يوم الانتصار الإلهي الموعود
يفهم كلّ مسلم عادي، وبالفطرة السليمة، ما هي “كربلاء”، وأنها ليست إلا العلامة الكبرى على طريق الحق. الحق الذي هو اسم الله تعالى، وعندما تأتي ذكريات كربلاء، وهي يوم ليس كمثله يوم، مع أيام مواجهة جديدة مع الطاغوت، يجتهد فيها نفر عزيز كريم من الأمّة في طرح الإجابة ذاتها التي قالها أصحاب الإمام الحسين- عليه السلام- ويقدمون أثمن ما يمكن أن يقدمه إنسان لقضيته.
هناك بالتأكيد دلالة روحية لهذا الالتقاء والارتقاء العلوي على سلم الفداء والوجد والإخلاص لملكوت الخالق الكريم. ففي أسبوع شهادة القائد الحاج محمد نعمة ناصر(أبو نعمة) يعيد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله صياغة هذه المعاني والصلات كلها، وربطها لتكتمل صورة معينة في ذهن الإنسان المسلم، وحتّى الإنسان الحر، في خطاب إيماني رفيع وراق، يعيد توصيف الكلمات والحروف ويكسبهما معًا بلاغة وعمق الإشارة. هو ليس خطابًا لكشف إنجازات أو معادلات حساب، لكنّه يسترد للإنسان بوصلته للرؤية والفهم والحركة، عبر إعادة الحياة إلى تلك الفريضة العظمى “الجهاد” مطلبًا يوميًا شديد الإلحاح والخصوصية، وعلى كون هذه الفريضة بالأصل هي عبادة لله، وهي الهدف الأسمى الذي ترخص عنده الأرواح والتضحيات الجسام.
قبل أي كلمة؛ من الضروري واللازم إعادة قراءة خطاب سماحة السيد الأول، أول خطاب عقب وقوع “طوفان الأقصى”، ليس للمحاسبة ولا لمعرفة ما الذي تحقق أو خططنا له أو وصلنا إليه، لكن لمعرفة قيمة الصدق والبصيرة وشجاعة مسؤولية القرار عند حزب الله وسيد الوعد الصادق. قبل أن تنقشع العواصف والدخان، في أيام القتال الأولى والمواقف كانت ما تزال خام/ باردة، وبعضها لم ينضج للحكم، كانت لكمة السيد قاطعة واضحة حاسمة، لا لبس فيها ولا تأويل. وبالنص يقول إن: “انتصار غزّة، اليوم، هو مصلحة وطنية مصرية، انتصار غزّة اليوم هو مصلحة وطنية أردنية، انتصار غزّة اليوم هو مصلحة وطنية سورية، وأولًا وقبل كلّ الدول، انتصار غزّة اليوم هو مصلحة وطنية لبنانية”.
كل عربي وكلّ مسلم وكلّ إنسان، اليوم، عليه واجب والتزام أخلاقي من نوع ما مع قضية فلسطين. أما بالنسبة إلى أهل المنطقة العربية؛ فعليهم فريضة لا تسقط لتصويب بوصلتهم، وإعادة الخطوة لتمضي وتتسق في طريقها الطبيعي، أي خلف المقاومة ومعها.
في الحقيقة؛ إن خيار الجهاد، بذاته ولذاته، هو خيار انتصار حقيقي. أن تجاهد فأنت تحلم وتعمل لتحقيق النصر، أما إذا اخترت الاستسلام، فقد قبلت مقدمًا أن تكون قربان المنطقة كلها على المذبح الصهيو – أميركي. لم يكن خيار “كربلاء” في أصله ولا استراتيجية الإمام الحسين – عليه السلام – يتضمن احتمالية هزيمة، أو يدعو لها، كان معركة الإيمان ضدّ الكفر، طريق الله وطريق الشيطان، هو خيار “جهاد نصر أو استشهاد”.. وفي الحالين؛ المؤمن يربح الدنيا والآخرة، ولا يترك لعدوه سوى الموت والمذلة.
خطاب سماحة السيد عن الشهيد القائد جاء، أيضًا، موحيًا من جهة أخرى، وهي جهة العدوّ المشتعلة. ولعل أشد ما نزل عليهم من كلماته هي “جاهزية حزب الله”، فإن أردتم حربًا فهي الحرب وستلاقون أسيادها ومصيركم فيها أسود، إن بنى نتنياهو أوهامه على آمال تحقيق أي اختراق في جنوب لبنان أو الجولان، فإنّ ردّ السيد كان ردًا مباشرًا قاطعًا على وزير حرب العدوّ غالانت: أنَّ: “الإخوة في وحدة ضدّ الدروع يوجّهون أسلحتهم باتّجاه مواقع العدوّ، وينتظرون أن تظهر الدبابات المختبئة، وبمجرد أن تظهر تُدمّر، والعدو لا يعلن ذلك ونحن ننشر المشاهد، وعندما تطل دباباتك على حدودنا تعلم ما ينتظرها.. رُماتنا ماهرون وقبضاتنا كثيرة وصواريخنا أكثر”.
وعن العدوّ المأزوم؛ قال سماحة السيد: إن “جبهة لبنان ماضية في تحقيق هدفها، وهي تضغط على العدوّ لاختيار أمر من اثنين، إما الرضوخ أو الهلاك”.. وبرأيه أنَّ “العدوّ يعيش خلال هذه المعركة أسوأ أيامه”.
من خطابه التاريخي الأول، في الثالث من تشرين الأول الماضي وإلى اليوم، يعلّمنا سماحة السيد من جديد أن المعارك الكبرى والفاصلة لا تخاض ولا تحسم في يوم واحد، بل يقيض الله لها ولنا عبادًا له هم أولو بأس شديد، يعملون في كلّ يوم من أيام حياتهم المباركة والجهادية من أجل الوصول إلى تلك اللحظة الفارقة، لحظة الانتصار الإلهي الموعود.
المصدر : العهد الاخباري