عاشوراء 1446هـ .. طوفان الحق بوجه الباطل
ما مرّ عامٌ منذ انطلاقة مسيرة المقاومة الإسلامية في لبنان إلّا وقد رُصِّع بالشهداء الحسينيين، فما بال قلوب الناس ترى في عاشوراء هذا العام وقعًا كربلائيًا شفّافًا إلى هذا الحدّ، بحيث تشعر أنّ الكلّ اليوم في حضرة كربلاء؟ أهي بركة الدم المبذول في معركة الحقّ ضدّ الباطل ما تهبنا هذا المقدار من الغرق في عاشوراء؟ أم أنّنا وقد تباركت أعيننا برؤية وجوه أصحاب الحسين (ع) في هذا الزمان، اقتربنا من عاشوراء أكثر..
في جبل عامل اليوم معسكر لأصحاب الحسين (ع).. مخيّم لأقمار ما اتخذوا اللّيل جملًا وما هابوا مواجهة الطغيان.. معسكر لجيش من شهداء نصروا إمامهم بدمهم، بروحهم، بيُتم عيالهم، بجراحهم.. مخيّم يحوي جيشًا من رجال عاهدوا إمامهم وقالوا لوددنا أنّنا نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء ثم نُحيا ثم نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء يُفعل بنا ذلك ألف مرة ما تركناك يا حسين(ع).
وفي الضاحية، تحكي الشوارع حكاية من مرّوا فيها قبل الالتحاق بالسماء من بوابة ساحة الاشتباك في الجنوب، تحكي الصور على واجهات المضائف العاشورائية عن كربلائيين حسينيين، كانوا في العام الماضي خدّام الحسين(ع) في المجالس والمضائف والمواكب العاشورائية، واليوم هم في جنّة الحسين(ع) وقد عبروا على طريق القدس إلى كربلاء ومنها ارتحلوا عشاقًا..
في البقاع، يحدّث الصّخر عن أهل الحبّ والعزّة وهم يمضون إلى الشهادة ساطعين، وتتزيّن البيوت بصور أحبّتها الذين قبل العاشر أحيوا عاشوراء بدمهم على أرض عامل، بروحهم المدجّجة بخبرات من عاش ألف دهرٍ ناصرًا للحقّ وإمامِ الحقّ، بأصواتهم التي تلبّي نداء من نادى “أما من ناصر..؟!”
معركة واضحة: الحقّ كلّه ضدّ الباطل كلّه.. الطهر كلّه ضدّ الرجس كلّه.. عدلٌ يواجه الظلم.. دمٌ يشتبك مع السّيف وينتصر.. ولأن كلّ معركة واضحة هي معركة كربلائية حسينية، أمكن لمعركتنا على طريق القدس أن تكسو أيامنا العاشورائية في هذا العام بنور ساطع يتيح لنا أن نرى كربلاء، وندرك المعنى أكثر.
عوائل الشهداء الحاضرون في كلّ مجلس حسينيّ وفي هيئات الإحياء العاشورائية يهبون البيئة كلّها فيضًا من الوقار والطهر الذي ينعكس في ملامح الجميع. وكذلك أصدقاء الشهداء الذين يفتقدون في هذه الليالي المقدّسة لرفاق دروبهم الذين التحقوا بالركب الحسينيّ وغدوا من أصحاب الحسين (ع).
في الحرب، يمكن مشاهدة “ما رأيتُ إلّا جميلًا” في الكثير الكثير من الأعين والقلوب، كيفما نظرت، تلمح أبًا في كفّه جمر الفراق وعلى شفاه قلبه تمتمات الحمد والعزّة، وتلمح أمًّا، بل أمّين: واحدة تنتظر غائبها ليعود من الجبهة وأخرى أنهت انتظارها وزفّته بالورد وبالشوق الذبّاح شهيدًا، ترى زوجات يكفكفن دمع أبنائهن وبناتهنّ وقد صاروا أيتامًا، وترى الأيتام عند أضرحة الآباء بالدموع يكتبون عهود مواصلة الدّرب والالتزام بالنهج الكربلائي. في الحرب، أتت عاشوراء لتسكب في روح الحزن سمات الثورية، وتهبه وقار الموقنين وطهرهم، وأتت عاشوراء كي تأخذنا إلى رحاب كربلاء، وتمنح كلّ منّا فرصة أن يدرك حقًا ما الذي تعنيه “هيهات منّا الذلّة” فيؤمن أكثر، ويعرف حزب الله أكثر.
المصدر : العهد الاخباري