حول العالم

“Responsible Statecraft”: واشنطن تكذب بشأن رصيف غزة

موقع “Responsible Statecraft” ينشر مقالاً للكاتب ستيفن سيملر يتحدّث فيه عن “الاستعراض السياسي” الذي قام به الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلانه إنشاء رصيف عائم في غزّة لإيصال المساعدات للغزّيين، ناشراً معطيات وبيانات تظهر أنّ المساعدات لم تصل فعلياً للسكان الذي يتضوّرون جوعاً.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تجهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، كي يصدّق الناس أنّها تقود الجهود الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وأنّ الإمدادات “تتدفّق إلى الفلسطينيين” من الميناء العائم الذي أنشأته القوات العسكرية الأميركية على شاطئ القطاع. وكان الناطق باسم البنتاغون بات رايدر، قد أعلن بداية الأسبوع الجاري، أنّه تمّ تسليم 1573 طناً من المساعدات من ضمنها 492 طناً منذ إعادة تشغيل الرصيف يوم السبت الماضي، بعد توقّف تسبّبت فيه الأحوال الجوية السيئة في الشهر الماضي. لكن، المساعدات لا تتدفّق إلى الفلسطينيين، ولم يحدث ذلك قط.

ولم يصل فعلياً من الميناء العائم أيّ غذاء إلى سكان غزة، الذين يتضوّرون جوعاً منذ أن بدأ تشغيله في 17 أيار/مايو الفائت. وأعلن برنامج الأغذية العالمي، عن 15 شاحنة فقط من الرصيف وصلت إلى مستودعاته داخل غزة للتوزيع في اليومين الأوّلين لتشغيل الرصيف، ولم تصل أيّ مساعدات في الفترات التي تلت.

وفي رفح على وجه التحديد، أوقف برنامج الأغذية العالمي جميع عمليات تسليم المساعدات إلى الفلسطينيين المحتاجين، بسبب العدوان والعملية البرية الإسرائيلية للمدينة. بالإضافة إلى ذلك، كان البرنامج قد أوقف مؤقتاً توزيع أي مساعدات إنسانية أخرى من الرصيف بسبب مخاوف أمنية بعد المجزرة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة في ناحية مخيم النصيرات، أسفرت عن استشهاد نحو 300 مدني فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.

إنّ 492 طناً من المساعدات التي تفاخر البنتاغون بتسليمها، ستبقى في مستودعات على الشاطئ حتى إشعار آخر، في الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة، من أنّ جميع العمليات الإنسانية في غزة على وشك الانهيار.

الحقيقة الناصعة، هي أنّ “الممر الإنساني البحري” الذي تبلغ تكلفته 320 مليون دولار، (تم تخفيض الرقم مؤخراً إلى 230 مليوناً فقط)، لا يعمل، منذ أن أعلن عنه بايدن للمرة الأولى في خطاب حالة الاتحاد في الشهر الثالث من السنة الجارية. وبالنسبة للفلسطينيين ولكثيرين غيرهم، الميناء المذكور يخدم مصالح إدارة بايدن، من خلال جعل الأمر يبدو وكأنّ الولايات المتحدة “تفعل شيئاً” من أجل السكان المدنيين، بينما تدعم الوحشية الإسرائيلية التي تقتلهم بالقنابل وبالتجويع وبالرصيف البحري، الذي في جوهره يوفّر “غطاءً إنسانياً” للإبادة الجماعية الإسرائيلية في القطاع.

واردات الرصيف الأولى

يجادل مسؤولو إدارة بايدن بأنّ الرصيف ليس فاشلاً، أو أنّه لتنشيط العلاقات العامة الأميركية، لكن لا أحد يصدّق هذا الخداع المكشوف. ويقول المسؤول السابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والرئيس الحالي لمنظمة اللاجئين الدولية، جيريمي كونينديك، إنّ “الرصيف يعدّ مسرحاً سياسياً لابتزاز قضية إنسانية، وتستخدم خشبته للاستعراض، على الرغم من أنّ المساعدات الإنسانية متوقّفة ومنهارة تماماً”.

ردّ مدير الاستجابة الإنسانية في المشرق العربي التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، دان ديكهاوس، على تعليقات كونينديك، بالقول إنّه “كما تعلمون، لن أطلب في غضون يومين الحصول على ما يكفي من الغذاء والإمدادات الأخرى لعشرات الآلاف من الأشخاص، يحقّ للجميع إبداء آرائهم إن كان الرصيف مسرحاً للاستعراض أم لا، لكننا نقدّم بالفعل مساهمة ذات معنى في الجهد الشامل هناك”.

لكن، وفقاً لبيانات المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة الخاصة بواردات الغذاء إلى غزة، في المدة من بداية العام وحتى الشهر الفائت، فقد وصلت مساعدات غذائية أقل بكثير إلى سكان غزة مما كانت عليه قبل بناء الرصيف الأميركي. وفي الشهر الماضي أغلق “جيش” الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح واجتاح المدينة في نهايته، في حين تسلّم الفلسطينيون في رفح عدداً أقل من الحصص الغذائية مقارنة بما حصلوا عليه في الشهر الرابع من العام الجاري. ووفقاً لـ “جيش” الاحتلال، ورد 1806 أطنان فقط من المواد الغذائية من الرصيف الأميركي إلى مراكز وكالات الإغاثة في غزة قبل أن ينهار في عاصفة في أواخر أيام الشهر الماضي، في وقت تتراكم فيه المواد الغذائية وغيرها من المساعدات خارج غزة عند معبر رفح البري من الجهة المصرية. كذلك، لم يكن يدخل إلى غزة ما يكفي من الغذاء قبل أن يغلق الاحتلال معبر رفح أصلاً. وخلال شهر آذار/مارس الماضي، كانت الواردات الغذائية الشهرية إلى غزة مماثلة تقريباً لما كانت عليه في عام 2022، على الرغم من أنّ الاحتياجات الغذائية أصبحت الآن أعلى 5 مرات مما كانت عليه في ذلك الوقت، حين كانت خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في فلسطين في عام 2022 تكلفتها 226 مليون دولار للأمن الغذائي والطعام، أمّا الآن فتبلغ المتطلّبات تلك 1.1 مليار دولار.

الاستعراض السياسي

خلص تقرير جديد صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، إلى أنّ 1.1 مليون فلسطيني قد يواجهون المجاعة الكاملة خلال أقلّ من 40 يوماً، ويعود ذلك أساساً إلى الأثر المدمّر للعدوان الإسرائيلي المستمر، والقيود الشديدة على وصول المساعدات. وكلّ ذلك تسبّبت فيه إدارة بايدن عبر شحن الأسلحة الأميركية لـ “إسرائيل”، حيث تتسلّم حكومة “تل أبيب” شحنة كلّ 36 ساعة، ثم ترفض استخدام النفوذ الذي توفّره تلك الشحنات لمنعها من عرقلة وصول المساعدات.

ينكر البعض من مسؤولي البيت الأبيض وجود هذا النفوذ لديهم على بنيامين نتنياهو، مع أنّ بايدن كرّس بثبات دعم كلّ جرائم “إسرائيل” منذ 7 أكتوبر وفي مقدّمتها الإبادة الجماعية الجارية بحقّ الفلسطينيين على قدم وساق. وحين أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت عن فرض “حصار كامل” على غزة، وتعهّد بأنّه “لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود. سيتم إغلاق كل شيء”، لكنه ما لبث أن قرّع من قبل نواب في “الكنيست”، بسبب سماحه بدخول قدر ضئيل من المساعدات، فبرّر الأمر بأنّ “الأميركيين أصرّوا ولسنا في موقع يسمح برفض طلبهم، ونحن نعتمد عليهم في الطائرات والمعدات العسكرية ولا يمكن أن نقول لهم لا”.

إنّ اعتماد الاحتلال على السلاح والحماية السياسية من الولايات المتحدة، يضع بايدن في موقف قوي للغاية للتأثير على ما تفعله “تل أبيب” وما لا تفعله في غزة، على عكس ما هو الوضع الآن المعدوم من تأثيرات بايدن، حيث يستمر نتنياهو بتنفيذ جرائمه بالذخائر الأميركية بلا هوادة، مما يضيف عقبات أخرى أمام إيصال المساعدات بينما المجاعة وشيكة في غزة، كما لم تحدث فيه بالفعل في أي مكان آخر على وجه البسيطة. وبدلاً من تغيير هذه الظروف بمكالمة هاتفية مع “تل أبيب”، طلب بايدن من الجيش الأميركي بناء رصيف بحري، ظناً منه أنّ الوقت يسمح للاستعراضات السياسية المسرحية، ولو كانت فوق دماء الفلسطينيين النازفة بغزارة.

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى