ارتباك في روايات العدو حول عملية «يوم الأربعين»: «قصة نجاح» إسرائيلية فاشلة
بعد نحو 25 يوماً على اغتيال العدوّ القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية، نفّذ «حزب الله» فجر أمس وعده بالردّ. وبحسب ما أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، فقد انقسمت عملية «يوم الأربعين» – ربطاً بتزامنها مع مرور أربعين يوماً على ذكرى استشهاد الإمام الحسين – الى مرحلتين: الأولى عبارة عن هجوم جوّي بعدد كبير من المسيّرات نحو قاعدة غليلوت التي تشكّل القاعدة الأساسية لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، وتقع عند الأطراف الشمالية لمدينة تل أبيب، وتبعد عن الحدود مع لبنان 110 كلم. إضافة الى قاعدة عين شايمر الواقعة شرقي مدينة الخضيرة المحتلة، وتبعد عن الحدود مع لبنان 72 كلم، وهي قاعدة دفاع جوي استراتيجية. أما الثانية، فأتت لمصلحة نجاح الأولى، وكانت عبارة عن إطلاق نحو 340 صاروخاً من نوع «كاتيوشا»، باتجاه 11 موقعاً وثكنة في الجليل والجولان.
في المقابل، زعم العدو تنفيذ «عملية استباقية» ضدّ المقاومة في جنوب لبنان، متحدثاً عن أكثر من 200 غارة جوية، نفّذتها 100 طائرة ضد منصّات صواريخ كانت معدّة لأن تطلق سريعا باتجاه الأراضي المحتلة. وأطلق العدوّ على هذه العملية عملية «سلامة تل أبيب»، نسبةً الى ادّعائه بأنه أزال تهديداً وشيكاً لصواريخ كانت موجّهة نحو مدينة تل أبيب. ومنذ لحظة انطلاق الهجمات الإسرائيلية، حوالي الساعة 04:30 من صباح أمس، بدأت سردية الادّعاءات والمبالغات التي أطلقها جيش الاحتلال والتي لم تقنع المستوطنين، ولا المحلّلين والمراقبين في الكيان، فضلاً عن غياب أيّ دلائل عليها. وتدرّج العدو بروايته، من استهداف منصّات صواريخ «بالستية دقيقة» كانت موجّهة نحو مركز تل أبيب، الى استهداف 6000 صاروخ كانت معدّة للإطلاق، لينتهي الأمر بحديث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، عن استهداف «صواريخ قصيرة المدى»، إضافة إلى حديث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الذي قال إن «90% من الأهداف كانت صواريخ موجّهة إلى مناطق قريبة من الحدود».
وبالتزامن مع الضخّ الإعلامي الكبير لتثبيت «قصة نجاح» إسرائيلية منذ الدقائق الأولى، نشر جيش العدو مقطع فيديو زعم أنه مشاهد مصوّرة للضربات الاستباقية، ولكن اللافت في الفيديو كان خلوّ المشاهد من أي منصّات صواريخ أو مقاومين، بل فقط حقول وأشجار وصخور، علماً أنه سبق للعدو أن نشر مقاطع فيديو كثيرة منذ انطلاق الحرب، أظهرت بوضوح منصات صواريخ أو مقاومين أو آليات عسكرية. إضافة الى ذلك، لم تُسفر غارات العدو جميعها، عن استشهاد أي مقاومين، أو حتى إصابتهم، بل استُشهد مقاومان في وقت لاحق بغارة جوّية منفصلة عن الموجتين الأولى والثانية من الغارات التي زعم العدو أنها هجوم استباقي. وأكثر من ذلك، وبينما كانت تضرب الغارات الجوية الإسرائيلية، انطلقت صواريخ المقاومة من منصّاتها باتجاه أهدافها العسكرية، فيما انطلقت المسيّرات باتجاه هدفيها في العمق الإسرائيلي. وهو ما أكده، قبل بيان المقاومة، المتحدث باسم جيش العدو، الذي قال إن «حزب الله أطلق أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة على إسرائيل وقد عبرت الحدود».
ويذكّر الفشل الإسرائيلي الواضح في الهجوم الاستباقي، بفشله سابقاً في عمليات مماثلة، مثل عملية «مترو أنفاق حماس» في قطاع غزة، عام 2021، وعملية «الوزن النوعي» الفاشلة في بداية حرب تموز 2006. وفي كلتا العمليّتين، أعلن العدو وروّج لتحقيق أهداف عملياته، وضخّ موادّ كثيرة في الإعلام الإسرائيلي والغربي والعربي، لكن سرعان ما تبيّن فشلهما، بدليل ما تبعهما في الميدان، ولاحقاً في ما كشفت عنه التحقيقات الإسرائيلية في أسباب الفشل. وعلى هذا، فإن رواية الإنجاز الإسرائيلية، التي تداعت بعد ساعات قليلة من العملية، قد تتعرّض لضربة قاضية في قادم الأيام والشهور، عندما يعترف العدو بنفسه بفشلها.
وبدأ العدو إجراءات جبهته الداخلية بإعلان «حالة الطوارئ» لمدة 48 ساعة، ووقف الطيران من مطار بن غوريون، إضافة الى فتح الملاجئ العامة في تل ابيب وغوش دان وحيفا وكل الشمال، وتعليق التدريس في جامعات حيفا، وإلغاء كل التجمعات، ثم عمد الى مسار تنازلي في هذه الإجراءات، وصولاً الى إزالة جميع التقييدات على الجبهة الداخلية ليلاً، باستثناء تلك المتعلّقة بالمستوطنات الحدودية مع لبنان. وكان واضحاً توجّه العدو سريعاً الى «إغلاق القضية»، والقول بأن ما جرى قد انتهى، ولا نيّة للتصعيد. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، أن «إسرائيل نقلت رسالة إلى مجموعة من الأطراف الأجنبية للمساعدة في منع التصعيد»، وتفيد الرسالة بأن «إسرائيل تحرّكت لإحباط هجوم من حزب الله، لكنها لا تنوي تحويل ذلك إلى حرب واسعة النطاق»، وأشارت القناة الى أنه «إذا كان حزب الله راضياً عن ردّه اليوم، فإن إسرائيل لن توسع الحملة وسيمكن إغلاق ملف اغتيال فؤاد شكر».
وعلى الرغم من ادّعاء الأميركيين أنهم لم يشاركوا في الهجوم الاستباقي المزعوم على لبنان، إلا أنهم لم يكونوا خارج المشهد بشكل كامل. ونقل موقع «واللا» العبري عن مسؤول إسرائيلي قوله، إنه «تمّ إبلاغ الولايات المتحدة مُسبقاً عن الضربة». وأشار الى أن «إسرائيل تتحرّك بمفردها ضدّ حزب الله، ولكن بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة. والتحديث الذي تلقّته إدارة الرئيس جو بايدن عن الهجوم لم يكن في اللحظة الأخيرة». وفي السياق نفسه، أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، لنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، عقب عملية «حزب الله»، «التزام بلاده الصارم بالدفاع عن إسرائيل ضد أي هجمات تشنها إيران ووكلاؤها». كما أمر أوستن بإبقاء حاملتي الطائرات المتواجدتين في المنطقة، تحسباً لمزيد من التصعيد. وفي السياق أيضاً، نقلت قناة «بي بي سي» عن مصادرها، أن «من المتوقّع أن تأتي الموجة الثانية من الهجمات الانتقامية ضدّ إسرائيل من دولة أخرى غير لبنان»، في إشارة الى إيران واليمن.
من جهتهم، شكّك المراسلون العسكريون والمحلّلون الإسرائيليون في جدوى «العملية الاستباقية» المزعومة وصحتها، وقال المراسل العسكري في إذاعة الجيش الإسرائيلي، دورون كادوش، إن «هجوم الليلة في جنوب لبنان ليس هو الذي سيعيد 60 ألف مستوطن إلى منازلهم، أو يجعل حزب الله يبتعد وراء الليطاني، أو يتوقّف عن إطلاق الصواريخ على المستوطنات دون انقطاع»، مضيفاً أن «تبادل الضربات سيستمرّ، وستستمرّ المعاناة في مستوطنات الشمال». وأشار كودوش الى أنه «بحسب فهمي، وبحسب مصادر في المنظومة الأمنية – فإن الخطّة (لدى حزب الله) كانت إطلاق مئات الصواريخ – معظمها إلى شمال البلاد، وجزء صغير نسبياً فقط إلى الوسط». وعليه، فإذا كان حزب الله قد خطّط لإطلاق مئات الصواريخ، وتمكّن من إطلاق أكثر من 300 بحسب المتحدث العسكري، فإن هجومه – بحسب كودوش- «لم يتمّ إحباطه بالكامل، بل جزئياً، هذا في الغالب»، مذكّراً بأن «ترسانة حزب الله من الصواريخ تقدّر بنحو 150 ألف صاروخ، وقدرات كثيرة». أما المحلّل العسكري في صحيفة «يسرائيل هيوم»، يوآف ليمور، فأشار الى أن «مثل هذه الضربات الاستباقية لا تغيّر الوضع الأساسي على الحدود الشمالية في هذه المرحلة، وخصوصاً مع استمرار القتال على جبهة غزة وعدم التوصل إلى صفقة تبادل». ويعتقد ليمور أن «الكرة في ملعب نصر الله، الذي يترقّب مفاوضات وقف النار مع غزة، حيث سيكون مُطالباً بأن يقرّر كيف سيتصرّف، وبالتالي إلى أين سيأخذ لبنان وإسرائيل والمنطقة برمّتها، فهو يدرس الاحتمالات، ويبقى صاحب القول الفصل». بدوره، شكّك رئيس «شعبة الاستخبارات العسكرية» الإسرائيلية (أمان) السابق، والرئيس الحالي لـ«معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، تامير هايمان، بالتقارير التي تحدّثت عن مخطّط لحزب الله أحبطه الجيش الإسرائيلي يتضمّن مهاجمة أهداف إسرائيلية بنحو 6 آلاف صاروخ ومسيّرة. وقال هايمان، في منشور على منصة «إكس»، إنه «لو أن حزب الله خطّط بالفعل لإطلاق 6,000 صاروخ، بما في ذلك إلى وسط البلاد كما ورد في بعض التقارير، لكانت بيروت مشتعلة الآن». وأضاف: «من غير الممكن أن تكون هذه هي الخطّة، وأن تكون هذه هي الردود الإسرائيلية على خطوة من هذا النوع، والتي تعني فتح حرب شاملة». وتابع: «يُفضل الانتظار حتى انتهاء الحدث لاستخلاص الاستنتاجات النهائية».
وعلى صعيد متّصل، أفادت وسائل إعلام العدو بأن رؤساء مجالس المستوطنات في الشمال أعلنوا «تعليق الاتصالات مع جميع المسؤولين الحكوميين لحين التوصّل إلى حلّ في الشمال». فيما رأت مراسلة «القناة 12» العبرية، دافنا ليئال، أن «نتنياهو يحاول تهدئة الانتقادات القائلة بأن إسرائيل تتّخذ إجراءً وقائياً فقط لأن إطلاق الصواريخ كان يستهدف المركز (تل أبيب)، ولا تقوم بنفس الإجراء في حال كانت الصواريخ تستهدف الجليل». وهو «يردّ على الانتقادات بالقول إن هذه مجرّد البداية». وإضافة الى نتنياهو، قال وزير الجيش يوآف غالانت: «نحن أمام مفترق طرق»، مشيراً الى أن «صفقة الأسرى ستؤدّي إلى تسوية في الشمال والهدوء في المنطقة». ورأى غالانت أن «الهجوم هذا الصباح يبعث برسالة إقليمية: نحن مصمّمون على إزالة أي تهديد، في أي ساحة وفي أي وقت، ويجب أن نلقي نظرة شاملة على مشهد الحرب، وندافع عن أهدافنا في الشمال وفي الجنوب». أما رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، فأكّد العزم على «تغيير الوضع الأمني في الشمال ومواصلة العمل على إعادة السكان إلى منازلهم»، لكنه لفت الى أن «التركيز هو على قطاع غزة لتفكيك حماس وإعادة المحتجزين».
وبينما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن إصابات وقعت في عكا، أعلن المتحدث باسم جيش العدو، مقتل جندي في القوات البحرية، وإصابة آخرين، في هجوم أصاب سفينة حربية قبالة نهاريا.
المصدر: الاخبار