حول العالم

النصيرات.. هزيمة الأنذال

“أكانوا قبل قليل حقًّا أطفالًا
هذا اللحم يفوح دخانًا ورديًا
يصبغ خد الدين بحمرته
يا ربّ كفى بقرًا..
يا ربّ كفى حكامًا مثقوبين”

مظفر النواب – تل الزعتر

للمرة المئة أو الألف، لا يهم، نجحت وسائل الإعلام الصهيو-عربية في أن تمرر تحت أبصار وأسماع 400 مليون شخص النكبة الأسوأ في تاريخنا الحديث، المذبحة الشاملة التي جرت في مخيم النصيرات بقطاع غزّة المحاصر، وبواسطة الحصار العربي المصري الأردني الشامل على فلسطين، ثمّ تدخل أم الأرهاب أميركا بشكل عسكري مباشر لإسناد الجيش الصهيوني في عملية “محرقة العصر”، لكن إعلام الأنظمة المشاركة تمامًا وبالكامل في الجريمة اختار فلسفة التشتيت ومخاطبة الشعوب بوصفها كائنات عديمة الإدراك والفهم، وأن ما يجري في فلسطين بعيد جدًا عن الأولويات والانتماءات والمصالح الوطنية. استكمل الإعلام العربي تجسيد معنى الخيانة وطعم مرارة الخنجر السام في الظهر.

الواقع العربي – عدا جبهات الشرف – ساقط وجبان، ليس جديدًا أنه أيضًا أصبح صفرًا مكعبًا، وفي معادلة فلسطين والشرف لا وجود لمصر أو الأردن أو السعودية، هذه الأنظمة انتهت عمليًا، والباقي للزمن والأيام ومصالح الأرباب الغربيين، هذه الأنظمة وشعوبها مهزومة أصلًا قبل أي قتال أو معركة، وخروجها من خنادق القتال إلى خيمات الاستسلام والنذالة كانت أفضل ما حدث للقضية العربية، فألويتهم لا تعرف سوى الهزيمة والانسحاب، وبالعموم هذا كله ليس وقته، ففي عز معركة “طوفان الأقصى” المباركة، فإن كلّ الأماني العربية معلقة على خيار وحيد هو البندقية، ولا تزال البندقية العربية بخير وتقاتل.

بالنسبة إلى من يعرف معنى الجهاد، فإن هذه الدماء الغالية قرابين الحق التي تقدم لله، الشهداء ليسوا “خسارة بشرية” كما يروج إعلام النفايات، بل هم المنتصرون في هذا الكون، هم أصحاب الحاضر والمستقبل وبناة الأوطان الكريمة، بمثل ما كان رد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، على شهادة السيد هادي “نحن لا نربي أبناءنا ليصبحوا زعماء أو قادة، بل نربيهم ليرتقوا شهداء”، المقاومة في غزّة لليوم السادس والسبعين بعد المئتين ما زالت باقية صامدة، وعملية النصيرات أثبتت أن المقاومة الصغيرة المحاصرة التي تحارب بعد ما يزيد عن 8 شهور، ألجأت الصهاينة إلى القوات الخاصة الأميركية لاقتحام مواقعها، ومع ذلك فإن كلّ ما خرجت به واشنطن و”تل أبيب” من الميدان كان 4 أسرى، مقابل قتيلين وعدد من الجرحى، وقتلى آخرين من الأسرى.

إن كانت حكومة العدو، وهي مأزومة عاجزة، تروّج لما حدث على أنه نصر عسكري، فماذا يمكن أن نصفه من الضفّة الأخرى؟ أي شيء سوى أن يكون هزيمة أو تراجع أو نكسة.

في اليوم التالي لمذبحة النصيرات لم تكن الدموع وحدها هي التي تجري في المنطقة العربية، بل جاء الرد من جبهات لبنان واليمن، استهدف أنصار الله بارجة حربية بريطانية في البحر الأحمر كردّ فوري على المجزرة البشرية التي جرت في النصيرات، ثمّ كان الدور على رجال الله في جبهة شمال فلسطين لاستمرار حربهم “المختلفة والجديدة والمغايرة” لكل حروبنا ومعاركنا مع كيان العدو، وصدق سيد المقاومة حين وصفها ومنحها الهدف والعنوان.

مع استمرار عمليات حزب الله وأبطاله على الجبهة صارت الكلمة الأكثر تكرارًا في الصحف الصهيونية هي: “اليأس”، الأسبوع الحالي بالذات وردت الكلمة في مداخلات لجنرالات ومحللين أكثر من أي وقت، وكأنه العنوان العريض لما يرونه – هم – بعيونهم من انهيار وخسائر ودمار، بحيث إنه أفقدهم التوازن تمامًا.

هذه المعركة أصبحت معركة كلّ شيء أو لا شيء، للكيان الهش، ومن ورائه المصالح الأميركية والغربية المهدّدة، لمحور المقاومة الذي لن يقبل بتصور أميركي يحلم بأن يرسم شكل مستقبل المنطقة، بل وحتّى للأطراف الجبانة التي تحاول الابتعاد عن نيرانها متوهمة إنها ستفلت من المصير المحتوم.

وبغضّ النظر عن وساوس نتنياهو وجنون العظمة الذي أطبق على عقله، وبدد قدرته على التفكير السليم أو المنطقي، فإن المقاومة في كلّ جبهة قد تكفلت بتوجيه كم هائل من الضربات النوعية للكيان، لعلّ واحدةً من أهمها ذكرها سماحة السيد حسن نصر الله، في آخر إطلالاته، لتفردها ولأن تأثيرها المدوي تعدى الجبهة بسرعة إلى داخل الكيان وانتشر عبر إعلامه وقادته السابقين، قال سماحته: “قادة الكيان نتنياهو وغالانت أتوا إلى الشمال ليفاخروا بإبعاد المقاومة إلى كيلومترات بعيدة، وجاء الرد بعملية (راميا)، ولو أراد المجاهدون أن يذهبوا إلى الموقع لذهبوا، ولو أرادوا أن يدخلوا إلى الموقع لدخلوا”.

في هذه الأيام وبينما تتوجه القلوب لا إراديًا نحو مكة وبيت الله الحرام، هناك وجهة أخرى لقصة أخرى مختلفة، في بداية رحلته، قال الإمام الحسين بن علي –عليهما السلام – “ألا وإنّي زاحفٌ بهذه الأسرة على قلّة العدد، وخذلان الناصر”.. هذه العبارة دقيقة البنية، بالغة البساطة والتعقيد، تمثل منهاجًا لتعامل الإنسان في كلّ وقت وتحت ضغط أي ظرف، الوعي هو الشرط الأول المطلوب للإيمان، حين تقدم إجابتك على هذا السؤال تكون قد اقتربت من الطريق الصحيح، في وجه المسلم اليوم هناك أسئلة الوعي الثلاثة، ما القضية؟ ماذا نريد؟ من العدو؟ وقضيتنا الحاضرة هي فلسطين، وما نريده بالتأكيد هو محو كيان العدوّ من الوجود، والعدو الأول هو الشيطان الأكبر أو الولايات المتحدة، وأي قول يلطف هذه الحقيقة هو خيانة لله وللحق والشرف.

المصدر: العهد الاخباري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى