منوعات

“زيم”.. أو حكاية “إسرائيل” في البحر

“ZIM”، ثلاثة أحرف نشرها المتحدث الإعلامي باسم القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، على حسابه في منصة “أكس”، وذلك بعد فترة بسيطة من احتجاز اليمنيين لسفينة “غالاكسي ليدر“.

بهذا الإعلان، فتح سريع المجال والخيال المقلِق أمام هذه السفن وكلّ ما تمثّله، وكلّ ما يتعلق بوجود “إسرائيل” في البحر، سواء أكانت سفن شركة “زيم”، أو كل تحرّك بحري على علاقة بالكيان الصهيوني.

من المعروف تاريخياً، أن البحر كان عاملاً رئيسياً في احتلال فلسطين، حيث بدأ توافد “المهاجرين” اليهود عبر السفن إلى الأراضي الفلسطينية، قبل أن يجتمعوا في الكيبوتسات، فيما عمل عدد كبير منهم في الموانئ الفلسطينية تحت إشراف الانتداب البريطاني. فما الدور الذي أدّته شركة “زيم” في احتلال فلسطين؟ وكيف نشأت؟

تؤكد مراجع أنثروبولوجية الانقطاع التاريخي بين اليهود كجماعة دينية وبين البحر، والذي يعود إلى أيام النبي سليمان حيث كان آخر احتكاك لهم بالبحر. لكن، هذا الاغتراب، بدأ بالتلاشي مع تحوّل الخط الملاحي البريطاني إلى وسيلة أعادت ربطهم، نسبياً، بالبحر. كان ذلك في العامين 1937 و 1938، حيث أسهم افتتاح مدرسة بريطانية لتدريب ضباط السفن في حيفا، في إحياء فكرة تدشين خط سفن صهيوني سيكون له الدور الحاسم في احتلال فلسطين.

قبل هذا التاريخ، سعى اليهود إلى تدشين تحالفات مع بعض شركات الملاحة البريطانية، لكنهم لم يتمكّنوا من ذلك نتيجة عدة عوامل. فقد شكّلت بريطانيا ما أسّمته حينها بـ “لجنة الهجرة غير القانونية” إلى فلسطين، والتي قالت إنها تشمل اليهود الذين لم يكن بإمكانهم الهجرة بشكلٍ جماعي وكثيف.

لكنّ الصهاينة حاولوا الالتفاف على هذه المعوّقات بشراء سفن بريطانية مصرّح لها بأنواع محدّدة من التجارة، ومنها على سبيل المثال، تجارة الموز. لكن هذه السفن كانت تعمد إلى تغيير طريقها، فتفرغ حمولتها من الموز في أحد موانئ إيطاليا أو تركيا، ثم تحمل بدلاً منها اليهود “المهاجرين” إلى فلسطين.

وعلى الرغم من اكتشاف أمر هذه السفن، وإجبار السلطات البريطانية لإحداها بتفريغ حمولتها من الركاب في قبرص الذين وجدوا طريقهم مجدداً إلى فلسطين، فإن الانتداب البريطاني سمح لليهود (الوكالة اليهودية بقيادة ديفيد بن غوريون واتحاد العمال “الهستدروت” و”الرابطة البحرية الإسرائيلية”) بتدشين خط ملاحيّ مستقل، وأصدر تصريحاً مدموغاً باسم حكومة فلسطين يعلن فيه عن تأسيس خط “زيم” بتاريخ 7 حزيران/يونيو عام 1945.

يقال إن كلمة “زيم” استُنبِطت من آية في السفر الــ 24 من التوراة، والتي تشير إلى أسطول من السفن الكبيرة، فألهمت وزير المواصلات الصهيوني الأول ديفيد ريميز لاستخدامه.

أما شعار/علم “زيم”، فإنه يشبه إلى حدّ كبير العلم المتخيّل الذي اقترحه ثيودور هرتزل في كتابه “الدولة اليهودية”، حيث يقول فيه: “أودّ أن أقترح علماً ذا خلفية بيضاء، يحتوي في وسطه على 7 نجوم ذهبية، تمثّل أرضيته البيضاء نقاء حياتنا الجديدة ونصاعتها، بينما تشير النجوم السبع إلى أيام العمل السبعة الحثيثة في زحفنا صوب الأرض الموعودة حاملين شارة الشرف”.

هكذا احتوى علم “زيم” على علم “دولة” الاحتلال المُتخيّل لدى هرتزل، كما طليت السفن بالعلم ذاته حتى يمكن التعرّف إليها. ومما ساعد في شحن المزيد من “المشاعر الوطنية” إزاء هذا الخط، هو ما يحمله من وعد جديد في السيادة تحقّقت أولاً في البحر، على أمل تحقّقها لاحقاً في أرض فلسطين، ومن هنا ذُيّلت معظم بوسترات الخط بـ “زيم: القوة في أن تكون مستقلاً”، حيث كان استقلالها عن أي قطر وخدمتها لأهداف الاستيطان، نقطة ارتكاز.

شكّلت “زيم” أولى الكيانات البحرية الصهيونية التي أنشئت بشراكة مع الانتداب البريطاني، ولما حملت الدفعات الأولى من “المهاجرين” اليهود من أوروبا، فإنها حملت أيضاً مستلزمات أخرى ستلزم اليهود في “حرب التحرير”، وستلزمهم في الأوقات الصعبة التي سيواجهونها.

