عفرين السورية.. وجع لا ينتهي
لا رقيب على سلوك المجموعات المسلحة المرتبطة بتركيا في الشمال السوري. وتوجّس هؤلاء من تقارب تركي سوري قد ينزع منهم هيمنتهم المطلقة على البشر والحجر هناك جعلهم يضاعفون من سلوكهم الإجرامي تجاه الأهالي على أمل تحصيل أكبر قدر ممكن من الثروة قبل أن تعيد السياسة خلط الأوراق في الشمال مجددًا.
وإذا كان السلوك الإجرامي للفصائل المسلحة في الشمال لا يميز بين مكون ومكون وعرق وآخر بدليل الاحتراب على الغنائم والجغرافيا والمعابر في ما بينهم وهم “رفاق السلاح الثوري” المزعوم فإن الفتاوى العنصرية لعبت دورها الرخيص والانتهازي في التأليب على المكون الكردي السوري بشكل خاص باعتبار أمواله وبيوته وأراضيه غنيمة حللتها فتوى “الجهاد ضدّ المرتدين الكفرة” لتصبح هذه الفتاوى مجاز عبور هذه المجموعات الإرهابية لاستباحة كلّ شيء في مدينة كعفرين هجّر هؤلاء أغلبية أهلها وشرّعوا في الباقين حكم السيف والنار إذا لم ينزلوا على كلّ أوجه الابتزاز الذي يمارس عليهم.
لا حدود للإجرام
يروي جومرد (اسم مستعار) كيف استغل مقاتل من ميليشيات “العمشات” التابعة لفصيل “السلطان سليمان شاه” غيابه القهري عن بيته لمدة يومين فقط لدواعي المرض ليبيع البيت وما فيه إلى مقاتل من فصيل آخر بمبلغ ألفي دولار أميركي.
يحكي جومرد لموقع ” العهد” الإخباري كيف فتح له المقاتل الذي اشترى بيته الباب وهو في عدة الميدان الكاملة متقلدًا سلاحه ومتزنّرًا بقنابل يدوية مشيرًا إلى أنه قصد توجيه “رسالة رعب لي حتّى لا أجادله في أمر بيتي وحين فعلت أمطرني بوابل من الشتائم قبل أن يشهر سلاحه في وجهي مدّعيًا أنه دفع ثمن المنزل من ماله وأنه لا يعترف بكلّ كلامي”.
ويضيف جومرد أنه كان قد أرسل أهله وأسرته إلى القامشلي وبقي في منزل العائلة بريف عفرين حتّى لا يسيطر المسلحون عليه وعلى أرضه، لكنّهم بقوا يتربصون به إلى أن اضطرّ لمغادرة المنزل إلى المستشفى في إثر نوبة حصى شديدة دهمته فاستغل المسلحون ذلك ووضعوا أيديهم على المنزل.
من جانبه يروي آران (اسم مستعار) لموقع “العهد” الإخباري قصصًا عديدة مشابهة لما جرى مع جومرد مشيرًا إلى أن عمليات البيع والشراء لبيوت السوريين في ما بين مقاتلي المجموعات المسلحة في عفرين وبقية مناطق غصن الزيتون تتم بلا حسيب ولا رقيب، وغالبًا ما يكون الأهالي أثناءها قاطنين في بيوتهم ليجري ترويعهم وطردهم أو مساومتهم على دفع ثمن منازلهم مقابل تركهم وشأنهم داخلها.
ويضيف آران أن الأمر كان يتم بداية بحجة الحاجة العسكرية والأمنية للمنزل فيما صار الإرهابيون بعد ذلك يضعون أيديهم عليه ويطردون أهله لاستقبال عائلات الإرهابيين القادمين من مناطق الصراع على النفوذ في ما بينهم.
آران أشار في حديثه لموقعنا إلى أن هذه الممارسات لا تقتصر فقط على السيطرة على البيوت وإنما امتدت إلى سرقة المحاصيل وخصوصًا محصول الزيتون بعد قيام أهله بقطافه من أجل بيعه إلى تجار أتراك يأخذونه إلى تركيا ليصار إلى تصديره لاحقًا كـ”زيت تركي ممتاز”.
وأضاف أن الإرهابيين صاروا يكرّرون الأمر بكثرة بعد صرف الأموال المسروقة على ملذاتهم فراحوا يتعهدون لتجار الخشب بقطع أشجار الزيتون وفيها أشجار يعود عمرها لعشرات ومئات السنين أحيانًا ويبيعونها للتدفئة في فصل الشتاء ليدمروا بذلك مواسم بأكملها بعد أن يحرموا البيئة من مساحات شاسعة من الغابات الخضراء.
غير أن أشد ما آذى ولا زال يؤذي أهل عفرين هي عمليات خطف أبنائهم والمساومة عليهم بفدية مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم أو حتّى الإدلاء بمعلومات شحيحة، وغالبًا ما تكون مضللة وغير صحيحة، عنهم من قبيلأين هم مغيبون؟ كيف هي حالتهم الصحية والنفسية؟
ويروي محمود (اسم مستعار) من ريف مدينة عفرين لموقع “العهد” الإخباري كيف انقطعت أخبار ابن جيرانه الشاب عن أهله بعدما تم اختطافه من مدخل قريته عبر سيارة سوداء النوافذ، مشيرًا إلى أنه ومن دون مقدمات قرع باب منزل العائلة المفجوعة مساء رجل أطلق على نفسه اسم فاعل خير ادعى أن قريبًا له يعمل لدى “أمن” إرهابيي فصيل “السلطان إبراهيم” وأخبره بأن مجموعة أمنية تابعة له قد ألقت القبض على شاب من البلدة – ابن العائلة المفجوعة – بتهم خطيرة جدًا تتعلق بالتعامل مع “فصائل معادية” قبل أن يلقي إليهم بـ “الحل السحري”: “يمكننا معالجة الأمر لكن ذلك يتطلب دفع مبلغ وقدره ٣٠ ألف دولار”.
ويضيف محمود أن العائلة طلبت الاستمهال لمدة أسبوع من أجل تأمين المبلغ المطلوب وتحرير ابنها الشاب، وحين تم لهم ذلك بعد بيع بيتهم وأرضهم وما كانوا يخبئونه من حليّ أخذ ربّ العائلة قراره بهجر قريته بشكل نهائي والمغادرة نحو مدينة الحسكة حتّى لا تتكرّر مأساته مرة جديدة.
ويختم محمود حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن هذا السيناريو يعتبر الأفضل والأمثل بالنسبة لأهالي المخطوفين مقارنة بعائلات أخرى تم خطف أبنائها وابتزازها ماليًا مقابل عرض المعلومات عنهم بصرف النظر عن مدى صحتها. وحين كانت هذه العوائل تعجز عن الدفع كان يتم تصفية أبنائها أو تنقطع أخبارهم بشكل نهائي لأن الإرهابيين كانوا يدركون أن إطلاق سراح المختطفين دون قبض فدية من ذويهم سيصيب استرزاقهم القذر بالكساد فضلًا عن أن انقطاع أخبار المختطفين سابقًا سيبث الرعب في قلوب ذوي المختطفين حديثًا وسيسارعون لدفع المال أو هجرة دورهم وأراضيهم، وهو المطلوب في الحالتين بالنسبة للمجموعات الإرهابية المسلحة التي تمارس فعل التغيير الديموغرافي للسكان بناء على أوامر تركية أحيانًا ورغبة في توطين عائلات إرهابيين جدد قادمين من مناطق الصراع أحيانًا أخرى.
الاحتلال التركي يغير وجه عفرين
يؤكد عضو مجلس محافظة الحسكة السابق محمود نجاري، وهو مواطن سوري كردي، على وجوب التذكير بجرائم الاحتلال التركي للأراضي السورية بدءًا من رأس العين مرورًا بمنطقة الباب وإدلب وعفرين، مشيرًا إلى أن كلّ هذه المواقع هي أجزاء غاليه من سورية.
ولفت نجاري في حديثه لموقع “العهد” الإخباري إلى أن الانتهاكات التي تحدث في عفرين كثيرة وجسيمة بدءًا من الاستيلاء على أملاك المواطنين من بيوت وبناء مستوطنات في عفرين واقتلاع أشجار الزيتون التي تزيد أعمارها عن عشرات السنين وتغطية سلوك الإرهابيين في هذه المنطقة الغالية من سورية حيث يتم طرد المواطنين من بيوتهم وإجبارهم على الرحيل القسري بعد التخلي عن أملاكهم، بالإضافة إلى الاعتقالات القسرية وما يشوبها من اختفاء وتغييب وانقطاع أخبار الموقوفين، مشيرًا إلى أن الاحتلال التركي والمجموعات الإرهابية يسعون بشكل جدي ومدروس لتغيير وجه عفرين بما يخدم أجندة المحتل التركي ويساهم في توطين عائلات المجموعات الإرهابية القادمة من مختلف مناطق الصراع.
وختم عضو مجلس محافظة الحسكة السابق حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن عفرين بما تضمه من مكون كردي كبير جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وأهلها سوريون يفخرون بانتمائهم لهذا البلد، مشيرًا إلى أن عفرين قدمت شخصيات وطنية بارزة على مستوى سورية وفي كلّ المجالات السياسية والفكرية والرياضية فوجب بلورة موقف وطني سوري موحد يسعى لتحرير عفرين وكلّ الأراضي السورية المحتلة من الاحتلال التركي وطرد بقية الاحتلالات عن هذه الأرض السورية المباركة.
المصدر : العهد الاخباري