حول العالم

“إسرائيل” واحتلال “فيلادلفيا”.. أيّ دلالات لاستعراض السيسي العسكري؟

في معمعة العدوان الإسرائيلي على غزة، وفشل حكومة وجيش الاحتلال طوال ما يزيد عن 3 أشهر، هذا الفشل الذي لم يعرف مسؤولو الاحتلال مثيلاً له منذ نشأة الكيان، يهرب نتنياهو إلى مكانٍ آخر.. وهو المضيّ في مخطط السيطرة على الشريط الحدودي الضيّق الذي يمتد بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، والمعروف بـ “محور صلاح الدين” أو “محور فيلادلفيا”.

ضخّ المسؤولون الإسرائيليون وإعلام الاحتلال بالكثير من التصريحات حول ضرورة وضع هذا المحور تحت السيطرة الإسرائيلية، الحملة بانت محضّرة وموجّهة، حتى أنها وصلت إلى الحاخامات..

في 30 كانون الثاني/يناير الماضي أثارت تصريحات بنيامين نتنياهو بشأن الرغبة في إعادة السيطرة على محور فيلادلفيا انتقادات، فهو إن كان معبّراً عن طمعٍ إسرائيلي منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، لكنه في الإطار الميداني المستجد، أتى بمثابة “طوق نجاة” له، ربما ينقذ “شعبيته” المنهارة ومن محاكمة متوقّعة، وقدّ يشكّل “صورة نصر” معنوية له في ظل جموحٍ أميركي مساعد في المعركة.

بالتوازي، حذّر عضو الكنيست الإسرائيلي أرييه الداد حكومة نتنياهو من تعاظم قوة مصر، وخاصة قوتها العسكرية في المنطقة، مؤكداً أنها لا تزال تشكّل الخطر الأكبر على “إسرائيل”، كما تحدّث مركز المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب الذي يحمل اسم اللواء مئير عميت في “تل أبيب” عن مغبّة الخطوات العسكرية المصرية على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة.

في السياق نفسه، قال المحلل السياسي بصحيفة “معاريف” يارون فريدمان، إنه “يجب الاستيلاء على مدينة رفح رغم أنها لا تشبه أي منطقة سيطر عليها الجيش الإسرائيلي من قبل، ويمكن أن تكون هذه الخطوة حافزاً لتراجع حماس وهزيمتها”.

وكان لافتاً إقحام رجال الدين في الحملة، حيث سأل حاخام مدينة صفد وعضو المجلس الحاخامي الرئيسي، الحاخام إلياهو، قائلاً: “لماذا تجمع مصر هذا العدد الكبير من الدبابات؟”، وترك الإجابة للقيادة السياسية في “تل أبيب”.

ووصلت التخرّصات “الإسرائيلية” إلى تحميل “الفريق القانوني الإسرائيلي” في محكمة العدل الدولية مصر المسؤولية الكاملة عن معبر رفح، زاعماً أن الجانب الإسرائيلي لم يمنع دخول المساعدات!

السيسي: “لا تجرّبوا مصر”!

القاهرة التي آثرت التزام الصمت “الموجّه” بادئ ذي بدء، أفردت في الأيام الماضية مساحات في إعلامها للردّ على “التخرّصات” الإسرائيلية، وذكرت على لسان مصدر مسؤول قال أنْ “لا صحة لوجود أي تعاون بين بلاده وتل أبيب  في محور صلاح الدين فيلادلفيا”.

فيما أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، رداً على تصريحات نتنياهو، أن مصر تسيطر على حدودها بشكلٍ كامل وتضبطها، وأن تلك المسائل “تخضع لاتفاقيات قانونية وأمنية بين الدول المعنية”.

وبعد كل ما تقدّم، أفادت قناة “13” العبرية بأن مكتب نتنياهو حاول مؤخّراً تنسيق اتصال له مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولكن تمّ رفضه من قبل الرئاسة المصرية.

الخبير في شؤون الأمن القومي المصري، محمد مخلوف، يرى أنّ “عدم ردّ السيسي، على اتصال رئيس وزراء الاحتلال يؤكد أن مصر تردّ بصفعة ومن دون كلام على الكيان المحتل”.

الموقف المصري، تزامن مع قلق القاهرة بعد تهديد إثيوبيا للصومال، من زاوية الاعتراف باستقلال منطقة “أرض الصومال” ضمن اتفاق سيتيح لأديس أبابا الاستفادة من ميناء بحري.

التفاف إسرائيلي إثيوبي؟

هل لمست القيادة المصرية “التفافاً إسرائيلياً – إثيوبياً”، جعل السيسي يطلق تحذيره اللافت، قائلاً في مؤتمر صحافي مع نظيره الصومالي، حسن شيخ محمود، في القاهرة “مصر لن تسمح لأحد بتهديدها أو المساس بأمنها… محدّشْ (لا أحد) يجرّب مصر ويحاول يهدّد أشقاءها خاصة لو طلبوا منها التدخّل”.

وأعلنت منطقة “أرض الصومال” استقلالها عن الصومال، عام 1991، لكنها لم تحظَ باعتراف دولي.

ووقّعت “أرض الصومال” وإثيوبيا مذكّرة تفاهم في الأول من كانون الثاني/يناير تنصّ على السماح لأديس أبابا باستئجار ميناء على البحر الأحمر، ولكن لم توضع بعد اللمسات النهائية عليها حتى الآن.

يعي المصريون، بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنّ حجّة نقص التنمية في دول أفريقيا جنوب الصحراء فتح الباب أمام “إسرائيل” كي تكون موجودة في تلك الدول من خلال تزويدها بالإرشاد والدعم. وبالفعل تجمع أديس أبابا وتل أبيب علاقات وطيدة منذ تسعينيات القرن العشرين، وازداد التعاون بينهما في مجالات الزراعة والأمن والصحة العامة وغيرها. فأثارت هذه العلاقة الشكوك في أوساط السياسات المصرية.

ومن أبرز النتائج التي توصّل إليها تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاستراتيجية  عام 2019، أن معظم شركات الاستثمار والزراعة الإسرائيلية العاملة في إثيوبيا “تملك خلفيّة استخباراتية”.

ترحيب “حماس” بالخطوات المصرية

ما لفت إثر التصريحات المصرية، هو كلام المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس طاهر النونو الذي قال إن “الحركة تثمّن موقف مصر الشقيقة من تهديدات الاحتلال بشأن محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، والذي يعبّر عن أهمية الدور المصري وتأثيره في دعم وإسناد شعبنا الفلسطيني في هذه المعركة التاريخية ووقف العدوان الغاشم الذي يتعرّض له شعبنا خاصة في غزة”.

اللواء عبد المنعم للميادين نت: الخطوة الإسرائيلية لن تمرّ بخير

ذكّر الباحث المصري في شؤون الأمن القومي أحمد رفعت برسالة الرئيس المصري، خلال حديثه عن نصر أكتوبر، تزامناً مع الحديث عن “السيطرة على محور فلادلفيا”.

وقال رفعت إن الرئيس المصري قال ذات يوم: “الجيش اللي عملها مرة قادر يعملها كلّ مرة”، موضحاً أن الجيش الموجود حالياً متطوّر بشكلٍ يختلف تماماً عن جيش أكتوبر 73، ويجب الإيمان بمقولة إنّ الردع يوفّر الكثير”.

في المضمار نفسه يقول الخبير الاستراتيجي والسياسي اللواء ممدوح عبد المنعم، للميادين نت إنّ “أيّ محاولات إسرائيلية لاحتلال محور فيلادلفيا ستواجه بقمع شديد وهي لن تمرّ بخير، والقيادة المصرية أبلغت الأميركيين بذلك”.

وإذ يرى أنّ ما ذاقته “إسرائيل” في عدوانها على لبنان 2006، وفي غزة عام 2014، سيؤخذ بعين الحسبان، مؤكداً أن المقاومة في فلسطين وغيرها تدرّجت من الحجارة إلى الصاروخ، كما أن لبنان استطاع بظروف أقلّ آنذاك أن يهزم العدو، كما أنه يصعب على “إسرائيل” والغرب مواجهة اليمن، الذي لم يتمكّن أيّ غازٍ من دخوله”.

إشارات مصرية لافتة

ويكشف أن الرئيس المصري نشر قوات عند “فيلادلفيا”، لا بل ذهب وفي خطوة رمزية إلى استعراض عديد الفرقة الرابعة (الصورة)، مُصدراً الأوامر والتعليمات بالتنسيق والاستعداد للسيناريوهات كافة”.

لا يمكن للإسرائيلي دخول هذا الخط، والكلمة المصرية قدّ الفعل، وهي قد توازي حرب أكتوبر وأكثر”، بحسب عبد المنعم.

وهنا يذكّر أن الرئيس المصري وبعد “ثورة 25 يناير” يعمل على إعادة بناء وتقوية الجيش، وهو لم يترك دولةً في العالم إلّا وقصدها لأجل تسليح الجيش المصري، وعلى رأس هذه الدول روسيا وباكستان وغيرها… نافضاً الغبار عن “السلام النائم” وليس “الدائم”.

يذكر أن الرئيسين فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي افتتحا منذ أيّام المفاعل النووي “الفولاذي” الذي بنته روسيا في مصر.

ووقعت مصر وروسيا في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 اتفاق تعاون لإنشاء محطة للطاقة الكهرذرية بكلفة استثمارية بلغت 25 مليار دولار قدمتها روسيا قرضا حكوميا ميسّرا للقاهرة.

وفي ردٍّ على سؤال قال إنّ ما يجري من قبل الإسرائيليين هو نوعٌ من “التحرّش” بمصر من الصومال إلى إثيوبيا، فقوات الدعم السريع في السودان من أجل إضعاف القيادة، وهو كان يقابل بضبط نفس، وأيضاً كانت مصر واعية جداً حتى في موضوع قناة السويس، فرفضت الاشتراك في مجموعات وتحالفات.

وإذ يرى أنه بما أن مصر متكئة إلى “اتفاقية كامب ديفيد” بخصوص معبر رفح، بضمانة أميركية فقد “وقع الإسرائيليون في المأزق”، بعد تهديدهم باحتلال المعبر.

وحول دور مصر الذي يوصّفه البعض بـ “الضعيف، أو غير الكافي” كدولة وحيدة تملك معبراً مع قطاع غزة يرد قائلاً: “مصر مع القضية الفلسطينية منذ عام 1948، وهي رغم الضغط الإسرائيلي، والظروف الأخرى تعمل على إدخال المساعدات وبشكلٍ فوري وهي لا تخضع لشروط الاحتلال، بل للشروط المصرية، وأريد أن أذكّر أن جهود الحكومة والشعب متضافرة لمساعدة الأهالي في غزة، رغم التضييق والظروف الصعبة”.

وأخيراً يؤكد اللواء الخبير في الشؤون الاستراتيجية أن تهجير الفلسطينيين من أهل غزة إلى شبه جزيرة سيناء، كما يحاول العدو القيام به، لن يتم ولن يسمح له مصرياً أن يجري، كلمة القيادة المصرية واضحة في هذا المضمار، وهي تتصدّى له في الوقت المناسب”.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى