حول العالم

لن تعود إسرائيل كما كانت أبدا!

مع اقتراب المنطقة من حافة الحرب، يجب على إسرائيل أن تدرك أنه لا عودة إلى الوضع الطبيعي. داليا شايندلين – The Guardian

تعتبر كلمة “هازلاش” اختصارا عاميا عبريا يبدو مضحكا. ويعني تقريبا “كما كنت”، أو في لغة غير عسكرية “العودة إلى الوضع الطبيعي”. وفي غضون ساعات قليلة من قيام إسرائيل بضرب منصات إطلاق الصواريخ تابعة لحزب الله في لبنان في الساعات التي سبقت فجر الأحد، هدأت موجة الذعر الصباحية في فلسطين المحتلة وحلت “هازلاش”.

ولم يكن من المتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها. فمع استيقاظ الناس، أصدرت قوات الدفاع الإسرائيلية مجموعة من القيود المدنية استعدادا للتصعيد، وأعلن وزير الدفاع حالة الطوارئ لمدة 48 ساعة. وأغلقت الشواطئ وبعض الأنشطة الترفيهية العامة على طول الطريق من بلدة ريشون لتسيون، جنوب تل أبيب مباشرة، إلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. كما أغلق مطار بن غوريون أبوابه. والواقع يقول أن لا شيء طبيعي، ولا شيء مضحك على الإطلاق رغم عودة المطار للعمل.

إن أكثر ما يبعث على الإحساس بعدم الاطمئنان هو أن إسرائيل وحزب الله ليسا أكثر بعدا عن شفا الحرب عما كانا عليه قبل الساعة 4.40 من صباح يوم الأحد. فقبل ذلك، اغتالت إسرائيل أحد كبار القادة العسكريين لحزب الله في قلب بيروت، الأمر الذي ولّد أسابيع من الخوف في إسرائيل من رد حزب الله.

وقد أدى اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران في وقت متزامن تقريبا، والذي يُفترض أنه من عمل إسرائيل، إلى إثارة الخوف من رد إيراني أيضا. وقبل ذلك، أطلق حزب الله صواريخ على مرتفعات الجولان أسفرت عن مقتل عشرات الأطفال والمراهقين، جميعهم من الدروز. والعداوة سبقت هذه الأحداث بكثير؛ وهي تمتد إلى العداوة الطويلة بين إسرائيل إيران.

وفي خضم هذه الموجات من العنف، يتحول كل يوم إلى كابوس بالنسبة للمدنيين في المناطق الحدودية من الجانبين. ويركض آخرون إلى الملاجئ أو الخزائن، ويشاهدون المقذوفات وهي تصطدم بمنازلهم، أو يفقدون أرواحهم. وقد يشهد أي يوم مذبحة أخرى في مرتفعات الجولان. وقد تؤدي الكارثة التالية إلى إشعال شرارة دورة أخرى من الانتقام؛ وقد يؤدي كل انتقام إلى إشعال فتيل الحرب الكبرى بين إسرائيل وحزب الله، والتي قد تشعل بدورها جبهات إضافية في الشرق الأوسط.

ولكن حتى العودة إلى الوضع الطبيعي المؤقت اختلفت الآن عن السابق لأن الواقع يكشف عن أسوأ الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، وانقسامات بين المجتمع والدولة نفسها. و”الوضع الطبيعي” أصبح يعني العودة إلى المفاوضات العقيمة بشأن الرهائن الإسرائيليين في غزة واتفاق وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يموت فيه الرهائن الإسرائيليون كما يموت الفلسطينيون في غزة كل يوم.

إن الإسرائيليين يتقاتلون فيما بينهم بشراسة حول مصير رهائنهم. وهذا واحد من أبشع الصراعات السياسية في تاريخ البلاد؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية الإسرائيليين يتوقون إلى إعادة الرهائن، حتى في مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين ووقف إطلاق النار. وتحطمت ثقة معظم الإسرائيليين في نتنياهو بشكل دائم بسبب الموقف المستهزئ الذي يشعرون أنه أظهره تجاه الرهائن الإسرائيليين والمعاناة التي تعيشها أسرهم. وهناك أقلية ذات نفوذ تريد التضحية بالرهائن لغزو غزة واستيطانها.

إن أنصار الرهائن يشتبهون في أن الحكومة قد شطبت هؤلاء الرهائن من حساباتها لأنهم علمانيون، وربما حتى بسبب السمعة اليسارية التي تتمتع بها مجتمعات الكيبوتس في الجنوب. وهناك منافسة محبطة حول أي من السكان المدنيين يستحق الاهتمام أكثر في نظر الحكومة.

إن يأس أولئك في الشمال يغلي لدرجة أن قادة المجالس المحلية من مناطق الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة أصدروا يوم الأحد إعلانا لافتا بأنهم قطعوا جميع الاتصالات مع السلطات الحكومية. وقالوا: “لا تتصل. لا تأت. لا ترسل رسائل. لقد تمكنا من التعايش بمفردنا حتى الآن. سنتدبر أمورنا بمفردنا من الآن فصاعدا”.

وفي يوم الأحد أيضا، ورد أن حزب أوتزما يهوديت، الذي يتزعمه إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي، نشر إعلانات في الصحف تدعو إلى إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي. وفي الليل، وبخ مصدر دبلوماسي، يعتقد أنه رئيس الوزراء نفسه، المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي لأنه ألمح إلى أن إعادة الرهائن كانت الهدف الوحيد للحرب.

ويتحدث نتنياهو عن أهداف أخرى، بما في ذلك تدمير القدرة العسكرية والسياسية لحماس بالإضافة إلى إطلاق سراح الرهائن. وتثبت تصرفات نتنياهو أن لديه أهدافا أخرى، ولو أنه بعد أكثر من عشرة أشهر، فشل في تحقيقها، وهذا هو الهراء الجديد.

لقد تغلغل الوضع الجديد في أعماق النفسية الوطنية الإسرائيلية، التي أصبحت أكثر بدائية وإقليمية. فنحن نفكر في النجاة من التصعيد التالي، وفي الحزن، وبطاريات الهواتف، وموقع أقرب ملجأ. وما تبقى من مساحة ذهنية ضئيلة يذهب إلى القلق بشأن سبب كراهية العالم لإسرائيل.

لقد كان “الوضع الطبيعي القديم” معيبا لأنه وفر الظروف المناسبة لظهور هذا “الوضع الطبيعي الجديد”. ويتعين الآن على الإسرائيليين والفلسطينيين وقف إطلاق النار لنزع فتيل القنبلة الموقوتة الإقليمية ولخلق وضع طبيعي فعلا للمستقبل.

المصدر: روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى