منوعات

هذه هي رسالة إسرائيل من استهداف الضاحية

التطور الأمني في ضاحية بيروت الجنوبية من شأنه أن يقلب صفحة من المواجهات التقليدية بين إسرائيل و”حزب الله“، وعبره حركة “حماس” – فرع بيروت، ويفتح صفحة أخرى لا تقّل دموية عمّا يرتكبه العدو من مجازر في قطاع غزة وفي الجنوب.  

وبغض النظر عمّا ستكون عليه ردّة فعل “حزب الله“، الذي يعتبر أن أمن “منطقته” قد خُرق، وهو أمر لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام بالنسبة إلى رمزية “الضاحية” أولًا، وبالنسبة إلى قدرات المنظومة الدفاعية التي يملكها الحزب ثانيًا، فإن هذا التطور غير العابر أمنيًا له مدلولات سياسية كثيرة، شكلًا ومضمونًا، ومن بينها:
أولًا في الشكل: تأتي عملية الاغتيال هذه في المكان، الذي له ارتباط وثيق بين “حزب الله” وحركة “حماس“، وبما كان يمثله نائب رئيس المكتب السياسي للحركة المغدور صالح العاروري، الذي كان صلة الوصل المباشرة بين الحركة في لبنان وفلسطين مع الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله، فضلًا عن أن عملية الاغتيال جاءت عشية ذكرى اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وبعد أيام من اغتيال القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني رضى موسوي في سوريا.

القراءة الأولية في الشكل الذي تمت فيه عملية الاغتيال، وفق مصادر مراقبة، تشير إلى أن إسرائيل لا تزال تدّعي بأنها قادرة على الوصول إلى أي هدف من بين بنوك أهدافها، سواء أكانت في سوريا أو في لبنان أو في قطاع غزة أو الضفة الغربية، من دون أن يعترض سبيلها ما يحول دون تنفيذ ما تخطّط له، خصوصًا أن الردّ في المكان والزمان المناسبين على اغتيال موسوي لم يكن في حجم هذا الاغتيال.
إلاّ أن هذا الاعتداء، الذي نقل المواجهة من المباشر إلى وجهة مغايرة عمّا كان يسمّى “قواعد الاشتباك”، ووفق مقربين من “حارة حريك” لن يمرّ وكأن شيئًا لم يحصل. فما قامت به إسرائيل ليس أمرًا عاديًا، وعليه فإن الردّ سيكون غير عادي وفي المكان، الذي لا يتوقعه العدو.
ثانيًا في المضمون: أول ما يمكن أن يخطر على بال معظم الذين يحّللون الأمور بمنطق سليم هو أن إسرائيل تهدف من وراء عملية الاغتيال هذه في قلب الضاحية الجنوبية بالذات استفزاز “حزب الله” لدفعه إلى التخّلي عن سياسة ضبط النفس النسبية، وجرّه ومعه كل لبنان إلى حرب شاملة لا هوادة فيها.
وهذا الأمر يعني، وفق قراءة أولية لأبعاد هذا العدوان، أن إسرائيل ضربت عرض الحائط كل المساعي الديبلوماسية الهادفة إلى تحييد لبنان عن الحرب الدائرة في غزة وعليها، خصوصًا أنه يأتي بعد سلسلة من التهديدات المباشرة على لسان أكثر من مسؤول وقيادي إسرائيلي باجتياح لبنان.
ما حاولت تل ابيب القيام به خلال الأسابيع الماضية لجهة توكيل أكثر من جهة للضغط على “حزب الله” لكي يسحب قواته إلى شمال الليطاني باء بالفشل. ولأنها لم تعد قادرة على ضبط وضعها الداخلي مع تنامي موجة غضب مستوطني الجانب الشمالي ورفضهم البقاء خارج مستوطناتهم الشمالية، وعددها ثلاثة وثلاثون، قرّرت مرّة جديدة الهروب إلى الأمام، فكان قرارها بتوجيه ضربة موجعة في المكان الحسّاس، فطالت أحد قياديي حركة “حماس“، وهي أرادت من خلال هذا العدوان السافر أن توجه رسالة مباشرة إلى السيد نصرالله، الذي ستكون له كلمة اليوم في ذكرى اغتيال الجنرال سليماني.

وفحوى هذه الرسالة التي يمكن قراءتها من عناوينها هي أن إسرائيل قادرة على اختراق أمن الضاحية الجنوبية، برًّا وجوًّا. إلاّ أن قرّاء هذه الرسالة سبق لهم أن قرأوا مثلها من قبل، حيث كانت البصمات الإسرائيلية واضحة في كل عمليات الاغتيال في لبنان، وهي لم تغيّر في الماضي، ولن تغيّر في المستقبل، موازين القوى ومنظومة الردع، التي لا تزال قادرة على ردّ الكيل بمكيالين، على أن يبقى البادئ هو الأكثر ظلمًا ظلامة.     

المصدر : لبنان ٢٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى