“فورين بوليسي”: نهاية الازدهار في “إسرائيل”
تحدثت صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية، في مقالٍ لديفيد روزنبرغ، عن ما ستعانيه “إسرائيل” من انتكاسات اقتصادية نتيجة الحرب على قطاع غزة، والتغييرات التي ستحلّ بنمط حياة المستوطنين والعسكريين نتيجةً للحرب.
وفي ما يلي النص منقولاً إلى العربية:
لا أحد يستطيع أن يجزم بثقة تامة بالتأثيرات الطويلة الأمد التي تخلفها الحرب على غزة والصراعات المرتبطة بها.
ولكن حتى اليوم، من الآمن الافتراض أنّ الحرب تمثل نهاية حقبة دامت 20 عاماً من السلام (وفقاً للمعايير الإسرائيلية) والازدهار (وفقاً لمعايير أي شخص) والعودة إلى “الدولة” والمجتمع الأكثر عسكرة الذي كانت “إسرائيل” عليه لأول مرة منذ نصف قرن من تأسيسها.
وبالنسبة للغرباء، الذين تتشكل صورتهم عن “إسرائيل” إلى حد كبير عندما تتصدر صراعاتها مع هجوم حماس، وحزب الله، وإيران عناوين الأخبار، فإنّ فكرة تحول “إسرائيل” إلى المزيد من العسكرة تبدو غير محتملة.
فعلى مدى العقدين الماضيين، خاضت ما لا يقل عن خمس حروب وانخرطت في حرب ظل ممتدة مع إيران. وتعد ميزانيتها الدفاعية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من بين أعلى المعدلات في العالم. ويتم تجنيد نحو 69% من الشباب و56% من الشابات في “الجيش” كل عام. وتمتلئ الشوارع ومراكز التسوق بالجنود الذين يرتدون الزي الرسمي، ويحمل عددٌ كبير من المدنيين أسلحة آلية.
لكن قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان الإسرائيليون قد وضعوا وراءهم فكرة أنهم كانوا في حالة حرب دائمة، وهي فكرة اعتبرها آباؤهم وأجدادهم أمراً مفروغاً منه.. والحروب التي خاضتها “إسرائيل” كانت قصيرة.
انخفض الإنفاق الدفاعي بشكل مطرد من 15.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1991، عشية اتفاقيات أوسلو، إلى 4.5% في عام 2022 – (مع الإشارة إلى أنه لا يزال مرتفعاً بالمعايير العالمية). اعتمد “الجيش” الإسرائيلي بشكلٍ متزايد على التكنولوجيا والقوات الجوية بدلاً من الدبابات والمشاة للردع.
إن انخفاض العبء العسكري والشعور المتزايد بأن “إسرائيل” آمنة ويمكنها بسهولة التعافي من الحروب الدورية أعطى دفعة هائلة للاقتصاد. والواقع أن أحد الأسباب وراء انخفاض العبء الدفاعي إلى هذا الحد هو أن الاقتصاد كان ينمو بسرعة أكبر كثيراً من الزيادة في الإنفاق العسكري. كانت الأعوام الثلاثين التي سبقت السابع من أكتوبر هي سنوات “أمة الشركات الناشئة”.
سوف تبدو “إسرائيل” في السنوات المقبلة، إن لم يكن أطول، مختلفة تماماً.
ولتغطية تكاليف الحرب على قطاع غزة، من المقرر أن يرتفع الإنفاق الدفاعي بنسبة تقترب من 80% هذا العام (إذا أضفنا المساعدات الأميركية)، أو نحو 70 مليار شيكل. ولا يزال هذا الرقم محل نقاش.
ويبدو أن الارتفاع الحاد في الإنفاق العسكري أمر لا مفر منه، حتى لو انتهى الصراع مع حماس أو انتقل إلى حرب أقل حدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. لقد علّم هجوم حماس في 7 أكتوبر “لجيش” الإسرائيلي أن التكنولوجيا لها حدودها (لقد تغلبت حماس بسهولة على الدفاعات على طول حدود غزة) وأن لا شيء يمكن أن يحل محل القوات البرية. ومن المقرر أن يتم تمديد التجنيد الإجباري إلى ثلاث سنوات كاملة بدلاً من سنتين وثمانية أشهر الحالية، وسيتم استدعاء جنود الاحتياط في كثير من الأحيان. وقيل للعديد من جنود الاحتياط الذين تم إعادتهم من غزة في الأسابيع الأخيرة أنه سيتم استدعاؤهم مرة أخرى قريباً.
لقد علّمت الحرب نفسها صناع القرار الإسرائيليين درساً مهماً آخر، وهو أن الصراعات المستقبلية تهدد بأن تطول وتستهلك الذخيرة بمعدل مذهل. وبدون الجسر الجوي الأميركي، لم تكن “إسرائيل” لتستطيع مواصلة الهجوم على غزة لأنها تفتقر إلى القدرة التصنيعية المحلية.
وسوف يتردد صدى هذه التغييرات حتماً في الاقتصاد. ومن الطبيعي أن تؤدي الضرائب المرتفعة إلى إعاقة تطوير الأعمال والنمو، وفي نهاية المطاف، النمو الاقتصادي. تمتعت “إسرائيل” لسنواتٍ عديدة بتصنيف ائتماني قوي بشكل غير عادي، لكن بيئة “الأمن القومي” الأقل أماناً سترفع العائق أمام المستثمرين العالميين لاستثمار أموالهم في “إسرائيل”.
إن البيئة الأمنية المتوترة لها آثار عميقة على قطاع الشركات الناشئة في “إسرائيل”. ويمكن للمهندسين ورجال الأعمال أن يهاجروا بسهولة إلى الخارج إذا وجدوا أنّ الظروف في “إسرائيل” غير مواتية على نحو متزايد.
من المؤكد أن بعض أفراد جيل الشباب الذين نشأوا في عصر يتسم بزيادة الراحة المادية سوف يشعرون بالاستياء من احتمال فرض ضرائب أعلى والمزيد من الالتزامات تجاه “إسرائيل”. الأذكى والأكثر نجاحاً بينهم سيكون لديهم خيار الهجرة. وهو ما يعني أن هجرة الأدمغة يمكن أن تكون انتكاسة أخرى تعاني منها “إسرائيل” نتيجة للحرب.
المصدر : الميادين