مع نمو خط شركة “زيم”، وبالشراكة مع شركة (هاريس وديكسون)، تم شراء سفينة “كيدما” لتنضمّ إلى أسطول الشركة وتصل إلى شاطئ “تل أبيب” في 28 تموز/يوليو عام 1947، ما أفضى إلى حماس كبير ظهر أثره في عناوين الصحف. فقد اعتُبِرت سفينة “كيدما” جزءاً جوهرياً من السيادة البحرية اليهودية لتجمّعات المستوطنين.

أدّت الدول الاستعمارية دوراً هاماً في الاستثمار في أسطول الاحتلال وتوسّعه، حيث تم تبادل السفن بين خط “زيم” والبحرية البريطانية، في حين كانت للولايات المتحدة أسهم في الشركة، وكانت أول من سمح بإنشاء مقارّ للشركة على أراضيها.

وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة الألمانية، التي دفعت أموالاً طائلة للكيان الصهيوني في خمسينيات القرن الماضي، كــــ “تعويض” عمّا حصل في الهولوكوست، استثمرتها “زيم” بشراء 36 سفينة جديدة، توسّعت على أثرها، فعوّضت اليهود بما “يسهّل إقامتهم في الوطن الجديد”، كما نجحت “زيم” عام 1964، في شراء سفن من شركات شحن أو سفن تابعة للبحرية البريطانية، قبل أن تدشّن أول سفينة صنّعت لها خصيصاً وتدعى “السفينة شلوم”. وقد احتفى بها الكيان الصهيوني كثيراً، حتى أنّها وضعت على الطوابع البريدية خلال تلك الفترة، لكن بعد سنتين، بيعت هذه السفينة إلى ألمانيا.

طالما وظّفت شركة “زيم” في بوستراتها كل الحمولات التوراتية بإعادة اليهود إلى “وطنهم الموعود”، أو بعض حمولات الحركة الصهيونية وتوظيف الهولوكوست، فضلاً عن الرموز الفلسطينية التي حاولوا سلبها، مثل برتقال يافا، وسور القدس، ومعالم من البلاد، وهو ما يجده الباحث في أرشيف خط “زيم” بوضوح.

وكما اقتُبِس اسم الخط من التوراة، فقد اقتبست الكثير من أسماء السفن من التوراة أيضاً. ففي عام 1951، انضمّت سفينةٌ أخرى إلى أسطول “زيم“، كانت مياه البحر المتوسط قد حطّمت هذه السفينة قبالة شواطئ فلسطين، فتم سحبها وأعيد إصلاحها، قبل أن يطلق عليها اسم “نخشون”، تيمُّناً باسم زعيم قبيلة “يهوذا”، والذي يزعمون أنه أول من دخل البحر الأحمر بعد أن انفلق.

كما أطلقوا على سفينة أخرى اسم “متسادا”، نسبةً إلى جبل مسعدة الذي يسمّونه بالعبرية “متسادا”، والذي أنشأ الصهاينة حوله أسطورة قتالية تخصّهم أيام الرومان، علماً أن السفينة نفسها تحطّمت في محيط مثلث برمودا، بعد أن انطلقت من ميناء أسدود محمّلة ببوتاس فلسطين المسلوب.

مع مرور السنوات، بدأ خط “زيم” يتدعّم حول العالم. ففي عام 1954 كانت للشركة خطوط دائمة ثابتة وغير عشوائية كما كانت سابقاً. وسمحت لها اتفاقية السلام مع مصر بعبور قناة السويس بشكل دائم، والرسو في الموانئ المصرية، الأمر الذي ساعدها على افتتاح خط بحري دائم ما بين حيفا وأسدود والإسكندرية.

أصبح لشركة “زيم” ممرّات تجارية ومقارّ في كل العالم، إلى حد يمكنك أن تشكّ بأن الأثاث الذي تجلس عليه، والملابس التي تلبسها، والطعام الذي تأكله، قد أتاك من أصقاع الأرض محمّلاً على سفن أعدائنا. خط السفن هذا، الذي نشأ لخدمة كيان مستعمر ولا يزال.

ولعل من المهم الإشارة في هذا الصدد إلى موشيه كاشتي، الذي عمل مديراً عاماً لشركة “زيم” بعد خدمته لمدة 22 عاماً في رئاسة وزارة الدفاع الإسرائيلية، ويقول إن التبادل التجاري والمالي لم يتوقّف بين “زيم” وبين وزارة الدفاع الإسرائيلية.  فضلاً عن دور “زيم” في حروبها على بلادنا. ففي حرب الأيام الستة عام 1967، مثلاً، ووفق بحث يتناول خط “زيم”، فإنه يتم تمجيد “الأداء الذي قامت به شركة زيم خلال الحرب والأسبوع الذي سبقها، في تزويد البلاد بما تحتاجه من الاحتياجات المدنية والعسكرية”.

أما في حرب أكتوبر 1973، فقد تفرّغ 300 من عمال “زيم” للحرب كجنود احتياط، وأوكلت إلى الشركة حينها عملية تأمين الإمدادت العسكرية لـ “جيش” الاحتلال، فيما اعتُبِر جميع العاملين في سفنها تحت الخدمة الإجبارية.

كما وفّرت الشركة خدمات لقطاع الأمن والاستخبارات الإسرائيلي. حيث فتحت الشركة مقارها حول العالم للموساد، الذي اتّخذ من اسمها التجاري غطاء لعملياته. كما تقدّم مقار الشركة لهذا الجهاز معلوماتٍ بصفة دورية كجزء من دورها “الوطني والقومي”، وبالمقابل، يقوم الموساد بحفظ أمن مقار الشركة حول العالم. كلّ ما سبق يجعل من العمليات اليمنية ضد “زيم” وشركائها حاجة ملحة لنصرة المقاومة الفلسطينية.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى