قناة الميادين في مواجهة الحمق الإسرائيلي
حرب الكيان الإسرائيلي على الصورة في معادلة حظر قناة الميادين، تتجاوز مشهدية إعدام الطفولة الفلسطينية عبر البث العالمي المباشر من غزة، إلى ما هو الحرب على روح الفعل المقاوم في الوعي العربي الإسلامي الإنساني، وهو ما امتازت به قناة الميادين في الفضاء الإعلامي، عبر المشاركة في صناعة إيجابية للفعل المقاوم، من دون الجمود على سلبية الضحية.
ليس وزير الاتصالات شلومو كارعي، ولا وزير الحرب يوآف غالانت، وحدهما، وقد أصدرا بياناً مشتركاً، لكنه كابينت الحرب في الكيان الإسرائيلي، مَنْ تولى بكليته عبء الحظر في مواجهة شبكة الميادين. ولم تكن الميادين وحدها من تولى مهمة فضح الجريمة الإسرائيلية، في فضاء إعلامي مصدوم من هول المحرقة التاريخية في غزة وجنين وطولكرم وأقبية الأسر الإسرائيلية، لكن يبدو أنها كانت الأكثر تعبيراً عن صلابة الكف الفلسطينية ومعها سائر أحرار العالم، وهي تلاطم المخرز الإسرائيلي الأميركي الغربي.
ولأنها في حالة حرب، في الأرض والجو والبحر، وفي الفضاء الإلكتروني، كما الطيف الكهرومغناطيسي، وفي الوعي، بحسب شلومو كارعي، فلقد وقّع كابينت الحرب بالنيابة عن “إسرائيل”، على قرار حظر الميادين في فلسطين المحتلة، ومصادرة عتادها والتحقيق مع مراسليها، كونه بثاً متماهياً مع العدو يضر بأمن “الدولة”. وعدّ غالانت شبكة الميادين “بوقاً” لحزب الله وأمينه العام، تبث دعاية خطيرة خلال الحرب بهدف الإضرار بمصالح “إسرائيل” الأمنية، وخدمة أهداف العدو.
إنه العدو الإسرائيلي، إذ يعترف بأن الميادين نقلت الفلسطيني، ومعه كل حر وحليف ومتضامن، من كونه ضحية دائمة وجاهزة للغدر الإسرائيلي، إلى التضحية بالروح والمال والبيت والأهل، من أجل الانتصار على الغدر الإسرائيلي في ميادين النزال، وليس فقط السباحة طوال الوقت في مربع الأضحية. وما بين الضحية والتضحية، مسافة منهج إعلامي هادف بالفعل، كما تنبه غالانت، لنقل الفلسطيني واللبناني من دور المفعول به إلى الفاعل، وفي كليهما هو يضحي، لكنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أخذ دور العبور في صناعة الفعل التاريخي.
وحكاية المحتل الإسرائيلي، لم تبدأ مع هناء محاميد، وتسليطها الضوء على اتساع الرتق على الراتق في بنية الكيان، وهي كصحافية ميدانية تتحمل كل سفاهات المستوطنين والإعلاميين المتشنجين، ولا هي مع ناصر اللحام، وهو يفضح الأسطورة الإسرائيلية من وحي إعلامهم، ولا مع الفدائي أكرم دلول في غزة الشاهدة الشهيدة، ولا مع رئيس شبكة الميادين غسان بن جدو، يوم أطلق هذا الفضاء الواعي، من وحي جدلية الفعل، فارتقى في عشرية الميادين نحو سداسية أبطال نفق جلبوع، في عناق شمس الحرية.
حكاية الميادين في نقض السردية الإسرائيلية، وفضح المؤامرة الأميركية، وسكب قطرات الندى في ربيع جيل فتيّ، يشهر قبضة الحياة في جنين وطولكرم، أشعرت الجنود بالهلع يوم اقتحموا بيت البطل رعد خازم، وقد وجدوا الأسرة الصابرة وهي تنتظر نسف البيت، مشغولة بمتابعة هذا الاقتحام عبر الميادين. شاهد الجنود الميادين من داخل بيت رعد خازم، ليعلق أحدهم على هذه الخصوصية للميادين في وعي عوائل الأبطال.
أحد عشر قنديلاً، أضاءت شبكة الميادين من عمرها الشجيّ، وهي تتخندق عبر ميادين المواجهة، مع قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، هناك في العراق وعند ثغور الشام، لتبين الخيط الأبيض من الأسود في ضوء الفجر، شاركت المحور في عبوره التاريخي من حدائق الشهداء في طهران وعناق الشمس في صنعاء حتى مرابض السرايا والقسام في غزة، عبر شواطئ الفرات وياسمين الشام وعطر جبل عامل، وما تراجعت في وجه فتاوى التجهيل والتكفير، كما أبواق الدعاية والتضليل.
ولأن الحكاية في أصلها فلسطين ومركزيتها، في مقارعة السرطان الإسرائيلي ووحشيته، ظل طيفها يحوم حول القدس وأوجاعها، وظل المحتل يترصدها بعين ثاقبة كونها بوق العدو المصرّ على الإضرار بأمنه، فما إن وقعت الحرب، التي ينتهك فيها الإسرائيلي كل الحرمات عند ثغور غزة، حتى تلفت خلفه وأمامه ليجد شعاع الميادين يشعل في الأفق الأمل، أمل النصر والثأر، كما قرقعة القصف من سديروت حتى كريات شمونة.
والميادين، قبل الحظر، هي الميادين بعد الحظر، وفوق جبينها ابتسامة شموخٍ زيادة، وقدر شماتة بمحتل تقف خلفه تكنولوجيا الغرب العسكرية، ونفوذه السياسي وقوته الاقتصادية، مع ماكينته الإعلامية الأخطبوطية، لكنه بقيادة الحرب فيه منشغل بقناة الميادين، وأثرها في صلابة الميدان، وبأس الأحرار مع كل الزاحفين عبر نسيج الفلسطيني المنتصر حتى وهو يُذبح بالآلاف، للتضامن مع عظيم بأسه وصبره، هناك في عواصم العالم المقهورة في بوليفيا وكولومبيا وكوبا، حتى ساحات الغضب الشعبي في لندن وباريس وواشنطن.
لن يضير الميادين حظر الإسرائيلي وحمقه، فقد سكب هذا الحمق وقوداً إضافياً في ماكينة فعلها، يعزز صوابية الرؤية وشفافية الموقف وتضحية الرسالة.
إنه زيت القدس إذ يشعل من زيتون جبالها وهج البوصلة، وهي تسدد بصيرة الشعوب، لترى الغث من السمين، وتواكب رحلة السائرين عبر الهضاب والوديان للصلاة في ساحات القدس، في يوم آت لا محالة، حيث لا عزاء للمطبعين ولا ندم للقاعدين، ولا سيف إلا سيف عليّ يتقدم المبارزين في بدر وأحد وخيبر والخندق، كما هو طوفان الأقصى يطهّر أدراننا، على صفيح الميادين وهي تنتصر لآهات الغلابا والمسحوقين.
المصدر : الميادين