منوعات

زيارة هوكستين: هل هي جزء من المرحلة الثالثة للحرب الإسرائيلية؟

أعلنت هيئة البث الإسرائيلية في 22 كانون الأول/ديسمبر استعداد الجيش الإسرائيلي للانتقال إلى “المرحلة الثالثة” من الحرب على قطاع غزة، والتي “تشمل إنهاء المناورة البرية في القطاع، وخفض القوات، وتسريح القوات الاحتياطية، واللجوء إلى الغارات الجوية، وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة”.

يقول الإسرائيلي إنه يهدف من خلال هذه المرحلة إلى إقامة منطقة عازلة على أطراف قطاع غزة، في ظل تراجع الإسرائيلي عن أهدافه السابقة بالقضاء على حركة حماس، واستعادة الرهائن الإسرائيليين بالقوة، وإعادة احتلال القطاع.

ولا شكّ في أن ما تشهده المنطقة على مختلف الجبهات من غزة إلى لبنان إلى اليمن والعراق يأتي تطبيقاً لهذه المرحلة الثالثة التي فرضتها ظروف معينة أبرزها:

1- تخفيف الخسائر التي تتعرض لها “إسرائيل” ميدانياً في غزة، في ظل عدم قدرتها على تحقيق أي إنجاز عسكري يحسب لها لتستغله في فرض أمر واقع تستفيد منه في تسوية ما بعد الحرب.

في الخسائر الميدانية، تشير إحصاءات الجيش الإسرائيلي إلى إصابة ما يقارب 800 ضابط وجندي منذ بدء التوغل البري بالقطاع في 2  أكتوبر/تشرين الأول، فيما قدرت وسائل إعلام إسرائيلية عدد الجرحى في صفوف الجيش بأكثر من 5 آلاف.

2- تخفيف خسائر الاقتصاد الإسرائيلي

بعد قرار “إسرائيل” سحب لواء غولاني من غزة بعد 70 يوماً من القتال تكبد فيها “خسائر كبيرة”، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، تم الإعلان عن سحب 5 ألوية أخرى تباينت الصحف الإسرائيلية في تفسيرها.

قالت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إن سحب الألوية الخمسة جاء بهدف إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي عبر إعادة جنود الاحتياط إلى العمل في ظل خشية إسرائيلية من انهيار الاقتصاد، فيما أشار البعض الآخر إلى أن سحب تلك الألوية هدفه الحشد على الحدود مع لبنان تمهيداً لتوسّع الحرب وإجبار حزب الله على الابتعاد عن الحدود لطمأنة المستوطنين وإعادتهم إلى مستوطناتهم.

3- التخفيف من الخسائر الاستراتيجية

تسعى الولايات المتحدة الأميركية لتجنيب “إسرائيل” مزيداً من الخسائر الاستراتيجية -كما وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن- الذي قال إن “إسرائيل” تخسر استراتيجياً بعد تراجع الدعم الدولي لها بسبب ارتفاع الضحايا المدنيين في غزة بشكل غير مسبوق.

هذا على صعيد قطاع غزة، أما في الإقليم، فتتجلى المرحلة الثالثة بتصعيد متدرج في المنطقة، بدأ بتنفيذ اغتيالات متنقلة من غزة إلى لبنان إلى العراق، إضافة إلى التصعيد الأميركي ضد أنصار الله في البحر الأحمر.

وفي خضم هذا المشهد المتفجّر، تأتي زيارة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط آموس هوكستين للمنطقة، لبحث ما قيل إنه “تسوية أميركية” تسعى للتمهيد لمرحلة ما بعد الحرب، وبحث الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية في مقابل تطبيق القرار 1701.

كيف يُمكن أن تُفهم هذه الزيارة في بيروت؟

1-  الضمانات الأميركية وانعدام الثقة

بالرغم من نجاح وساطة هوكستين السابقة في بيروت وتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، فإن تلك التجربة تشير إلى انعدام الثقة لدى اللبنانيين بالضمانات الدولية لأي اتفاق.

بدأت مهمة هوكستين السابقة حيث انتهت مهمة سلفه ديفيد شينكر، الذي كان قد ربط حلّ الأزمة الاقتصادية في لبنان بموافقة لبنان على “التصور الأميركي للحل” الذي -في رأيه- سيمكّن اللبنانيين من الاستفادة من الغاز في المتوسط. وكسلفه، نصح هوكستين اللبنانيين بأن “يقبلوا بأي شيء، لأنهم لا يملكون شيئاً”.

بعدها، دفعت تهديدات المقاومة بقصف منصات الغاز في كاريش إلى تواضع المفاوض الأميركي، والقبول بإعطاء لبنان حقل قانا، وضمانات بالسماح بالتنقيب عن الغاز في مياهه، لكن، ما إن بدأت حرب غزة، حتى انسحبت توتال من التنقيب من دون تقرير رسمي حول أسباب الانسحاب أو تبرير لمخالفة شروط العقد مع لبنان، وسقطت الضمانات الدولية السابقة.

التجربة السابقة لا تبدو مشجعة للبنان لأخذ الضمانات الدولية على محمل الجد، وخصوصاً في ما يتعلق بـ”إسرائيل”. لذا، على المفاوض الأميركي الحديث عن إجراءات ثقة قبل الحديث عن تسوية في ما خص الحدود البرية اللبنانية التي تحتلها “إسرائيل”.

2-الأميركيون جزء من الحرب

بالرغم من أن الولايات المتحدة تسوّق نفسها بصيغة مفاوض بين لبنان و”إسرائيل”، فإن المعروف أن الأميركيين جزء من الحرب الإسرائيلية الحالية عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.

وهكذا، إن ما يمكن أن يأتي به هوكستين من أفكار إلى لبنان سوف ينظر إليها بأنها لضبط ردّ حزب الله على اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية، وهو ما لن يقبل به حزب الله، لأنه سيغري “إسرائيل” بتكرار عدوانها على لبنان واغتيال قادة من الحزب في عمق بيروت فيما بعد.

أما الأمر الثاني الذي فاتح به هوكستين المسؤولين اللبنانيين في وقت سابق، وهو انسحاب “إسرائيل” من المناطق المحتلة اللبنانية مقابل تطبيق القرار 1701، فهذا يعني بالمفهوم الأميركي انسحاب حزب الله إلى ما بعد شمال الليطاني.

هذه المهمة المكلف بها هوكستين في بيروت، تبدو كأنها تريد أن تعطي “إسرائيل” في السياسة والمفاوضات ما لم تحصل عليه بالحرب. وبناء عليه، واذا صح ما تمّ تسريبه، فتكون أهداف الزيارة جزءاً من المرحلة الثالثة الإسرائيلية التحضيرية لرسم مرحلة “اليوم التالي” للحرب.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى