلة لا تخلو من المعوقات التي ترافقها أيضاً جملة من التحولات، وإن بدت محدودة في موقف المغرب من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة. والثابت هنا أننا أمام منعطف مفصلي واختبار حقيقي لمستقبل التطبيع عموماً، ومع المغرب على وجه الخصوص.
خصوصية المغرب صوب مسار التطبيع ومآلاته، لا سيما في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أن المملكة تترأس لجنة القدس التي انبثقت من المؤتمر السادس لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في جدة بين 12 و15 تموز/يوليو 1975، ومهمتها حماية القدس الشريف، من خلال التصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الطابع العربي الإسلامي للقدس ومتابعة تنفيذ القرارات التي تتخذها مؤتمرات المنظمة.
تجاوز المغرب مفارقة الجمع بين رئاسة لجنة القدس وتوقيع اتفاقية تطبيع مع “إسرائيل”، ولكن إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية على المعركة الحاصلة تسمية معركة طوفان الأقصى له دلالات هامة لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها، الأمر الذي لا يتيح للملكة مواصلة التطبيع بالوتيرة نفسها، وهذا ليس المعوق أو المحدد الوحيد، فمنذ انطلاق معركة طوفان الأقصى تصاعدت التحركات الشعبية المغربية المطالبة بوقف التطبيع ودعم فلسطين وإدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
أظهرت التظاهرات الشعبية التي تشهدها مختلف المدن المغربية منذ بدء معركة طوفان الأقصى، وتحديداً المسيرة التي نظمت في الرباط يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أن الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي تتضامن مع غزة، وأن القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع لا تزال تشكل عناصر موحِّدة بين القوى السياسية المغربية المختلفة.
وتذهب استطلاعات الرأي إلى أن نسبة المغاربة الذين يقولون إن القضية الفلسطينية قضية عربية ارتفعت من 59% عام 2022 إلى 95% عام 2024. وتشير الاستطلاعات إلى أن المغرب شهد زيادة كبيرة في الرأي العام المعارض للاعتراف “بإسرائيل” من 67% عام 2022 إلى 78% في مطلع كانون الثاني/يناير 2024.
تجلت مؤشرات المحدد الشعبي المغربي وتأثيراته في مسارات التطبيع في العريضة التي أطلقتها شخصيات مغربية رفيعة في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والتي تطالب المملكة بإلغاء كل اتفاقيات تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، معتبرة أن “استمرار التطبيع لا يزيد الكيان الصهيوني إلا تعنتاً وغطرسةً وإمعاناً في القتل والتهجير والإجرام”، ومطالبة بالإغلاق النهائي لمكتب الاتصال الإسرائيلي والسحب النهائي لمكتب الاتصال المغربي في “تل أبيب”.
التقط المغرب الغضب الشعبي الحاصل وبلور مواقفه بناء على محددين؛ الأول هو عدم تجاهل تأثير التظاهرات والمطالبات والضغوطات الداخلية التي بدت حاضرة ومؤثرة في تطور موقف المغرب من الحرب على غزة، والآخر هو تصاعد وتيرة الجرائم الإسرائيلية.
وقد أعرب المغرب عن موقفه منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، واستخدمت وزارة الخارجية المغربية لغة معتدلة في بيانها. ورغم إدانتها الصريحة لاستهداف المدنيين من قبل أي طرف، فإنها لم تحمل جهة معينة المسؤولية عن اندلاع هذه الحرب.
تدرج الموقف المغربي من الإدانة إلى التحرك الدبلوماسي، فبعد أيام فقط من اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تحرك المغرب باتجاه الدعوة لعقد دورة استثنائية لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتضمن فحوى الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في هذه القمة التعبير عن التضامن مع سكان غزة، والتذكير بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، والتحذير من التداعيات الإقليمية لهذه الحرب.
وعقب مجزرة قصف مستشفى المعمداني في غزة، التي أدت إلى ارتقاء أكثر من 500 شهيد، أصدر المغرب إدانة شديدة لهذه المجزرة، وأكد ضرورة الوقف الفوري للأعمال العدائية، مشدداً على وجوب احترام القانون الدولي الإنساني.
عطفاً على المواقف المغربية الرسمية السالفة والمؤشرات الشعبية الحاصلة، لا يمكن القول إن “إسرائيل” خسرت التطبيع مع المغرب أو أن التطبيع في طريقه للإلغاء والانتهاء أو التوقف، ولكن هناك عملية تراجع وجمود ملحوظ أفضت إليهما معركة طوفان الأقصى. كذلك، لا يمكن الجزم بأن التطبيع قد يتعافى قريباً ويعود بالوتيرة نفسها في بعديه الأمني والعسكري، ولا سيما في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
إن استمرار التطبيع أو توقفه بين المغرب و”إسرائيل” محكوم بمجموعة محددات ومصالح تقتضي الموافقة والملاءمة بينها، وأهمها قدرة المغرب على استيعاب التظاهرات والضغوطات الشعبية الرافضة للتطبيع والداعمة لفلسطين.
محدد ذلك يتعلق بأمرين؛ الأول هو حيثيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ووتيرتها بالتصعيد أو التراجع، والآخر هو المدة الزمنية التي قد تستغرقها هذا الحرب، فإن انتهت قريباً، يمكن للتطبيع عندها أن يفلت. أما إذا واصلت “إسرائيل” حربها ومجازرها في غزة والضفة والقدس وتمدّدت الحرب إلى ساحات أخرى، فإن توقف التطبيع وخسارته مع المغرب واردان.
المصدر : الميادين