لبنانيات

الاحوال الشخصية تتخلى عن “ابريق الزيت” في قصة بيانات القيد

اعتدنا في لبنان على سماع “قصة ابريق الزيت” او التندر بها حين يتحادث اللبنانيون مع بعضهم حول مختلف القضايا، اكانت سياسية ام امنية ام معيشية ام مالية، ام حتى ادارية، وذلك للتدليل على ان شيئاً لم يتغيّر وان الاوضاع على ما هي عليه منذ عقود وعقود من الزمن، ولم يطرأ اي تعديل ايجابي او يبعث على الامل في تحسينها. ولكن، ما تم الاعلان عنه منذ يومين، لا يجب ان يمر مرور الكرام، خصوصاً في ظل الاوضاع الراهنة التي يعيشها لبنان واللبنانيون، ولا يجب على المشاكل الكثيرة التعقيد في السياسة والامن والمال، ان تحجب الشمعة التي تمت اضاءتها في النفق المظلم الذي يمر به البلد، ومن الظلم الا ننتقد حين يجب والاشادة بما تحقق حين يلزم الامر.

لا احد يقول ان ما تقوم به المديرية العامة للاحوال الشخصية كامل ولا تشوبه شائبة، ولكن الحقيقة تفرض ايضاً اعطاء كل ذي حق حقه، وليس من السهل القيادة “عكس السير” في بلد يبحث فيه اللبنانيون عن بصيص الامل والنور للتعلق به. الحصول على بياناتقيد فريدة وعائلية من دون الحاجة الى التوجه الى مسقط الرأس، تحول من حلم الى حقيقة، وبات الكترونياً والاهم من كل ذلك انه لميكلف الدولة اعباء مالية كبيرة، وفق ما اكده المدير العام للاحوال الشخصية العميد الياس الخوري. واللافت ان ردة فعل المواطنين كانت سريعة، اذ بعد مرور يوم واحد على الاعلان عن امكانية الاستفادة من هذه الخدمة، تؤكّد الارقام الرسمية المسجلة ان اكثر من 10 آلاف اخراج قيد (فردي وعائلي) تم طبعه، ما يدل على ثلاثة امور: الاول هو توق اللبنانيين الى مثل هذه الخطوة وانتظارهم لها بفارغ الصبر، والثاني هو نجاح هذه التجربة وسهولتها، والثالث هو تقليل الاخطاء الى الحدّ الادنى وعدم تكبيد اللبناني أيّ اعباء مالية اضافية وقطع دابر السمسرات و”التنفيعات”، مع الاشارة الى ان الخدمة معززة بفيديو يشرح لمن يرغب، الخطوات الواجب اتباعها لاتمام طلبه.

ويسجل للمديرية نجاحها في تخطي عقبة مهمة جداً فرضت نفسها في السنوات القليلة الماضية وتتمثل في عدم توافر الاوراق الخاصة ببيانات القيد والتي شكلت معضلة حقيقية للناس الذين تهافتوا الى دوائر النفوس في محاولة لـ”حجز” حصتهم، اضافة الى ضمان الجودة وعناصر الامان لهذه البيانات من خلال خاصية QR Codeالمعمول بها. وحين يتم سؤال المعنيين في المديرية عن الكلفة الحقيقية لهذه الخدمة والتي كانت تكلف مئات الآلاف من الدولارات في السابق، يأتيك الجواب بشكل مفاجئ انها لم تكلف الدولة اي اعباء مالية، وهو ما لا يمكن تصديقه في العادة، ولكن احداً لم يتقدّم بشهادة معاكسة.

انّها خطوة جريئة ومتقدمة، قام بها فريق عمل محلّي بالكامل من موظفين ومهندسين وتقنيين، بعد ان تم التخطيط لعملهم هذا بنجاح، وفي وقت قصير ايضاً. وفي الامر عبرة لمن يعتبر، وهو انه على الرغم من ان لبنان بلد “محسوبيات”، وطائفي الهوى، ويعاني من قلة في الموارد المالية والبشرية، يمكنه تخطي كل هذه العوائق اذا ما توافرت الارادة والرغبة الصادقة في عدم الاستسلام للمصير المشؤوم. على امل ان تستمر المديرية العامة للاحوال الشخصية في التفاعل مع الناس وتحسين ما يجب، وتقديم الخدمات الحديثة التي تسهل تلبية طلبات المواطنين، وان نشهد في مديريات عامة ومؤسسات رسمية اخرى انجازات مماثلة تستحق الاشادة والتقدير وتخرق جدار التشاؤم والسلبيات المحيط بنا جميعاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى