حول العالم

استقالة غانتس وآيزنكوت بين التحولات في كيان الاحتلال وتداعيات العدوان على غزّة

في خطوة مفاجئة وتحوّل غير مسبوق، أعلن عضو مجلس الحرب الصهيوني بني غانتس استقالته من منصبه، مما أثار تساؤلات واسعة حول التداعيات المحتملة لهذه الخطوة المتوقعة بعد الإخفاق في احتواء أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.

وتأتي هذه الاستقالة في ظلّ تصاعد التوترات والاحتجاجات داخل الكيان نتيجة الإخفاق في التعامل مع حرب غزّة التي لم تحقق أي هدف منذ ما يتجاوز الثمانية أشهر، وموجة التصعيد العسكري المستمرة ضدّ قطاع غزّة، ما يظهر حجم التعقيد داخل الكيان، وتصاعد الضغوط السياسية والاجتماعية التي يواجهها.

وأثارت استقالة بني غانتس الذي صرّح أن الحرب على غزّة قد تمتد لسنوات موجة جديدة من التساؤلات حول مستقبل السياسة “الإسرائيلية”، خاصة في ما يتعلق بالحرب الدائرة في غزّة وقضايا الأمن القومي الصهيوني مما قد يزيد التوترات داخل الكيان، ويضع ضغوطًا إضافية على حكومة “تل أبيب” في ظلّ العدوان المستمر على غزّة وتصاعد الانتقادات الدولية.

الخبير في الشؤون الصهيونية عزام أبو عدس أكد في حديث لموقع “العهد” الإخباري أن هذه الاستقالة هي أول ضربة هائلة لعملية تحرير الأسرى الصهاينة حيث إن نتنياهو كان يتوقع أن تأخذ هذه العملية الزخم والحصة الأكبر من الإعلام العبري وتعطي انتعاشة للشارع “الإسرائيلي” وتقوي من أسهم نتنياهو واليمين، لكن ما حدث هو أن استقالة غانتس وآيزنكوت خطفت كلّ الأضواء ولم يعد أحد يتحدث عن هذه العملية إلا في سياق الاستقالة.

وأضاف: الضربة الثانية لنتنياهو هي عندما نتحدث عن استقالة بني غانتس وأيزنكوت وكلاهما من ذوي التاريخ العسكري في دولة الاحتلال، وبالذات نتحدث عن أيزنكوت قائد هيئة أركان سابق وقائد سلاح الجو في فترة حرب لبنان، وصاحب عقيدة الضاحية، أو عقيدة أيزنكوت والذي قتل ابنه، وكذلك ابن شقيقته في هذه الحرب ما يعني أنه قدم تضحيات في سبيل بقاء الكيان على المستوى الشخصي والسياسي، وبالتالي فإن استقالة مثل هاتين الشخصيتين تعطي انطباعًا لدى الشارع “الإسرائيلي” بأن العسكريين يهربون من هذه الحكومة ومن هذه الحرب وأنه لو كانت الأمور تسير باتّجاه فيه انفراج “لإسرائيل”، لبقي هؤلاء في الكابينت على الأقل.

وقال إن هذه الاستقالة حملت مضامين مهمّة، الأمر الأول هو حديث غانتس بأن هذه حرب طويلة، مما نشر الكثير من الإحباط في الشارع “الإسرائيلي”، وبالتالي فإن “إسرائيل” ليست مستعدة للحرب والاستنزاف طوال هذه المدة، لا سيما أن وضعها الاقتصادي والعسكري يتردى فضلًا عن أن غانتس دعا أثناء خطاب الاستقالة وزير الحرب يوآف غالانت للانشقاق عن نتنياهو الأمر الذي قد يزيد الشقاق السياسي داخل كيان الاحتلال.

ولفت أبو عدس في حديثه لـ”العهد” إلى أن هذا الوضع قد يؤدي إلى عاصفة سياسية جديدة في “إسرائيل” وهذه الاستقالة ستدفع الحرب نحو الأسوأ بالنسبة للاحتلال لأن من كان يفترض أن يديروا هذه الحرب استقالوا وهذا يعني أن إدارة هذه الحرب ستكون بين نتنياهو الذي يريد أن يجيرها لترميم مستقبله السياسي وبين اليمين الديني المتطرّف الذي يعتقد أنها حرب هرمجدون التي سيأتي بعدها المسيح المخلص.

وشدد على أن هذه الحرب ستقود “إسرائيل” إلى الضياع وإلى واقع ربما لم يشهده مجتمع بشري، حيث الفئة الأولى تضحي بأبنائها وتدفع من لحمها الحي وتقاتل على ثلاث أو أربع جبهات وتدفع الضرائب وتتحمل أعباء هائلة جدًّا في سبيل الدولة، وفئة أخرى تعيش حالة التطفل على حساب الدولة وتأخذ كلّ المغانم. هذا لم يحدث في التاريخ الإنساني، فهناك 1,200,000 من جمهور الحرديم والمتشددين المتدينين يرفضون الانخراط في صفوف الجيش في الوقت الذي تخوض “دولتهم” حربًا وجودية على ثلاث أو أربع جبهات

واعتبر أبو عدس أن كلّ الأزمات البنيوية التي عانت منها “إسرائيل” على مدى تاريخها، وكانت تخفيها تحت ستار من القوّة والبطش والجبروت والتفوق العسكري والسياسي والاقتصادي، قد انفجرت في وجهها مرة واحدة، وأظهرت عدم قدرتها على الحسم وإدارة الصراع مع حزب الله ومع حماس ظنًّا منها أنها لن تعاقَب، وأنها خارج القانون الدولي.

وأشار إلى أن غانتس سيصوت ضدّ القانون الذي يريد نتنياهو أن يمرره لإعفاء المتدينين من التجنيد وإعطائهم امتيازات جديدة في ظل الحرب القائمة حتّى يحافظ على تماسك حكومته، وبالتالي هذا التصويت سينعكس على الشارع “الإسرائيلي” والمتدينين، وسينزلون إلى الشوارع، في ظل وجود متظاهرين من اليسار سيكون الكيان أولًا أمام مظاهرات كبيرة جدًّا، تخرج ضدّ نتنياهو وتطالب بصفقة تبادل وإنهاء الحرب واستقالة الحكومة والمساواة في العبء، بمعنى أن الجميع يجب أن يخدم وبالتالي سيؤدي ذلك إلى صدام شارع ضدّ شارع قد يتطور بعد انتهاء الحرب في غزّة ولبنان إلى حرب أهلية لأن الحساب سيكون ثقيلًا جدًّا بين اليمين واليسار.

ورأى الخبير بالشؤون الصهيونية أن الحرب في غزّة ربما ستطول من عامين إلى ثلاثة في ظل اتساعها في جبهات أخرى، وأن القياس هنا هو حرب فيتنام، “فإذا أردنا أن ننظر إلى معركة طوفان الأقصى وحرب فيتنام نرى أن ما حدث في فيتنام هو ذاته ما يحدث في طوفان الأقصى. بمعنى أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت إلى حرب استنزاف طويلة بفكر وعقيدة انتقامية ورد اعتبار، دون أن يكون لها أي غاية سياسية من هذه الحرب، ودون أن تخطط للانسحاب منها، ودون أن تخطط لما بعدها كما يحدث الآن في قطاع غزّة”.

واستطرد قائلًا: “إسرائيل” دخلت في هذه الحرب انتقامًا ولا يوجد أحد على مر التاريخ يخوض حربًا من ناحية انتقامية؛ فالهدف من أي حرب هو تأسيس واقع سياسي، وبالتالي حتّى الآن “إسرائيل” لا تعرف ما الذي تريده من قطاع غزّة، وفي الوقت ذاته فإن مجرد انسحابها وبقاء قادة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزّة يعني هزيمة “لإسرائيل” التي لا تستطيع احتمال فكرة التعادل مع أضعف الخصوم بالنسبة لها، لأنه لن يأخذها أحد بعد ذلك على محمل الجد، فحين تتحدث “إسرائيل” عن بقية خصومها، يعني أنها ذاهبة لاستنزاف طويل لأنه لا توجد طريقة لها كي تنسحب من هذه الحرب.

وأردف بالقول: “من أركان العقيدة العسكرية في “إسرائيل” الحرب الخاطفة، لكنّها اليوم تقاد في هذه الحرب، وبالتالي لدينا معادلة خطيرة هي أن “إسرائيل” غير قادرة على خوض هذه الحرب والاستمرار فيها ولا تستطيع التنازل عنها، فهي من جهة لا يوجد لديها قدرة مادية ولا بشرية ولا عسكرية ولا لوجستية للاستمرار في هذه الحرب، ومن جهة أخرى فإن بقاءها يعتمد على هذه الحرب، وإذا لم تحصل فيها على صورة انتصار لا تقبل الجدل لن يأخذها أحد على محمل الجد عسكريًّا، كونها تعتبر حركة حماس أضعف خصومها، فكيف ستستطيع “إسرائيل” أن تقول للعرب إنها ستحميهم من إيران أو من حزب الله أو أنصار الله؟ وكيف ستسوّق لأنظمتها العسكرية والدفاعية التي تهاوت في الشمال والجنوب؟

وبيّن أبو عدس أن هناك 11,000,000 يهودي حول العالم، غير مستعدين للتخلي عن مواطنهم الأصلية ليقاتلوا في دولة فيها عدة جبهات، خاصة أن “إسرائيل” اليوم من الناحية الدولية أصبحت كالبعير الأجرب مبعدة وأصبحت في قائمة واحدة مع “القاعدة” و”داعش” و”بوكو حرام” وغيرها من التنظيمات التي تقتل الأطفال، وبالتالي هذه المعادلة كارثية بالنسبة للكيان الذي لا يملك خيارًا إلا الاستمرار بما هو عليه. كذلك الإدارة الأميركية، التي تمثل لها هزيمة “إسرائيل” سقوط أقوى ركن في المشروع الأميركي في المنطقة، وبالتالي إذا هزم الكيان الصهيوني لن تستطيع الإدارة الأميركية أن تسوّق نفسها على أنها النصير والحامي لحلفائها في حين أن الحرب في غزّة استنزفت قدرات الولايات المتحدة الأميركية على الوقوف بجانب أوكرانيا وبجانب تايوان، وعلى تغذية صراعات دولية كبرى، وكلّ  الاحتمالات تشير إلى الخسارة والإدارتان الأميركية والصهيونية تعلمان ذلك.

وتطرق عزام أبو عدس للحديث عن الدور المقبل للولايات المتحدة في ظل إدارة جديدة بالقول إن ترامب شخص خارج المنظومة السياسية الأميركية، فهو لم ينشأ في هذه المنظومة مثل جو بايدن وغيره، لذلك فإن حساباته بعقليته كتاجر مختلفة كلّيًّا فضلًا عن أنه يريد أن يتخلص من الأعباء التي فرضتها عليه إدارة بايدن، ومن ضمنها أوكرانيا، وأن حرب “إسرائيل” هي حرب خاسرة ومن الممكن أن يفرض وقف إطلاق نار، ويذهب إلى حلول، علمًا أنه في حال فاز بولاية جديدة لن ينفذ الكثير مما يعد به في حملته الانتخابية.

وختم أبو عدس حديثه مع موقعنا بالقول: “إذا لم تحدث أي مفاجأة، وإذا لم تقم الإدارة الأميركية بفرض إيقاف الحرب على العدوّ الصهيوني سنكون أمام اتساع للمعارك بشكل كبير في جنوب لبنان، والاتّجاه إلى حرب مفتوحة ولا سقف لها، وستؤثر على دولة الكيان لعقود قادمة”.

المصدر : العهد الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى