التهديدات بالحرب على لبنان.. معزوفة ترسم معالم الانكسار الكامل
حينما أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن قرار غزو العراق، قال في خطاب له بتاريخ 19 آذار/مارس 2003 أن الحرب “لن تكون حملة أنصاف إجراءات، ولن نقبل أي نتيجة فيها إلا النصر الكامل”، معتمدًا في ذلك على “دعم حيوي” قدّمته آنذاك أكثر من 35 دولة وبينها غالبية الدول العربية بالطبع.. وبعد عامين أعلن بوش، المنتشي بنجاحه في تدمير العراق وشرذمة استقراره السياسي والأمني، أن “العراق يمثّل جبهة مركزية في الحرب الأميركية على الإرهاب” حسب زعمه، وأعاد تكرار عبارته قائلًا: “..ولن تقبل في ذلك بأقل من النصر الكامل”، وكانت هذه “الحرب” الذريعة التي حاولت واشنطن تسويقها من أجل تكريس احتلالها للعراق كنقطة تمركز أساسية في قلب الخليج بغرض فرض هيمنتها على المنطقة وتشديد الحصار على إيران.
وحدة المواجهة
لكن العبرة في قاموس النصر ليست في تحقيق الإنجاز بل في الحفاظ عليه، فلم تمض سنوات قليلة حتى بدأ المشروع الأمريكي يسجّل محطات انكساره واحدة تلو الأخرى وصولًا إلى الانسحاب المهين من أفغانستان، فانصبّت أولوية الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البحث في كيفية إعادة هيمنة واشنطن على المنطقة، خصوصًا بعد تنامي قوة محور المقاومة واتّساع دائرته الحيوية، والتي برزت بشكل فاعل في حرب “طوفان الأقصى” التي وحّدت ساحات المواجهة على مستوى المبادرة والفعل، وحوّلت قطاع غزة وفلسطين المحتلة إلى ساحة واحدة على مستوى الميدان، وهنا يكمن الفارق الجوهري بين الحرب على العراق والحرب على فلسطين.
جنود معوّقون وآليات من الجيل الثالث
استعاد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو عبارة بوش الابن بالحديث عن “الانتصار الكامل” قبل إنهاء عدوانه على قطاع غزة، مع العلم بأن معظم التقديرات والتحليلات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتحدث عن الفشل الكامل، فالحرب دخلت شهرها التاسع مستمرة، دون أن يستطيع الاحتلال تحقيق أهدافه المعلنة، باستثناء ارتكاب المجازر والتدمير والتشريد، حيث ما تزال حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية تمتلك زمام المبادرة في إعادة تنظيم صفوفها وتغيير تكتيكاتها العسكرية وتكبيد العدو الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، وليس أدلّ على ذلك من اعتراف المصادر الإسرائيلية بأن عشرات آلاف الجنود باتوا اليوم في حال إعاقة ذهنية وجسدية دائمة، فضلاً عن رصد مراقبين عسكريين استخدام العدو لآليات من الجيل الثاني والثالث بما يشير إلى أزمة لوجستية سبّبتها صواريخ المقاومة الصيّادة.
هدهد المقاومة المرعب
هذا على جبهة قطاع غزة، أما على جبهة لبنان فإن الأمر أدهى وأمرّ، فعلى مدى سنيّ الصراع التي كانت فيها “إسرائيل” القوة الإقليمية الأقوى في المنطقة، هذه هي المرّة الأولى التي يجد فيها الصهاينة أنفسهم تحت تهديد حقيقي بالبقاء آمنين في مستوطناتهم ومواقعهم العسكرية، ليس فقط في شمال فلسطين الذي هجره مستوطنوه، بل في أي نقطة من فلسطين كلّها التي تطالها صواريخ المقاومة الإسلامية الدقيقة وغير الدقيقة، ولعل أوضح نموذج عن واقعية هذا التهديد ما عكسه شريط “الهدهد” المصوّر الذي عرضه الإعلام الحربي عن الأهداف الإسرائيلية التي سجّلتها مسيّرات المقاومة، من ردود فعل ومواقف مسؤولين ومحللين عسكريين للعدو، والذين أجمعوا على اعتبار أن حزب الله بات يملك جيشاً متطورّاً ومنظومة متقدّمة، ولا يمكننا أن نربح أي حرب نخوضها ضده.
نتنياهو والرقص على حافة الهاوية
هذا على المستوى العسكري، أما على المستوى السياسي فإن الكيان المؤقت لم يشهد يومًا حال انقسام عامودي بين مكوّناته الحزبية والسياسية كما هو حاصل اليوم، سواء في داخل التشكيل الحكومي أو على مستوى أحزاب المعارضة أو على مستوى اعتراضات المستوطنين الذين يطالبون بوقف الحرب واستعادة أبنائهم الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، دون أن نغفل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بفعل “تفريغ” المقاومة مستوطنات الشمال. وتشكّل هذه العوامل مجتمعة دافعاً وحيداً أمام نتنياهو للمضي قدماً في الرقص على حافة الهاوية ليندفع في تهديداته بفتح حرب على الجبهة الشمالية، وتسريب معلومات عن خطط عسكرية أعدّت لهذه الغاية.
هوكشتين مبعوث إسرائيلي
يرى مراقبون أن التهديدات الإسرائيلية ليست سوى معزوفة مكرّرة، وعلى الرغم من أنها تأتي اليوم مترافقة مع متغيّرات ميدانية فرضتها المقاومة الإسلامية في جبهة الإسناد، فإنها تردّدت على ألسنة مسؤولي العدو في مواقفهم السياسية والعسكرية منذ اليوم الثاني من “طوفان الأقصى”، ويشير هؤلاء إلى ضيق الخيارات أمام حكومة العدو، وأمام نتنياهو شخصيًا، فضلًا عن ضيق الوقت الذي يضغط عليه لتحقيق إنجاز ما على الأرض يسمح له بإعلان ما يسمّيه “الانتصار الكامل”، وربطًا بهذا الواقع جاءت زيارة الموفد الأمريكي عاموس هوكشتين إلى بيروت ليسوّق هذه التهديدات بشكل مباشر ويحذّر من النتائج المدمّرة التي ستلحق بلبنان إذا ما نفذت “إسرائيل” تهديداتها.
احتمالات الحرب
في المقابل، يؤكد المراقبون أن حسابات الحرب اليوم تختلف عن المراحل السابقة، فإن أي حماقة سيرتكبها العدو بشن عدوان على لبنان من شأنها أن تفتح جبهات أخرى ولن تقتصر على الجبهة اللبنانية، مع العلم بأن ما تمتلكه المقاومة الإسلامية وحدها كافٍ لردع “إسرائيل” وإلحاق الهزيمة بها وبمستويات أعلى وبأحجام أكبر بكثير في محطات الانتصار منذ تموز العام 1993 وصولاً إلى تموز العام 2006، ولن تدور رحى المعركة هذه المرة على أرض لبنان بل ستنتقل إلى كل مكان يتواجد فيه الاحتلال على أرض فلسطين، كما لن تقتصر على المواجهات الأرضية بل ستشمل الجو والبحر أيضاً ولا يمكن لأحد أن يتوقّع المدى الذي قد تتدحرج فيه كرة النار لتتجاوز بلهيبها حدود المواجهة نحو دائرة الحرب الكبرى، وبذلك يحقق نتنياهو “الانكسار الكامل” للكيان المؤقت وللمشروع الأمريكي برمّته.
المصدر : العهد الاخباري